تفاقم تدهور اقتصاد المملكة مع ارتفاع العجز بالموازنة
تواجه المملكة عجزا شديدا في تسويق إنتاجها من النفط مع تراجع غير مسبوق في الطلب حول العالم في ظل أزمة تفشي جائحة فيروس كورونا وحرب جنون أسعار النفط بين المملكة وروسيا.
وأمر ولي العهد محمد بن سلمان بزيادة إنتاج المملكة من النفط إلى 13 مليون برميل يوميا في وقت تبه المملكة أول الدول المتضررة من هذه السياسة بفعل خسارتها 250 مليون دولار من عائدات النفطية.
وأبرزت تقديرات دولية أن المملكة ستضطر لإنفاق عشرات المليارات في مواجهة الأزمة المضاعفة بفعل تفشي فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط، مع مواجهة مشكلة سيولة وأن يصل عجز موازنة المملكة إلى 22% إذا استمر انخفاض أسعار النفط إلى أقل من 30 دولار.
وقد حاول نظام آل سعود تدارك آثار أزمتي فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط بإحداث توازن وتقليص الموازنة والبحث عن بدائل اقتصادية أخرى، مثل الاستثمارات المحلية والعالمية، إلا أنها لم ينجح في تجاوز أزمتها الاقتصادية التي تضيق دائرتها يوما بعد آخر.
والانخفاض المتكرر في أسعار النفط يأتي في سياق الحرب النفطية بين المملكة وروسيا، حيث قام نظام آل سعود بإيعاز من الولايات المتحدة بزيادة إنتاجها من النفط، بقصد الإضرار بموسكو، ما تسبب في هبوط سعر البرميل إلى 30 دولارا، ثم إلى 25 دولارا.
بداية العام أقرت الرياض موازنة 2020 بنحو 1.02 تريليون ريال (نحو 272 مليار دولار)، بناء على سعر برميل النفط الذي كان يصل وقتها لنحو 60 دولارا، قبل أن يتراجع ويهبط سعره ويفقد نصف قيمته، وتضطر المملكة لإنقاص 13 مليار دولار من الميزانية المقرة سابقا.
خفض الميزانية، لم يكن كافيا، فأعلنت السعودية عن حزمة تدابير أخرى بقيمة 32 مليار دولار، بالتزامن مع تعليق العمل في معظم أنشطة القطاع الخاص لمدة 15 يوما إثر ظهور فيروس كورونا عالميا.
والعجز المالي في ميزانية المملكة بدأ منذ تدني أسعار النفط عام 2014، ولم يتوقف هذا العجز، بل استمر حتى العام 2020، وهو ما انعكس سلبا على النمو الاقتصادي في المملكة.
ولم تكد المملكة تفيق من صدمة انخفاض أسعار النفط حتى ضربتها أزمة كورونا، بتأثيرها الكبير على قطاعات السياحة والسفر والطاقة والمواد الأساسية.
شركة الخبير المالية توقعت أن تؤثر كورونا سلبا على مواسم العمرة والحج، في حال استمرارها خلال الشهور المقبلة، خصوصا وأن الحجاج والمعتمرين من الدول الآسيوية غير العربية يشكلون ما نسبته 60% من مجموع حجاج الخارج.
وحسب تقرير “الخبير المالية” يعتبر قطاع النفط والمواد البتروكيماوية الأكثر تضررا في المملكة، حيث يمثّل النفط الخام ومشتقاته ما نسبته 66% من إجمالي صادرات السعودية إلى الصين.
في حين تمثل المنتجات البتروكيماوية والهيدروكربونية ما نسبته 32% علما أن الصين هي أكبر مستهلك للبتروكيماويات في العالم وثاني أكبر مستهلك للنفط الخام.
ويكشف التقرير عن توقعات سلبية لقطاع المنتجات البتروكيماوية تحديدا في ضوء التأثير السلبي المحتمل للمرض على اقتصاد الصين وقطاعها الصناعي، وكذلك ضعف الطلب من قطاع صناعة السيارات.
وتظهر التقديرات وجود 3 سيناريوهات لتأثير كورونا على اقتصاد المملكة وفق ما ذكرته “الخبير المالية”، أولها السيناريو المتفائل بالسيطرة على الفيروس بحلول أبريل/نيسان 2020، واستئناف زيارات العمرة وبموجب هذا السيناريو، فإن حجم التأثير السلبي المحتمل على نمو الناتج المحلي الإجمالي يتراوح من صفر حتى 10 نقطة أساس.
السيناريو الثاني يتمثل في السيطرة على الفيروس بحلول يونيو/حزيران 2020، واستئناف زيارات العمرة مطلع مايو/آيار 2020، ويفضي هذا السيناريو إلى حدوث عجز في الميزانية العامة، وتراجع أداء قطاعات الحج والعمرة والنفط والبتروكيماويات ويترتب على هذا السيناريو تأثير سلبي أكبر على نمو الناتج المحلي الإجمالي بواقع يتراوح بين 40 و60 نقطة أساس.
أما السيناريو المتشائم، فيفترض السيطرة على الفيروس بحلول سبتمبر/أيلول 2020، وامتداد كورونا إلى الدول الإسلامية بما يؤثر سلبا على قطاع الحج والعمرة، ويؤثر حدوث هذا السيناريو بشكل كبير على اقتصاد المملكة مع احتمال تراجع النمو في ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح تقريبا بين 100 و140 نقطة أساس.
السيناريو الأخير يعود بشكل رئيسي إلى التراجع المحتمل في مستويات إنتاج النفط. ويشمل ذلك ارتفاع حجم العجز في الميزانية العامة، والحساب الجاري، وتراجع الإنفاق الاستهلاكي، وتراجع أكبر في أداء قطاعات الحجم والعمرة، والتجزئة، والنفط والبتروكيماويات. وفق تقرير “الخبير المالية”.
وفي سبيل التقليص من العجز، قررت المملكة التي تعتمد على النفط بشكل أساسي، تنويع مصادر دخلها القومي، وقد كان خيار الاستثمار المحلي والدولي أحد الخيارات، لإحداث توازن في مواردها المحلية.
إثر ذلك قررت الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، طرح نسبة 5% من شركة أرامكو للاكتتاب. بعض المراقبين رأوا أن ذلك الإجراء الذي تتخذه الحكومة السعودية قد يؤمن للسعودية مكاسب، لكنها مكاسب قصيرة الأجل، غير أنها في المقابل ترتكب خطأ قد ينسف بالاستقرار الاجتماعي على المدى البعيد.
وحذر مراقبون دوليون من كون المملكة ترتكب خطأ مقابل مكسب قصير الأجل، يتمثل في هيئة جمع أموال قد تثير استياء المواطنين، والتضحية بالاستقرار الاجتماعي على المدى البعيد، وأن الاكتتاب العام على شركة أرامكو السعودية سوف يتحول من الحديث عن قصة نجاح إلى مصدر للمشكلات.
وقد وصل السهم الواحد لأرامكو في نهاية الشهر الماضي إلى 28.9 مسجلا أكبر خسارة للمساهمين منذ الاكتتاب في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، مع توقع مراقبين بمزيد من الانخفاض والخسارات بسبب تراجع الاقتصاد وأسواق البورصة، متأثرة بانخفاض أسعار النفط والأزمة الصحية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، فضلا عن حالة الهلع الذي أصاب الكثيرين وانعكس على الوضع الاقتصادي.
ورغم الأزمات الاقتصادية التي ما فتئت تضرب المملكة إلا أنها مستمرة في شراء الأسلحة ودفع فاتورة حربها في اليمن، الأمر الذي قد يدفعها لمواجهة أزمة اقتصادية هي الأصعب في تاريخها.
وحسب صحيفة بلومبيرغ الأميركية، فإن المملكة سوف تواجه أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، وستسجل أعلى نسبة عجز في موازنتها بسبب ارتفاع نفقة الحرب في اليمن والتدخلات في الدول الأخرى.
وأبرز تقرير صحيفة أويل برايس الأميركية منتصف الشهر الماضي، توقعات بإفلاس المملكة في غضون 3 إلى 4 أعوام، إذا استمرت في سياستها بتخفيض النفط وزيادة الإنتاج.
وأشار التقرير إلى أنه حتى قبل شن حرب أسعار النفط الجديدة، كانت السعودية تواجه عجزا كبيرا في الميزانية كل عام، وهذا العجز قد يستمر حتى عام 2028.
وأضاف التقرير: أن “المملكة انتقلت من فائض في الميزانية إلى عجز قياسي مرتفع في عام 2015، بلغ 98 مليار دولار، كما أنفقت ما لا يقل عن 250 مليار دولار من احتياطاتها من العملات الأجنبية خلال تلك الفترة، بسبب تراجع أسعار النفط منذ النصف الثاني من 2014، وهو العجز الذي كان شنيعا على السعوديين وحلفائهم الأكثر فقرا، وأنه من المرجح أن تكون العواقب هذه المرة أسوأ بكثير”.
ويقول التقرير: “مع ذلك، فإن الأسباب التي قد تدفع محمد بن سلمان إلى التسبب بإفلاس بلاده وإنفاق ما تبقى من احتياطاتها المتضائلة من الأصول الأجنبية، واحتمال إبعاد حليفتها المهمة الوحيدة في العالم سوف تبقى لغزا”.
ويختم التقرير بالقول: بأنه “مهما كان سبب الإفلاس، فإن كلا من الولايات المتحدة وروسيا ستشعران بالسعادة وهما تراقبان ما يحصل لمحمد بن سلمان”.
ويسعى نظام آل سعود إلى إدراج أصول حكومية من المقرر خصخصتها بسوق الأسهم “تداول” عقب طرحها للاكتتاب العام.
وقال بيان بثته وكالة الأنباء الرسمية (واس) “تدرج الأصول والقطاعات والخدمات المراد تخصيصها في السوق المالية السعودية وذلك بطرحها طرحا عاماً سواء بشكل مباشر أو غير مباشر”.
برنامج الخصخصة أحد مكونات “رؤية 2030″، وهي حزمة “إصلاحات” يقودها بن سلمان، تستهدف الحد من اعتماد الاقتصاد على النفط وخلق فرص العمل للشباب السعوديين.
وواجهت المملكة صعوبة، على مدى السنوات القليلة الماضية، في جذب اهتمام المستثمرين لعمليات خصخصة مزمعة لتنويع موارد الاقتصاد. واعتمدت عملية الخصخصة الجزئية الضخمة لعملاق النفط الوطني “أرامكو” عبر طرح عام أولي، أواخر العام الماضي، على المستثمرين المحليين.
وأضاف بيان الحكومة “يكون الطرح العام لمشاريع التخصيص غير المباشر في السوق المالية السعودية من خلال شركة (أو شركات) يؤسسها المركز الوطني للتخصيص لهذا الغرض، تكون مالكة لحصة الدولة في مشاريع التخصيص المراد طرحها في السوق المالية السعودية”.