فضائح السعودية

هوس نظام آل سعود بصفقات الأسلحة لا يتوقف رغم أزمة المملكة

لا يختلف اثنان على خطورة الأزمة المالية التي تشهدها المملكة، منذ بداية عام 2020م، والتي قابلها نظام آل سعود بفرض إجراءات تقشف غير مسبوقة على المواطنين؛ لكن ذلك لم يؤثر على هوس النظام بصفقات الأسلحة.

وتحت ذريعة “إنقاذ موازنة البلاد من العجز”، أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان، مايو/ أيار المنصرم إيقاف بدل غلاء المعيشة بدءا من شهر يونيو/حزيران وكذلك رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% بدءا من الأول من شهر يوليو/تموز لعام 2020، عدا عن وقف قروض العقارات للمواطنين والموظفين وغيرهما.

وتأتي هذه الإجراءات الجديدة لتضاف لسلسة إجراءات سابقة في هذا الإطار، بعد انهيار أسعار النفط أوائل مارس/آذار، بسبب حرب الأسعار التي شنها ولي العهد محمد بن سلمان مع روسيا، في الوقت الذي ضرب فيه فيروس “كورونا” الاقتصاد السعودي وتسبب في تراجع الطلب العالمي على النفط الخام.

لكن ثمة تعارض في الوقت الحالي، كشفت عنه صحيفة “فايننشال تايمز” بعدما نقلت عن مدراء تنفيذيين في شركات أسلحة غربية تأكيدهم أن مبيعاتهم للمملكة لم تتأثر بأزمتها المالية.

وقال أحد مدراء التسليح الغربيين: “لقد توقعت خفضا للنفقات ولكن المعلومات من المستويات العليا والأمراء: لا، لن نقوم بعمل هذا ولا تأت وتسألني إن كان برنامجك سيلغى، وواصل العمل بجد لأننا سنواصل على ما نحن عليه”.

وأضاف المدير، الذي رفض كشف هويته، أن إجراءات التقشف أدت إلى العديد من التساؤلات حول أثرها على الصفقات الدفاعية. فبعد يومين من الإعلان عن الإجراءات، في مايو/ أيار المنصرم، تم منح الفرع الدفاعي من شركة بوينغ عقودا بـ 2.6 مليار دولار لكي تزود المملكة بألف صاروخ أرض- جو وصواريخ مضادة للسفن.

وقالت “لوكهيد مارتن” شركة التصنيع الحربية الأمريكية التي تزود أنظمة الصواريخ الدفاعية “ثاد” إلى المملكة إنها “لم تر أي تراجع في النفقات على الدفاع من أي زبون لها في الشرق الأوسط”.

وقال روبرت هيوارد، مدير وحدة الشرق الأوسط في “لوكهيد مارتن” إنه من المبكر معرفة إن وصلت التخفيضات في النفقات إلى المجال الدفاعي، ولكنني أتوقع من زبائن بينهم المملكة “الاستمرار في مشترياتهم”.

وأضاف هيوارد أن “التهديدات الإقليمية لم تتراجع ولم يعد بالإمكان التكهن بها أكثر من أي وقت مضى”، مشددا على ضرورة أن تتخذ الدول قرارات فيما يتعلق بالميزانيات كما تفعل في معظم الأحيان.

وقال مسؤول دفاعي آخر يتخذ من الخليج مقرا له إنه لم يشاهد “تحولا في المواقف من الزبائن” ولكنه اقترح أن هذا قد يتغير.

وعندما سيتم اتخاذ القرارات هذه، يقول المحللون إن صفقات السلاح الكبيرة التي قربت محمد بن سلمان إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستتأثر بإجراءات شد الأحزمة.

فعندما استقبل ترامب بن سلمان بالبيت الأبيض عام 2018 حمل معه لوحة عليها صفقات “تمت” مع المملكة بقيمة 12.5 مليار دولار، تشمل دبابات ومقاتلات عسكرية وسفنا حربية.

وتنقل الصحيفة عن وزارة المالية في المملكة، قوله: إن “المملكة ستواصل دعم الاحتياجات العسكرية للجيش ولن تبخل بأي شيء من أجل الدفاع عن شعبنا وأرضنا”.

وقالت الوزارة إنها تقوم بترشيد النفقات من أجل التأكد والحصول على المعدات الدفاعية بالثمن الجيد والكمية المطلوبة بمحددات معينة.

ووصلت النفقات الدفاعية السعودية العام الماضي إلى 52.8 مليار دولار بانخفاض 18.2 مليار دولار عن العام الذي سبقه.

إلا أن الوزارة قالت إن التخفيض يعكس “تحسنا في المشتريات والتخطيط” وليس تخفيضا في النفقات.

ويرى مراقبون أن التقديرات للنفقات الدفاعية لعام 2019 هي أعلى من الأرقام الرسمية. وتظل النفقات الدفاعية في الشرق الأوسط غامضة لكن معظم الأنظمة تميل لشراء السلاح الأمريكي.

ففي شهر آذار/مارس وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على نفقات سلاح للإمارات العربية المتحدة ومصر والكويت والمغرب. وتتراوح هذه من صفقات صواريخ إلى صيانة طائرات أباتشي وطائرات نقل. إلا أن المملكة تظل أكبر منفق على صفقات السلاح من الشركات الأمريكية والبريطانية.

وتشكل النفقات الدفاعية نسبة 17 بالمائة من النفقات الحكومية.

وفي عام 2015 وصلت النفقات الدفاعية إلى مستوياتها العليا إلى 87 مليار دولار، حسب معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام. وهو العام الذي دخلت فيه المملكة الحرب باليمن. وانخفضت النفقات إلى 28 بالمائة عام 2016 قبل أن ترتفع من جديد.

وقال الباحث في المعهد بيتر ويزمان: “يبدو أن القيادة السعودية قد توصلت إلى أن القوة العسكرية ضرورية للانتصار في اليمن وردع إيران ولهذا زادت من النفقات رغم الركود الاقتصادي”.

وقاد النزاع إلى أكبر كارثة إنسانية في العالم وزاد من التدقيق في صفقات السلاح الأمريكية والبريطانية إلى المملكة. ومنذ نيسان/إبريل أعلنت الأخيرة عن وقف إطلاق للنار من طرف واحد وهي تحاول كما يقول المراقبون منذ وقت للخروج من الحرب، وهو تحرك سيؤدي إلى تخفيض النفقات العسكرية.

إلا أن المملكة لا تريد الظهور بمظهر من يتحرك بسبب ضعفه، حسبما تنقل “فايننشال تايمز” عن دبلوماسي غربي. ورفض الحوثيون وقف النار وظلوا يطلقون النار من فترة لأخرى. وتقول الصحيفة إن الأزمة هي أعمق من كونها متأثرة بتراجع أسعار النفط.

ويقول كريغ كافري، المحلل الدفاعي في “أفيشين ويك”، إن المشتريات الاختيارية مثل محاولة توسيع القوة البحرية السعودية قد تؤجل. وتفكر المملكة حاليا بشراء بوينغ بي-8 للرقابة البحرية، وهذا قد يكلفها ثلاثة مليارات دولار في البنى التحتية العسكرية بما في ذلك شراء أسراب جديدة، فضلا عن تكاليف برامج التدريب.

وخلال مايو/ أير المنصرم، أفادت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بأن شركة بوينغ الأميركية ستزود المملكة بأكثر من ألف صاروخ بواقع 650 صاروخا من طراز (SLAM ER) – صواريخ جوية، و402 من طراز (Harpoon) المضادة للسفن.

وبحسب البيان الصادر عن (البنتاغون) فإن نظام آل سعود وقع عقدا مع الشركة بـ1.971 مليار دولار لتطوير ونقل 650 صاروخا (SLAM ER) إلى المملكة، ومن المتوقع أن تتم الصفقة حتى ديسمبر عام 2028.

لكن موقع “إنتلجنس أونلاين” المتخصص في المعلومات والتقارير المخابراتية، قال إن ولي العهد اضطر لإعادة فتح سوق الدفاع أمام الشركات الأميركية؛ لتهدئة غضب الولايات المتحدة بشأن آثار الحرب النفطية بين الرياض وموسكو.

وتوقع الموقع قبل أكثر من شهر حدوث ذلك التطور عندما جرى إنهاء عمل الألماني أندرياس شوير رئيسا تنفيذيا للشركة السعودية للصناعات العسكرية، وتعيين وليد أبو خالد رئيسا تنفيذيا مؤقتا للشركة، وهو ما شكل “خبرا سارا للشركات الأميركية”.

وأشار الموقع إلى أن أبرز المجالات التي شهدت عودة الشركات الأميركية هي العقود البحرية، حيث جرى توقيع صفقة في نهاية أبريل/نيسان الماضي لتدريب البحارة في البحرية الملكية السعودية.

وكانت وكالة “رويترز” نشرت تفاصيل مكالمة عاصفة بين ولي العهد محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترامب، هدد فيها الأخير بقطع الدعم العسكري إذا لم تتوقف المملكة عن إغراق الأسواق، في أعقاب حرب أسعار مع روسيا أشعلتها الرياض وأدت إلى خفض انهيار تاريخي لأسعار الخام مما أضر بصناعة النفط الصخري الأميركي.

وقرر(البنتاغون) في وقت سابق من مايو/ أيار الحالي، سحب بطاريات باتريوت ومقاتلات وجنود من الأراضي السعودية، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” التي قالت إن واشنطن تدرس أيضا تخفيض تواجدها البحري في منطقة الخليج.
ووفقاً لتقرير خدمة أبحاث الكونغرس، أبرمت الولايات المتحدة والمملكة اتفاقيات بيع أسلحة بلغت 139 مليار دولار بين عامي 2009 و2016. وأظهرت بيانات معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام (منظمة دولية مستقلة) أنّ الإنفاق العسكري العالمي بلغ 1.9 تريليون دولار في عام 2019.

وحتى عام 2018، كانت المملكة تحتفظ بثالث أكبر ميزانية دفاعية في العالم، وهي أكبر مشترٍ للأسلحة والمعدات الأميركية، إضافة إلى استمرار حاجة الرياض لمدربين ومستشارين عسكريين لبيان كيفية استخدام تلك الأسلحة والمعدات باهظة الثمن.

ووفقاً لتقارير غربية، تُنفق المملكة ما يصل إلى 4 مليارات دولار شهرياً على حربها في اليمن، ما يؤثر بقدراتها على تقديم الدعم لعدد من دول المنطقة، مثل مصر والأردن، لضمان الاستقرار الأمني في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى