فضائح السعودية

عائلات عمال قُتلوا في السعودية: مأساة إنسانية تكشف السجل الحقوقي الأسود للمملكة

في قرى نيبال الفقيرة، تنتظر عائلات العمال الذين قُتلوا في السعودية عدالةً قد لا تأتي أبداً وسط مأساة إنسانية تكشف السجل الحقوقي الأسود للمملكة.

وخلف كل مأساة فردية تتكشف صورة أشمل لانتهاكات صارخة تمارسها المملكة بحق العمال المهاجرين، من ظروف العمل القاتلة إلى التعتيم على أسباب الوفاة، وصولاً إلى حرمان ذوي الضحايا من حقوقهم القانونية.

ورغم الشعارات البراقة عن “رؤية 2030” والتحول إلى مركز عالمي للاستثمار والسياحة، يظل سجل السعودية الحقوقي ملطخاً بدماء العمال الذين سحقهم الإهمال والاستهتار بحياتهم.

رحلة بحث عن لقمة العيش… تنتهي بكفن

كان سيتارام داس، أبٌ لخمسة بنات من إحدى أفقر مناطق نيبال، يأمل أن يوفر لعائلته ما يكفي لتأمين مهر زواج بناته. كغيره من آلاف النيباليين، شدّ الرحال إلى السعودية بحثاً عن فرصة. لكنه عاد جثة هامدة بعد أن طمره انهيار خندق أثناء عمله في فبراير 2024.

زوجته بينيتا، التي وضعت مولودهما السادس بعد شهر من الحادثة، لم تحصل سوى على وعود فارغة.

تقول بحسرة: “لم أتلقَ شيئاً من الشركة أو السلطات السعودية، لا تعويض، ولا حتى راتبه الزهيد… كل ما وصلني كان شهادة وفاة مزورة”. في هذه الشهادة، زُعم أن داس “سقط” حتى الموت، وهو ما يتناقض مع إفادات الشهود.

نمط متكرر: تعتيم وإفلات من المسؤولية

قصة داس تتكرر بحذافيرها مع عائلات أخرى. العامل كيسان تيلي، على سبيل المثال، توفي في السعودية إثر انهياره أثناء العمل.

وبدلاً من فتح تحقيق، اكتفت السلطات بتصنيف وفاته على أنها “طبيعية”، وهو توصيف فضفاض تستخدمه المملكة للتنصل من مسؤولياتها.

تصنيف الوفيات بهذه الطريقة يعفي أصحاب العمل من دفع التعويضات. وتقول أرملته آسا: “لو بقي هنا لكان حياً رغم الفقر… لكن السعودية كانت مصيدة موت”. تعمل آسا الآن بأجر يومي لا يتجاوز 2.20 جنيه إسترليني، في ظل غياب أي دعم.

أرقام سعودية مشكوك فيها… وحقائق ميدانية فاضحة

تزعم السعودية أن معدلات وفيات العمال المرتبطة بالعمل لديها “من بين الأدنى عالمياً”. لكن تحقيقات مستقلة، بينها تحقيق لصحيفة الغارديان ومنظمة “فيرسكوير”، تكشف تناقضات صارخة.

ففي حين تشير الأرقام الرسمية إلى 93 وفاة فقط عام 2019، أظهرت بيانات من بنغلاديش أن 270 مواطناً بنغالياً لقوا حتفهم في السعودية في نفس العام.

حتى لو لم تكن جميع هذه الوفيات مرتبطة بالعمل، فإن الفجوة الهائلة بين الإحصاءات الرسمية والمصادر البديلة تفضح غياب الشفافية وتلاعب السلطات بالحقائق.

حكايات منسيّة خلف واجهات الترف والبريق

في مايو 2024، فقدت أنجالي كوماري راي زوجها سوريا ناث راي أمات، بعد انفجار في خزان بموقع عمل سعودي. كان يحاول تأمين تكاليف علاج زوجته المصابة بالسرطان.

سبعة أشهر مرت دون أن تتلقى عائلته تعويضاً أو حتى رداً من صاحب العمل. لم يصلها من السعودية سوى 525 جنيهاً إسترلينياً، جمعها زملاؤه المغتربون تضامناً.

تقول أنجالي بمرارة: “أحلامنا كانت بسيطة، بيت صغير وتعليم لأطفالنا… لكن كل شيء انتهى. لم يهتم أحد بحياته أو بموته”.

سجل حقوقي لا تمحوه المليارات

رغم محاولات السعودية لتقديم نفسها كقوة ناعمة عالمية عبر مشاريع ضخمة واستضافة كأس العالم 2034، فإن الوقائع الميدانية تفضح هشاشة هذه الصورة.

تقارير حقوقية متوالية تؤكد أن المملكة لا تمتلك نظاماً فعالاً للتحقيق في وفيات العمال المهاجرين، وتفشل في حماية أبسط حقوقهم.

مشاريع مثل “نيوم” و”الدرعية” وسائر المبادرات العملاقة بُنيت على عرق ودماء هؤلاء العمال، في ظل بيئة عمل غير آمنة وتعتيم متعمد على الحوادث القاتلة.

عدالة غائبة… ومسؤولية دولية مُلحة

مع تزايد الضغوط على منظمات مثل الفيفا، تتصاعد المطالبات بإلزام السعودية بتحمل مسؤولياتها الحقوقية. فاستضافة الأحداث الرياضية العالمية لا يجب أن تكون غطاءً لانتهاكات العمالة الوافدة.

ورغم أن الأصوات الحقوقية تتعالى، إلا أن المملكة تواصل المراوغة، معتمدة على ثرواتها النفطية وتحالفاتها السياسية لشراء الصمت الدولي.

قصص عائلات داس وتيلي وراي تمثل نموذجاً لمأساة تتكرر في صمت. خلف كل مبنى شاهق في الرياض وجدة و”نيوم”، ثمة أسرة في نيبال أو بنغلاديش أو الهند دفعت ثمناً دموياً.

السعودية مطالَبة بأكثر من الشعارات: بنظام شفاف للتحقيق في وفيات العمال، تعويضات عادلة، وضمانات حقيقية لسلامتهم. حتى يتحقق ذلك، سيبقى سجلها الحقوقي وصمة عار لا تمحوها حملات العلاقات العامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى