سجون السعودية مقابر لمعتقلي الرأي والمعارضين السياسيين

كشفت أوساط حقوقية عن حالة وفاة جديدة لمعتقل في سجون السعودية التي تحولت إلى مقابر لمعتقلي الرأي والمعارضين السياسيين في ظل ما يعانوه من إهمال طبي وتعذيب صامت.
وأعلنت منظمة “سند” الحقوقية السعودية وفاة الأكاديمي والداعية قاسم القثردي (70 عامًا) مؤخرا داخل أحد السجون السعودية، بعد أربع سنوات من اعتقاله على خلفية تُهم مبهمة تتعلق بـ”الإخلال بالنظام العام”.
وقالت المنظمة إنه حُكم عليه في 2021 بالسجن ثماني سنوات، يعقبها منع من السفر لمدة مماثلة، في ما اعتبرته انتقامًا صريحًا من آرائه ومواقفه السلمية.
وفاة القثردي في السجن لم تكن مفاجئة للمنظمات الحقوقية التي دقّت ناقوس الخطر منذ سنوات بشأن ظروف الاحتجاز في المملكة، لا سيما للمسنين وأصحاب الحالات الصحية الحرجة.
واعتبرت “سند” أن القثردي ضحية “إهمال طبي متعمد ورفض متكرر لإطلاق سراحه بكفالة رغم تدهور حالته الصحية”.
وفي تصريح لمدير عمليات “سند”، سامر الشمراني، قال: “هذه الوفاة ليست استثناءً، بل امتداد لسلسلة من الحالات المشابهة التي توفي فيها معتقلون مسنون في ظروف سجن قاسية ووسط غياب تام للرعاية الصحية. إننا نحمّل السلطات السعودية المسؤولية الكاملة، وندعو إلى الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين تعسفًا”.
زيارات شكلية وخروقات صادمة
بالتزامن مع وفاة القثردي، أُثيرت قضية حقوق المسنين في السجون السعودية على مستوى الأمم المتحدة، بعد زيارة أجرتها الخبيرة الأممية المعنية بحقوق المسنين إلى المملكة في أواخر أبريل/نيسان 2025.
وبينما زعمت السلطات السعودية الانفتاح على التعاون الدولي، رفضت بشكل صريح السماح للخبيرة بزيارة عدد من السجناء المسنين، بينهم الداعيتان سفر الحوالي (75 عامًا) وسلمان العودة (69 عامًا).
ووصفت الخبيرة الأممية هذا الرفض بأنه “انتهاك للشروط المرجعية لزيارة البلدان”، في إشارة إلى عدم احترام المملكة لتعهداتها أمام المجتمع الدولي. كما أكدت أن طلبها لرؤية السجناء جاء ضمن جدول أعمال رسمي، لكن السلطات السعودية حالت دون تنفيذه، ما يكشف عن رغبة واضحة في إخفاء الانتهاكات المرتكبة خلف جدران السجون.
وأضافت الخبيرة أن سلطات السجن ادّعت عدم وجود سجينات مسنات في أقسام الحراسة القصوى، لكنها لم تقدم أي أرقام أو معلومات شفافة حول عدد السجناء المسنين أو حالتهم الصحية، ما يكرّس الغموض والتستر على واقع الاحتجاز.
انتهاكات مضاعفة وظروف لا إنسانية
تقارير “هيومن رايتس ووتش” و”سند” تشير إلى أن السجناء في سجن الحاير، الذي يُعد من أكبر وأشد سجون المملكة حراسة، يعملون في أعمال قسرية دون أجر، ويُمنحون “امتيازات” كزيارة عائلاتهم مقابل العمل، وهو ما يخالف المعايير الدولية التي تنص على أن الزيارات العائلية حق أساسي وليست حافزًا مشروطًا.
ويؤكد التقرير أن السجناء المسنين يواجهون تحديات إضافية، منها عدم القدرة على الحركة، أو صعود الدرج، أو الوصول إلى مرافق الطعام أو الحمامات دون مساعدة. وفي كثير من الحالات، يُتركون لمصيرهم في بيئة لا توفر أي دعم طبي أو رعاية إنسانية.
ومن بين أبرز حالات الوفاة في السجون السعودية خلال السنوات الأخيرة، يُذكر الأكاديمي والإصلاحي عبد الله الحامد (69 عامًا)، الذي توفي في 24 أبريل/نيسان 2020، بعد حرمانه من الرعاية الصحية رغم حالته المتدهورة. وكذلك المفكر موسى القرني (67 عامًا)، الذي توفي في أكتوبر/تشرين الأول 2021، والداعية أحمد العماري (69 عامًا)، الذي قضى نحبه في يناير/كانون الثاني 2019.
قائمة طويلة من المحتجزين المسنين
رغم الوفاة المتكررة لأكاديميين ومصلحين، لا تزال السلطات السعودية تحتجز عددًا من كبار السن المعروفين بنشاطهم السلمي في مجال حقوق الإنسان والدعوة إلى الإصلاح.
وتضم القائمة: سفر الحوالي (75 عامًا)، عبد الله اليحيى (73 عامًا)، إبراهيم الناصر (71 عامًا)، سلمان العودة (69 عامًا)، زهير كتبي (69 عامًا)، عوض القرني (68 عامًا)، محمد دليم القحطاني (67 عامًا)، وعايدة الغامدي (67 عامًا).
جميع هؤلاء محتجزون تعسفًا منذ سنوات، بتهم لا علاقة لها بالعنف أو الإرهاب، بل فقط بنشاطهم السلمي في المطالبة بالإصلاح أو ممارستهم للحق في التعبير.
تلميع الصورة الخارجية… وواقع قاتم
في تعليقها على هذه التطورات، قالت جوي شيا، الباحثة المتخصصة في الشأن السعودي لدى “هيومن رايتس ووتش”: “إذا كانت السعودية جادة في تحسين سجلها الحقوقي قبيل استضافة معرض إكسبو 2030 وكأس العالم فيفا 2034، فعليها أن تبدأ بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين تعسفًا، خاصة من يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة”.
وتواجه المملكة منذ سنوات انتقادات دولية متكررة بشأن سجلها الحقوقي، وسط محاولات مستمرة لتلميع صورتها دوليًا عبر فعاليات رياضية وثقافية ضخمة، دون أن يرافق ذلك أي تقدم ملموس على مستوى الحريات أو المحاسبة أو استقلال القضاء.
وتكشف وفاة قاسم القثردي عن حجم الانتهاكات التي تمارسها السلطات السعودية في السجون، خصوصًا بحق كبار السن وأصحاب الرأي.
وبينما تواصل الرياض إنفاق المليارات على تحسين صورتها الدولية، يبقى الواقع الحقوقي داخل المملكة قاتمًا، تغلفه السرية وتغذيه سياسة الإفلات من العقاب. فهل تكون وفاة القثردي جرس إنذار كافيًا لإيقاف مسلسل الموت البطيء في الزنازين السعودية؟