تعاون اقتصادي سعودي – إسرائيلي خفي قبيل التطبيع العلني
ألقت اتفاقية التطبيع الإماراتي – الإسرائيلي الضوء على تعاون اقتصادي خفي بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل اللتان تتمتعان بعلاقات “ودية ودافئة” وسط ترقب إعلامي بإعلان اتفاق التطبيع رسميا قريبا.
وتدور تكهنات سياسية في كواليس الأروقة الدبلوماسية عن لحاق البحرين وسلطنة عُمان قريباً بركب الدول المطبّعة مع إسرائيل، وما إذا كانت السودان والسعودية ستنضمان قريباً لإعلان مشابه.
وكشف مصادر رفيعة المستوى أن “المنامة حتى الآن هي الأقرب بالفعل، وهناك مباحثات متقدمة تجري في هذا الشأن يديرها مستشار الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنر بمشاركة سعودية، لكن انضمام الرياض نفسها ما زال محل شك، على الرغم من الدور المصري الذي لعبه الرئيس عبد الفتاح السيسي أيضاً في مرحلة سابقة لخلق سبل اتصال وتنسيق مباشرة بين السعودية والإسرائيليين”.
وذكرت المصادر أن السيسي دفع نحو توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية بمباركة إسرائيلية، ونقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة، لتدخل بذلك طرفاً في العلاقات الأمنية والسياسية القائمة بين مصر والأردن وإسرائيل.
واستدركت: “الجهود المصرية لا تجعل السودان بعيداً عن الانضمام للركب قريباً، لا سيما إذا ضمنت إطالة الفترة الانتقالية الحالية وعلى رأسها مجلس السيادة، أو انتقال السلطة لتكون دائمة بحوزة شخصيات عسكرية أو مدنيين يمكن التفاهم معهم حول هذه المسألة”.
وقالت المصادر أن المملكة تحت قيادة ولى العهد محمد بن سلمان ليست لديها موانع في المشاركة في تحالفات اقتصادية، بمشاركة إسرائيلية ومصرية ودول أخرى برعاية أميركية، “لكن إدارتها الحالية ترى أن الوقت غير ملائم تماما على المستوى الشعبي لاتخاذ خطوة تعادل ما فعلته الإمارات”.
وأشارت إلى أن مشاريع تطوير البنية التحتية لدول الشرق الأوسط لتداول الغاز الطبيعي وإسالته، هي مدخل أساسي للمضي قدماً في مشاريع التسوية بين الأنظمة العربية والاحتلال الإسرائيلي، وتصفية القضية الفلسطينية.
وأضافت أن “السعودية التي بحثت بالفعل شراء الغاز الطبيعي من إسرائيل، قريبة من الإسهام في تصورات لتدشين مشاريع مشتركة بين دول المنطقة في ساحة البحر الأحمر برعاية أميركية”.
ومن ضمن الأوراق التي تطرحها مصر، أن تشارك المملكة في مشروع مستقبلي يجري الاتفاق على تفاصيله مع إسرائيل لإقامة وحدة أو اثنتين لإسالة الغاز الطبيعي الإسرائيلي والمصري في البحر الأحمر، بهدف تصديره إلى الخليج ودول آسيا، لمزاحمة أكبر الدول المصدّرة للغاز إلى الدول الصناعية الكبرى في جنوب آسيا والمعروفة بأنها من الأكثر استهلاكاً للطاقة في العالم مثل الصين واليابان.
ومن بين الأفكار التي تُطرح أيضاً لهذا المشروع، دخول السودان بعد التطبيع كشريك مقابل مساعدات كبيرة له لتوسيع إمكانياته التعدينية في البحر الأحمر، ومن دون الحاجة لترسيم الحدود البحرية مع المملكة أو مصر، حيث ستبقى مسألة مثلث حلايب وشلاتين تلقي بظلالها على هذه النقطة.
والأفكار المصرية الإسرائيلية، التي نوقشت بالفعل في اجتماعات منتدى شرق البحر المتوسط للغاز، مدعومة من بعض الشركات الناشطة في هذا المجال، في ضوء التعاون المتقدّم بين شركات “نوبل إينرجي” الأميركية، و”ديليك” الإسرائيلية، و”غاز الشرق” المصرية المملوكة حالياً للدولة ممثلة في جهاز المخابرات العامة وهيئة البترول (تختلف عن شركة غاز شرق البحر المتوسط محل الصفقة ومالكة شبكة الأنابيب بين البلدين) وكذلك “دولفينوس” المملوكة لمستثمرين مصريين.
في المقابل كشفت المصادر أن المملكة ستستفيد نظرياً من المشاركة في مشروع كهذا، فهي في حاجة إلى الغاز الذي يخضع لإسرائيل، والأخيرة في حاجة إلى وحدة لإسالة الغاز لضمان تحقيق قدر أكبر من الأرباح عند التصدير.
أما مصر فقد أبدت للجانب الإسرائيلي استعدادها لإقامة وحدة الإسالة في منطقة صناعية جديدة على شاطئ البحر الأحمر كجزء من مساعي نظام السيسي لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى منطقة الصحراء الشرقية وجنوب السويس وتوفير المزيد من فرص العمل المؤقتة والدائمة، كما حدث لدى إنشاء وحدتي الإسالة اللتين تتميز مصر بهما في هذه المنطقة، على شاطئ البحر المتوسط، في إدكو ودمياط.
وكشفت المصادر أنه في حال الاتفاق على تطوير مشروع كبير للطاقة في منطقة البحر الأحمر، فسوف يتحتم على السعودية تمويل الجزء الأكبر منه، مقابل الحصول على حصتها من الغاز المسال بصفة دائمة والتشارك مع مصر وحكومة الاحتلال في أرباح التصدير على المدى الطويل.
ولا يمكن النظر إلى هذا المشروع باعتباره الوحيد الذي يمكن تنفيذه في منطقة البحر الأحمر، فبعد إقرار اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، بدأت الدولتان البحث عن استغلال الغاز في المنطقة الاقتصادية لكل منهما، وفقاً لتصريحات الوزير السعودي خالد الفالح في مارس/آذار 2019، الذي تحدث عن أن شركة “أرامكو” ستعمل على التنقيب خلال العامين المقبلين.
ووفقاً للشق المالي من “صفقة القرن” الأميركية التي كشف تفاصيلها عشية ورشة المنامة التي عقدت يومي 25 و26 يونيو/حزيران 2019، فإن دول الخليج العربي، وبالأخص السعودية والإمارات، ستموّل أكثر من 50 في المائة من المبالغ المخصصة لمصر وقيمتها 9,167 مليارات دولار، في شكل قروض.
وتفرد الصفقة أولوية واضحة لمشاريع ربط الطاقة والاستثمار فيها بين مصر وإسرائيل والدولة الفلسطينية لتوفير فرص العمل للفلسطينيين والمصريين وزيادة العوائد المالية على القاهرة.
ومن المقرر أن يتم تخصيص مليار و500 مليون دولار لدعم الجهود المصرية المشتركة مع الإسرائيليين لإنشاء مركز إقليمي كبير للغاز الطبيعي في مصر، وتوظيف الإنتاج الكبير من الحقول المصرية وتحسين جودة شبكات نقل الغاز والغاز المسال، وذلك على مدار 5 سنوات.
وكذلك تخصيص 5 مليارات دولار كاملة لدعم البنية التحتية للدولة المصرية بصفة عامة، نصفها في صورة قروض على مدار 10 سنوات، وتخصيص نصف مليار دولار لدعم الجهود المصرية لإنشاء وتطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وزيادة المشاريع والمصانع والمناطق اللوجستية فيها، مع تخصيص نسبة من العمالة المؤقتة والدائمة فيها للفلسطينيين.
ولا تقتصر صفقة القرن على الدول المذكورة فقط، بل إن المساعدات المصرية للسودان في مختلف المجالات هدفها استمالة الخرطوم في الخطوات المستقبلية لمسار مفاوضات سد النهضة وإسكات الأصوات التي تعلو بين حين وآخر لإشعال الخلافات حول مثلث حلايب وشلاتين.
وشكلت الملفات السابقة العنوان الأبرز للزيارة التي أجراها رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، السبت، إلى الخرطوم، مصطحباً معه مجموعة من وزراء الحقائب الخدمية تمهيداً لإعلان الخطوات التنفيذية لمشاريع تنموية مشتركة في مجالات الكهرباء والطاقة والزراعة والتعدين، فضلاً عن إعلان تسليم أكثر من 22 طناً من الأدوية وألبان الأطفال وأجهزة تحاليل واستكشاف مبكر للأمراض وقوافل طبية مؤقتة لإعانة منظومة الصحة.
واعتُبرت الزيارة خطوة تنفيذية لما تعهد به الرئيس السيسي في مارس/آذار الماضي بإرسال مزيد من المساعدات لمجلس السيادة السوداني، على مستوى الدعم الفني والمالي في مجالات مرفقية وخدمية.
فضلاً عن عروض الوساطة لدى بعض الدول الأوروبية لاجتذاب المزيد من المساعدات والقروض، إلى جانب المضي قدماً في ملف التعاون الأمني والاستخباراتي والتواصل مع عدد من الجهات الدولية المانحة في أوروبا ووزارة الخزانة الأميركية، لدعم موقف السودان في المطالبة بالحصول على عدد من القروض التنموية وإسقاط مديونيات قديمة.
لكن وبالتوازي مع هذا المسار، تبذل مصر جهوداً أخرى للإسراع بإدخال السودان دائرة الدول العربية المطبّعة مع إسرائيل، كجزء من التخطيط الأميركي الجديد للمنطقة، مغرية الخرطوم بانهمار المساعدات المالية واللوجستية عليها من الولايات المتحدة وأوروبا ودول خليجية بارزة منها الإمارات والسعودية.
ولا زالت السودان تدرس الأمر وسط نقاشات وخلافات داخل مجلس السيادة السوداني.
وأعلن السودان في فبراير/شباط الماضي، الموافقة بصورة مبدئية على تحليق طائرات إسرائيلية في أجوائه، عقب يومين من اجتماع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في أوغندا.
وكانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، تعتبر السودان دوماً تهديداً أمنياً، وتدعي في عهد رئيسه المخلوع عمر البشير أن إيران استخدمت الأراضي السودانية لتهريب أسلحة إلى قطاع غزة.