متفرقات سعودية

تقرير حقوقي صادم: حالة وفاة يوميا في صفوف عمال أسيويين في السعودية

كشف تقرير حقوقي لمنظمة Migrant-Rights.org المختصة بالدفاع عن العمال المهاجرين، عن تسجيل حالة وفاة يوميا في صفوف عمال أسيويين في السعودية.

وقالت المنظمة في تقريرها، إن السعودية تتصدر موقعاً مريباً في معدل وفيات العمال النيباليين إثر تسجيل حالة وفاة يوميا فيها.

وأبرزت المنظمة أنه لا يوجد بصيص أمل في تغيّر الوضع بسبب الافتقار للتحقيق في حالات الوفاة، واللامبالاة الواضحة من قبل السلطات السعودية في هذا الشأن.

وعرضت المنظمة حالة العامل ديباك سينجالي (27 عاما) الذي كان يجري محادثة هاتفية مع زوجته الحامل، كالبانا، كل مساء من غرفته الصغيرة في السعودية ليسألها عن صحتها.

كانا الزوجان يتحدثان ببهجة وحماس ترقباً لولادة طفلهما الأول.  وبرغم صعوبة العيش بعيدان عن بعضهما، إلا أن محادثات الفيديو المنتظمة ساعدت كابلانا في التغلب على الشعور بالوحدة في بلدتهما النائية في جبال النيبال.

الآن انتهى الانتظار، فقد وُلدت الطفلة لكن والدها لم يعد موجودا ليرحب بها.  إذ قبل أسبوع من ولادة ابنته، أعيد ديباك في تابوت إلى وطنه.

في 16 نوفمبر 2022، قبل 43 يوم من ولادة ابنته، عُثر على ديباك متوفيا في سريره في مدينة جيزان الواقعة في جنوب غرب السعودية.

تقول كابلانا التي تجلس على سجادة من البلاستيك في منزل شقيقتها في منطقة كابيلفاستو النيبالية: “لو كان على قيد الحياة، لكان الآن سعيدا جدا برؤية ابنته.” كان ديباك يرغب في الذهاب إلى بلده ليشهد ولادة ابنته، لكن لم يكن قد مر عام على آخر إجازة قضاها في النيبال، فكان من الصعب أن يحصل على إجازة مرة أخرى.

كان ديباك يعمل طاهياً في فندق بجيزان. إلا أنه، وبحسب تصريح العمل، كان قد ذهب للعمل كعامل لدى مؤسسة نياره للتجارة (Nayarah Trading Est) من خلال Emasco Nepal Pvt. Ltd في كتمندو.

وعزت إدارة شئون الطيران المدني بوزارة الداخلية السعودية وفاته لإصابته بـ”توقف في القلب والجهاز التنفسي”.

لكن عائلته في النيبال تجد أنه من الصعب تصديق ذلك. وتقول كالبانا “ليس لديه أية مشاكل صحية، ليس لدي أية فكرة عما يمكن أن يكون قد حدث له بهذا الشكل المفاجئ”، مشككة في ظروف وفاته.

لكنها في الوقت نفسه على علم بأن عمله لم يكن سهلاً. وتتذكر: “كان يقول إنه يتعرض للحرارة طيلة اليوم، لقد رأيته يتصبب عرقا في المطبخ أثناء محادثات الفيديو”.

وبينما تبكي الطفلة حديثة الولادة، وتقوم الأخت بإطعامها الحليب من كوب التغذية، تبدو كالبانا (24 عاما)، التي فقدت الوعي لثماني ساعات فور سماعها خبر وفاة زوجها، خاوية وهي تحدق في السماء.

وتقول: “كان حريصا على رؤية ابنتها، لكنه غير محظوظ، ونحن أيضا غير محظوظين”.

ولم تكن كالبانا وطفلتها “سيئتا الحظ” الوحيدتان في النيبال، بفقدانهم أحبائهم في الخارج. إذ توفي 2,280 مهاجرا نيباليا في المملكة على الأقل منذ 18 أغسطس 2021. وذلك بحسب مجلس التوظيف الخارجي النيبالي.

ومن المحتمل أن يكون عدد الوفيات أكبر من ذلك، إذ أن بيانات مجلس التوظيف الخارجي تشتمل فقط على حالات الوفاة التي تسلمت العائلات فيها تعويضات ما بعد الوفاة.

وحتى يتم صرف التعويضات لابد من حدوث الوفاة أثناء فترة العقد. كما أن بياناتهم لا تشمل وفاة العمال غير النظاميين، أو أولئك المهاجرون عبر قنوات غير قانونية.

وهذا لا يعني فقط أنه لم يتم الإبلاغ عن كل الوفيات، وإنما هناك الآلاف من المعالين قد تُركوا في حالة من العوز المالي، ويعانون من أجل دفع رسوم الدراسة ومصاريف الرعاية الطبية، وحتى أساسيات احتياجات الإعاشة.

وبحسب معلومات المجلس للسنة المالية 2020- 2021، فإن أعلى عدد من وفيات العمال النيباليين المهاجرين سُجل في السعودية – ما مجموعه 368 أو على الأقل حالة وفاة واحدة يومياً.

وصنفت أكثر من ربع هذه الوفيات على أنها “طبيعية” بينما توفي 18% بسبب أمراض مختلفة بما في ذلك وفيات كوفيد 19.

وبلغ عدد الوفيات الناجمة عن حوادث السير والانتحار 14%، و12% على التوالي. وتضمنت 4% من الحالات النوبة والسكتة القلبية.

في العقد الماضي، صُنّف أكثر من ثلث (772) الوفيات من إجمالي حالات الوفيات (2,281) للعمال النيباليين المهاجرين في السعودية على أنها “طبيعية”.

يقول المدافع عن حقوق الإنسان العامل في ملتقى السياسات والقانون للعدالة الاجتماعية، أنوراج ديفكوتا: “الوفيات الطبيعية في السعودية مرتفعة بشكل غير طبيعي.”.

ويضيف “أن الوضع فريد ومقلق في السعودية، نحتاج حقاً أن نحقق فيه. ففي الوقت الذي تعتبر “السكتة” و”النوبة القلبية” “أسبابا” مؤدية للوفاة في دول الخليج الأخرى وفي ماليزيا، فإن ارتفاع حالات الوفيات الطبيعية في السعودية يبدو مثيرا للشكوك”.

ولم ترد سفارة النيبال لدى السعودية على طلب MR للحصول على البيانات. إلا أنه وجد أن الوثائق التي صدرت عن السفارة تصنف سبب الوفاة على أنها “طبيعية” حتى في حالة وفاة العامل لأسباب مختلفة.

وصنفت وفاة ديباك سينجال على أنها “طبيعية” بحسب السفارة، لكنها توفي بسبب “سكتة تنفسية حادة” كما ذكر التقرير الطبي الصادر عن السلطات السعودية.

أما بيكو راي (45 عاما) من منطقة ماهوتاري النيبالية فقد ذكر في شهادة وفاته أن السبب هو فشل في القلب والتنفس في أبريل 2021، إلا أن السفارة صنّفت وفاته على أنها “طبيعية”.

الأسباب المذكورة في شهادات الوفاة لا تسلط الضوء على الأسباب الحقيقية. وبدون فهم الأسباب، لا يمكن فعل الكثير لمنع هذه الوفيات.

ويقول ديفاكوتا: “ليس من الواضح ما إذا كانت السلطات السعودية تميل لاعتبار حالات الوفاة على أنها طبيعية أم أنها السفارة النيبالية لم تطابق البيانات.”

ويضيف:” لم تجر سوى بحوث قليلة في السعودية بسبب صعوبة الوصول للبيانات.”.

وفي حين أن الحكومة النيبالية على وعي بارتفاع الوفيات “الطبيعية” في السعودية لكن يعترف راجان براساد شريسثا، الرئيس التنفيذي للمجلس” “لا يمكننا فعل أي شيء في الوقت الذي تقوم فيه السعودية بالتحقيقات. فعلينا الاعتماد على التقرير الذي نتسلمه من السفارة”.

لكنه يعتقد أن الكثير من هذه “الوفيات الطبيعية” مرتبطة بالبيئة، وللدقة أكثر بارتفاع درجة الحرارة. “ذلك لأن العمال النيباليين ليسوا على وعي بنصائح السلامة مثل شرب الكثير من السوائل وتجنب التعرض لمكيفات الهواء مباشرة بعد العمل في درجات حرارة مرتفعة.”

وفي حين أنه يجب معالجة الافتقار للوعي بين العمال، فإن عبء صحتهم وسلامتهم، بما في ذلك وضع معايير صارمة للصحة والسلامة، يجب أن يقع على صاحب العمل وحكومات دول المقصد.

ويشار هنا إلى ان قوانين الصحة والسلامة المهنية في السعودية أيضا تلزم أصحاب العمل لتحمل هذه المسئولية

ويدرك مدير المجلس، بندو سوبيدي أن أوضاع العمال النيباليين المهاجرين في السعودية هي الأسوأ بين كل دول الخليج، ويقول إن المجلس يحاول تحسين الوضع.

ويضيف “أن أغلب الذي يواجهون هذه المشاكل هم من غير المتعلمين، وغير الواعين بالإضافة إلى العمال الذين لا يمتلكون المهارات”.

ويوضح “لن يتعرض الكثير منهم للإصابات أو المعاناة من المرض لو كانوا على وعي بأبسط الأشياء مثل معايير السلامة في مواقع العمل، أو قواعد المرور”.

وقد لا يكون هؤلاء على وعي تام بالمخاطر الصحية المحتملة للعمل في درجات حرارة عالية – أو أي ظروف عمل معرضة للمخاطر- أو لزيارة الأطباء بشكل منتظم عندما يصابوا بالتعقيدات.

وفي خلال السنوات المالية العشر الماضية، توفي أكثر من 587 (26% من إجمالي الوفيات خلال تلك الفترة) من العمال في حوادث السير في السعودية، فيما انتحر 208 (9%)، وتوفي 161 (7%) في حوادث في مواقع العمل.

وتستغرق عملية الإعادة إلى الوطن من السعودية وقتا أطول من الدول الأخرى، مما يطيل الألم الذي تتعرض له العائلات التي تنتظر جثامين أبنائها.

كما أن الحصول على شهادة إخلاء طرف من قبل الشرطة السعودية، والمحكمة العمالية والشركة التي يعمل بها العامل، يستغرق وقتا طويلا.

ويوجد في السعودية نحو 400,000 نيبالي موزعين في مناطق المملكة. كما أن ثلثي العمال هؤلاء العمال يعملون في ما يُعرف بالقطاع ذو المهارات المنخفضة مثل التنظيفات، وغسيل الملابس، والحمالين، والتعبئة والشحن…الخ.

وفي المرتبة الثانية يأتي قطاع وظائف السياقة وتشغيل الآلات بنسبة 13% من العمال النيباليين في المملكة، يتبعه قطاع الخدمات والمبيعات بنسبة 9%، وذلك بحسب تقرير الهجرة العمالية لعام 2020.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى