فضائح السعودية

اختفاء غامض لأميرة من العائلة المالكة بسبب آرائها العلنية

يثير اختفاء غامض للأميرة بسمة بنت سعود بن عبد العزيز التساؤلات داخل المملكة وخارجها وسط مخاوف من أن تكون انضمت إلى قائمة طويلة ممن اختفوا من العائلة المالكة أو فُرضت عليهم قيود في الحركة والسفر نتيجة مطالب حقوقية.
ولنظام آل سعود خصوصا منذ صعود ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة سجلا أسودا في قتل واعتقال والتضييق على المعارضين حتى لو كانوا من داخل العائلة المالكة.
وتعرف الأميرة بسمة بأنها عضوة بارزة في العائلة المالكة وناشطة في مجال حقوق الإنسان وشخصية إعلامية. لكنها اختفت، ويعتقد بأنها رهن الإقامة الجبرية مع إحدى بناتها في الرياض.
مصدر مقرب من الأميرة لم يرغب في ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال إنه بينما كانت الأسرة على اتصال بالأميرة، لاحظت أنها لم تستطع الحديث بشكل منفتح، ذلك لأن اتصالاتها كانت قيد المراقبة.
ولطالما كانت الأميرة بسمة داعمة لعمل إصلاحات دستورية وللقضايا الإنسانية سواء في المملكة أو في جميع أنحاء المنطقة، وقد عبرت عن ذلك من خلال وسائل الإعلام العالمية المختلفة.
ويأتي (احتجاز) الأميرة المزعوم في وقت اكتسبت فيه آراء مماثلة غضب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يرى فيه كثيرون حاكماً فعلياً للبلاد. وربطت تقارير إعلامية سابقة بين هذا الغضب وبين حالات اغتيال واختفاء وسجن وترهيب طالت بعض منتقديه، ومنهم من فروع العائلة المالكة أيضاً.
وقال المصدر إن الأميرة بسمة احتجزت في مارس/ آذار من هذا العام للاشتباه في محاولتها الفرار من البلاد مع ابنتها، بعد أن كان من المقرر أن تسافر إلى سويسرا لتلقي العلاج.
وتظهر وثائق أن الأميرة لديها تصاريح للسفر من جدة في 18 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي برفقة ابنتها، للحصول على رعاية طبية عاجلة حسب طلب طبيبها السويسري.
وقال ليونارد بينيت المحامي الذي رتب عملية السفر، إن طائرة الأميرة بقيت على الأرض ولم يسمح لها بالمغادرة.
وأوضح بينيت أنه بعد حوالي شهرين من تلك الواقعة “اختفت الأميرة تماماً ولم نعد نعرف أين هي، ولم يكن أحد يعرف مكانها، كنا نخشى الأسوأ بالفعل”. ولكن بعد محاولات متواصلة للاتصال بها “عادت إلى الظهور، وبدت وكأنها رهينة”.
وعلى الرغم من أن السجلات تظهر أن الرحلة كانت متجهة إلى جنيف، إلا أن المحامي بينيت قال إنه كان من المقرر أن تسافر الأميرة عبر تركيا والتي تعتبرها الرياض دولة معادية، ما جعل الرحلة تثير شكوك البعض.
المصدر المقرب من الأميرة بنت سعود قال: “لقد أجروا تحقيقًا لمعرفة ما إذا كانت (مزاعم محاولة الفرار) صحيحة أم لا وعلى الرغم من انتهاء تلك التحقيقات، إلا أنه وحتى هذه اللحظة لم يكن هناك إجابة”.. “لقد ثبت أنها كانت معلومات خاطئة، إلا أننا لا نزال لا نعرف سبب احتجاز الأميرة”.
وقال المصدر إنه لا يعرف من الذي أمر بالقبض على الأميرة بسمة، لكنه أصر على أن المسألة ليست ذات دوافع سياسية وأن ما حدث لم يصدر به أمر، بمعرفة أفراد العائلة الحاكمة.
مصدر آخر يعد صديقاً وزميل عمل للأميرة – لم يرغب في ذكر اسمه – قال إنها فقدت منذ شهر آذار/ مارس، لكنه أضاف بأن العائلة الحاكمة لابد وأنها تعرف أين تكون الأميرة.
ويقول المصدر: “هناك مصدران آخران يقولان إنهما لا يعتقدان أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يعرف بما حدث، لكنني أختلف مع هذا القول، فهو يعرف بالفعل. لذلك نريد أن نعرف ماهية وضع الأميرة، ولماذا يتم احتجازها؟”
ورغم كون الأميرة بسمة مستخدمة دائمة لموقع تويتر، إلا أن حسابها الرسمي أصبح غير نشط منذ نهاية فبراير/ شباط الماضي. وبعد أن كان الحساب ينشر تغريدات دينية من حين لآخر حتى شهر يوليو/ تموز من قبل موظفيها – وفقًا لمصدر واحد – لم تعد أي تغريدات تنشر عليه.
بدأت الأميرة بسمة – وهي أم لخمسة أطفال – في الكتابة لوسائل الإعلام المحلية في عام 2006، لكنها أصبحت منذ ذلك الحين سيدة أعمال وصوتًا صريحاً في المطالبة علناً بإجراء إصلاحات، وهو الأمر الذي لم ينسجم دائمًا مع رؤى وأفكار وتوجهات حكام المملكة العربية السعودية.
بعد طلاقها، انتقلت بين عامي 2010 و2011 إلى لندن، إذ أصبحت شخصية إعلامية معروفة، وظهرت في العديد من المنتديات الدولية التي تسلط الضوء على الفساد، والقضايا الإنسانية، وعدم المساواة في توزيع الثروة وذلك في جميع أنحاء المنطقة.
كما شجعت الأميرة بسمة إجراء إصلاحات دستورية في المملكة والتي كان من شأنها أن تحد من سلطات الشرطة الدينية وتكرس من حقوق المرأة في القوانين السعودية.
في عام 2012 قالت الأميرة لمحطة بي بي سي البريطانية إنها حزينة لأن المملكة لم تتابع خططها لإقامة نظام ملكي دستوري، يتم فيه فصل منصب الملك عن منصب رئيس الوزراء، وهي القاعدة التي أسسها ووضعها والدها الراحل الملك سعود.
في مقابلة مع الإندبندنت في العام نفسه، قالت الأميرة إن الدعوات إلى الديمقراطية في جميع أنحاء المنطقة خلال الربيع العربي قد جعلت مسؤولي التحرير في الصحف السعودية قلقين بما يكفي لتعديل مقالاتها، إلا أنها في الوقت نفسه تلقت “تلميحات وإشارات قوية للغاية” بأن انتقاداتها (لم تكن) تلقى قبولاً”.
لكن انتقادات الأميرة بسمة لم تكن موجهة للعائلة المالكة، فقد ركزت على مستويات أخرى من الإدارة، وقد وصفت بأنها موالية لعائلتها الأوسع، وأنها ما كانت لتفعل أي شيء يمكن أن يلحق الأذى بالبلاد.
وفي وقت ما بعد عام 2015 انتقلت الأميرة مرة أخرى عائدة إلى المملكة، وأغلقت بعض شركاتها في لندن في عام 2016 ونقلت ما تبقى منها إلى إحدى بناتها في عام 2018 لكنها استمرت في الظهور في وسائل الإعلام الدولية.
وفي الوقت الذي قالت فيه إنها قد تم ابتزازها بسبب تصريحاتها، إلا أنها لم تسجل أي حضور إعلامي مهم منذ يناير/ كانون الثاني 2018، حيث دعت عبر “بي بي سي العربية” إلى إنهاء الحرب السعودية في اليمن.
في الوقت الذي احتجزت فيه الأميرة بسمة للاشتباه في محاولتها “الهرب” من البلاد وذلك في بداية الأزمة، فإنه يعتقد أن الأمر قد ترافق زمنياً مع وقوع نزاع عائلي داخلي أو وجود مسألة قضائية تتعلق بأبنائها.
في العام الماضي، أفادت وسائل الإعلام المحلية أن أبناء الأميرة تورطوا في اعتداء على أحد ضباط المرور، وأنه جرى احتجازهم دون تهمة في انتظار التحقيق، وهي مسألة ربما أبقت الأميرة بسمة في البلاد.
وقال زميل للأميرة في العمل إنها قاتلت من أجل إطلاق سراح أبنائها والذين أصبحوا الآن أحراراً.
مضاوي الرشيد، الخبيرة في السياسة السعودية وشؤون العائلة المالكة السعودية والأستاذة في كلية لندن للاقتصاد، قالت نه من المحتمل أن الأميرة بسمة بنت سعود كانت متورطة في نزاع عائلي داخلي حول الميراث أو حضانة أطفالها وأنه تم منعها من المغادرة أو أخذها ابنتها معها على خلفية هذا النزاع.
وفي حين أن بنات الأميرة تجاوزن سن الـ 21 ، وهو العمر الذي يُسمح فيه الآن لمعظم السعوديين بالسفر دون إذن من ولي الأمر، إلا أن ابنها الأصغر من مواليد عام 1998 وقد يكون أقل من تلك السن بقليل. ومع ذلك، تندرج العائلة المالكة في فئة مختلفة فيما يتعلق بمسائل السفر.
وقالت مضاوي الرشيد إن “جوازات سفر أفراد العائلة المالكة مختلفة عن جوازات سفر المواطنين في السعودية، وكان دائمًا على أفراد العائلة في الماضي الحصول على نوع من الإذن بالمغادرة”. وتضيف: “هناك دائمًا نوع من التدابير لأنهم قلقون بشأن شرف أميراتهم.” لكنها قالت أيضاً إنه من غير المرجح أن يتم التحفظ على شخص بقدر وشهرة الأميرة بسمة من دون علم السلطات والحكام السعوديين.
وأضافت الرشيد: “ربما وضعوها قيد الإقامة الجبرية أو الاحتجاز لمنعها من المغادرة والتحدث للإعلام”. “لكن الاعتقاد أن هناك شخص ما يقوم بذلك لإرضاء الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، هو أمر أشك فيه. يمكنهم أن يفعلوا ذلك مع أشخاص آخرين، لكن ليس مع أميرة. ”
وبصفتها الابنة الصغرى من أبناء الملك سعود السابقين البالغ عددهم 115 شخصاً، تمثل الأميرة بسمة فرعًا من العائلة التي كانت تعتبر ذات يوم بديلاً محتملاً للفرع الحالي في السلطة والذي يمثله الملك سلمان وابنه.
وفي عائلة أوسع مكونة من 14000 من أفراد العائلة المالكة، تنافست خطوط معينة من تلك العائلة الكبيرة على التأثير.
قالت الرشيد إنه قبل تسلم الملك سلمان العرش في عام 2015، كان سلفه الملك عبد الله قد روج لجانب من العائلة المالكة والذي تنتمي إليه الأميرة بسمة في محاولة منه لإحياء إرث والدها سعود.
وتضيف الرشيد: “خلال عهد الملك عبد الله، كانت هناك لحظة قام فيها حكام السعودية بإخراج كل أميراتهم إلى العلن للحديث، فيما بدا كحملة علاقات عامة بشكل أساسي”.. “لعبت الأميرة (لؤلؤة بنت فيصل آل سعود) هذا الدور … لكنها صمتت تماماً الآن. لن يفاجئني أن الملك سلمان وابنه أرادوا إسكات هؤلاء النساء اللواتي لم يعد مصرح لهن بالحديث”.
وقال ليونارد بينيت إنه يعتقد أن أقارب الأميرة الآخرين قد تم تقييد سفرهم لأنهم كانوا يُنظر إليهم على أنهم مصدر تهديد، ولكن رغم الظهور الإعلامي للأميرة بسمة بنت سعود وأحاديثها فإنها لم تكن لتهاجم الأسرة الحاكمة.
وأضاف بينيت: “يبدو أن الإدارة الحالية تعتقد أنه من الواجب تقييد سفر الأميرة، كما لو أنهم يخشون إذا ما سافرت إلى الخارج، فإنها ستقول شيئًا أكثر مما قالته من قبل، لكن إذا ما تابعت تصريحاتها السابقة، فسترى أنها كانت بطلة فيما يتعلق بقضايا حقوق المرأة، لكن ليس أكثر من أي شخص آخر”، مضيفاً أن “الطريقة التي فعلت بها ذلك لم تكن تحمل أي انتقادات للحكومة”.
مصدر قال “إنه بينما كانت للأميرة القدرة على الحصول على الأدوية، إلا أن أسرتها قلقة جداً بشأن حالتها الصحية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى