فضائح السعودية

شهادات دامية وانتهاكات مروّعة: تقارير تفضح أوضاع العمال في السعودية

تواجه المملكة عاصفة متزايدة من الانتقادات الحقوقية الدولية بعد صدور سلسلة تقارير عن ثلاث منظمات بارزة في مجال حقوق الإنسان، تكشف النقاب عن أوضاع مأساوية للعمال والعاملات الأجانب، وسط تسارع مشروعات البناء المرتبطة برؤية 2030 وكأس العالم للرجال 2034.

وبينما تسعى الرياض إلى تلميع صورتها على الساحة العالمية من خلال استضافة الفعاليات الكبرى، تتصاعد أصوات الاتهامات بشأن “إهمال منهجي” لحياة وحقوق ملايين العمال المهاجرين الذين يشكلون العمود الفقري لهذه الطموحات.

ففي تقرير حديث نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش، تم توثيق سلسلة من الوفيات “المروعة” في مواقع العمل في السعودية، بينها حالات وفاة بالصعق الكهربائي، والسقوط من ارتفاعات شاهقة، بل وحتى حوادث قطع رؤوس بواسطة المعدات الثقيلة.

ووفقاً للمتحدث باسم المنظمة أحمد بن شمسي، فإن التحقيقات كشفت عن “أشكال متعددة من الإساءة الجسدية والنفسية التي يتعرض لها العمال المهاجرون يومياً، من دون أي رقابة فعالة أو آليات مساءلة مستقلة”.

ويحذر التقرير من أن الحكومة السعودية “تفشل بشكل متكرر في التحقيق في أسباب هذه الوفيات أو تعويض عائلات الضحايا”، وسط بيئة عمل وصفها التقرير بأنها “خطيرة إلى حد القتل”.

تحذيرات من مستقبل أكثر قتامة

من جهتها، نشرت مؤسسة فير سكوير الحقوقية تقريراً مستقلاً يؤكد وجود “غياب خطير للسياسات والآليات الفعالة لتحديد سبب وفيات العمال المهاجرين في السعودية”.

وتشير المنظمة إلى أن تصاعد وتيرة البناء، لا سيما في مشاريع “نيوم” الضخمة والتحضيرات لاستضافة كأس العالم 2034، “مرشح لأن يؤدي إلى آلاف الوفيات غير المبررة لعمال أجانب يتقاضون أجوراً متدنية”.

وبحسب التقرير، فإن كثيراً من هذه الوفيات تُسجل رسمياً كـ”وفيات طبيعية” دون تحقيقات طبية دقيقة أو تشريح للجثث، ما يحرم العائلات من معرفة الحقيقة أو المطالبة بتعويضات.

الغارديان: أسر الضحايا تنتظر العدالة

في تغطية موسعة نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية لتقريري هيومن رايتس ووتش وفير سكوير، أُبرزت معاناة عائلات العمال النيباليين الذين فقدوا حياتهم في السعودية.

وتشير الصحيفة إلى أن هذه العائلات “لا تزال تنتظر العدالة”، في ظل “فشل الدولة المضيف في التحقيق بجدية في أسباب الوفاة أو في تعويض الأسر المتضررة بشكل عادل”.

وتضيف الصحيفة: “تسلط وفيات العمال الضوء على خلل عميق في نظام الحماية للعمال الوافدين في السعودية، في الوقت الذي تتباهى فيه الدولة بمشاريعها العملاقة وشراكاتها الرياضية الدولية”.

ذا أثليتيك: الفيفا متواطئة في التجاهل

في تقرير مشترك بين منظمتي هيومن رايتس ووتش وفير سكوير نشرته صحيفة ذا أثليتيك، وُجهت انتقادات مباشرة إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، متهمة إياه بـ”الإهمال التام” في مسؤوليته تجاه ملايين العمال الذين يُفترض أن يبنوا الملاعب والبنى التحتية اللازمة لكأس العالم 2034.

وقال مايكل بيج، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، للصحيفة: “يجب أن تكون الحوادث المروعة في مواقع العمل السعودية بمثابة إشارة تحذير كبرى لكل شركة ومؤسسة رياضية تفكر في الشراكة مع الفيفا في مشاريع سعودية. هذه ليست مجرد حوادث، بل نمط ممنهج من الإهمال”.

استغلال عنصري ممنهج

أما منظمة العفو الدولية، فقد سلطت الضوء في تقريرها الأخير على معاناة فئة مهمشة غالباً ما تُستثنى من النقاشات العامة: العاملات المنزليات المهاجرات، لا سيما من كينيا ودول أفريقية وآسيوية أخرى.

يشير التقرير إلى أن العاملات يواجهن “استغلالاً شديداً يصل حد الاتجار بالبشر”، في ظل “تمييز عنصري واضح” من قبل بعض أصحاب العمل في المنازل السعودية. وغالباً ما يُجبرن على العمل لساعات طويلة من دون فترات راحة أو أجور عادلة، ويُحرمن من أي حماية قانونية بسبب استبعادهن من قانون العمل السعودي.

تقول المنظمة إن هذا النمط من الانتهاكات لا يحدث بمعزل عن السياسات، بل “هو نتيجة مباشرة لغياب الإصلاحات الجادة في نظام الكفالة وعدم شمول هذه الفئة من العاملات بأي آليات إنصاف فعالة”.

“مشاريع عملاقة فوق جماجم العمال”

تشير التقارير الثلاثة إلى أن الطفرة العمرانية والصناعية الضخمة التي تقودها الرياض تحت شعار “رؤية 2030” ليست مجرد مشروع تنموي، بل تتحول تدريجياً إلى آلة طحن تطحن الفئات الأضعف من اليد العاملة المهاجرة.

ففي ظل غياب الشفافية، والتواطؤ الدولي – كما تصفه المنظمات – لا سيما من قبل كيانات رياضية كبرى كالفيفا، يبدو أن معاناة العمال والعاملات مرشحة للاستمرار وربما التفاقم.

ومع ازدياد الضغوط على السلطات السعودية لتقديم توضيحات وتبني إجراءات عملية لحماية العمال، تبقى الأسئلة معلقة: هل ستصغي الرياض إلى هذه النداءات؟ وهل سيؤثر هذا السجل الحقوقي على طموحاتها الدولية؟ أم أن بريق الأحداث الكبرى سيظل يغطي على الألم في الكواليس؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى