لوبي الإمارات في جنيف يقدم شكوى ضد السعودية بشأن حقوق العمال

كشفت مصادر حقوقية مطلعة أن دولة الإمارات العربية المتحدة دفعت مجددًا بأذرعها ومرتزقتها في جنيف لاستغلال ملف حقوق العمال الأجانب في المملكة عبر تقديم شكوى إلى منظمة دولية.
وقالت المصادر إن لوبي الإمارات في جنيف قاد تحركًا حقوقيًا مصطنعًا لتقديم شكوى إلى منظمة العمل الدولية، يطالب فيها بفتح تحقيق في أوضاع العمال المهاجرين داخل المملكة، بالتزامن مع استعداد الرياض لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2034.
وبحسب المصادر فإن الشكوى التي صدرت عن الاتحاد الدولي للنقابات العمالية ومنظمته الأفريقية الشريكة، تضمنت ادعاءات حول سوء معاملة العمال المهاجرين، وأن بعضهم يُجبر على العمل لساعات طويلة دون أجر ويتعرض لسوء المعاملة، في ظل استمرار نظام الكفالة وعدم وجود حد أدنى للأجور.
كما تضمنت الشكوى مخاوف بشأن سوء معاملة عمال البناء والعمال المنزليين المهاجرين مع اقتراب بطولة كأس العالم لكرة القدم 2034، مستشهدة بأمثلة لعمال أُجبروا على العمل لمدة تصل إلى 20 ساعة في اليوم، وحُرِموا من الأجور وتعرضوا للضرب.
وسبق أن انتقدت جماعات حقوق الإنسان بشدة قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بمنح السعودية حق استضافة كأس العالم 2034 ، لأن المملكة لا تفرض حداً أدنى للأجور على العمال المهاجرين، كما تطبق نظام “الكفالة” الذي يربطهم بصاحب عمل محدد طوال مدة إقامتهم في البلاد.
لكن خلف التحرك بتقديم شكوى جديدة ضد المملكة، يبرز دور الإمارات في توجيه دفة هذه الحملة وتوظيفها كأداة ضغط سياسية ضد المملكة، في إطار تنافس إقليمي على استضافة الأحداث الكبرى وكسب ثقة المؤسسات الدولية.
فمن المعروف أن الإمارات سبق أن أنفقت مبالغ ضخمة لتبييض سجلها الحقوقي عبر شبكات من المنظمات والناشطين “المستأجرين” في أوروبا، وتحديدًا في جنيف، حيث تتمركز أبرز الهيئات التابعة للأمم المتحدة.
“الملتقى الأفريقي”.. ذراع ممولة من أبوظبي
أحد أبرز المنخرطين في الحملة الإماراتية هو “الملتقى الأفريقي للدفاع عن حقوق الإنسان” (RADDHO)، وهي منظمة ذات واجهة أفريقية يفترض بها أن تدافع عن حقوق الإنسان في القارة السمراء، لكنها تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى أداة تنفيذية ضمن شبكة النفوذ الإماراتية في أوروبا.
وقد أكدت مصادر مطلعة أن منظمة RADDHO تتلقى رشاوى مالية من لوبي الإمارات، الأمر الذي دفعها لتوسيع أنشطتها خارج أفريقيا، وباتت تروج لأجندات أبوظبي على حساب أولويات حقوق الإنسان.
ومع كل تحرك حقوقي ظاهر تستهدف به خصوم الإمارات، يتأكد أن RADDHO باتت تسير بتوجيهات مباشرة من الأجهزة الإماراتية، ولم تعد تمثل سوى ستار دبلوماسي لممارسات تتعارض جوهريًا مع استقلالية العمل الحقوقي.
أيمن عقيل.. واجهة فاسدة
ولا يقف نفوذ الإمارات عند استقطاب منظمات وهمية، بل يمتد إلى شخصيات تعمل كأدوات ضغط مدفوعة، منها المصري أيمن عقيل، رئيس مؤسسة “ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان”، وهي منظمة يدّعي عقيل أنها تُعنى بالدفاع عن الحريات في المنطقة العربية، بينما تكشف الوثائق والشهادات أنه استغل واجهته الحقوقية لاختلاس الدعم المالي الإماراتي وتبييض سجل أبوظبي الحقوقي القاتم.
عقيل، الذي يشتهر بعلاقاته الوثيقة مع دوائر النفوذ الإماراتي، تورط في فساد مالي وأخلاقي ممنهج، حيث تلقى مبالغ طائلة لقاء مشاركاته في المحافل الحقوقية الدولية، ليس للدفاع عن الضحايا، بل للهجوم على خصوم الإمارات وتلميع صورتها.
ولطالما وظف عقيل منصبه لترويج سرديات أبوظبي ومهاجمة الدول التي تمثل مواقف سياسية مختلفة مع الإمارات.
أيمن نصري.. التلميع بمسميات وهمية
شخصية أخرى بارزة في هذا اللوبي هي المصري أيمن نصري، الذي يقدم نفسه كرئيس للمنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان، ويدّعي أن منظمته تحمل الصفة الاستشارية لدى الأمم المتحدة. غير أن هذه الجهة لا تملك موقعًا إلكترونيًا أو أي حضور رقمي يثبت مصداقيتها، ما يؤكد أنها مجرد غطاء لأنشطة ضغط إعلامية وحقوقية مدفوعة من الإمارات.
وينشط نصري منذ سنوات في قلب اللوبي الإماراتي في أوروبا، وشارك في عدد من الندوات والبيانات الموجهة التي تستهدف خصوم أبوظبي وتبرئتها من أي مساءلة.
وهو يتقاضى نصري سنويًا مئات آلاف اليوروهات مقابل خدماته التجميلية التي يقدمها لسجل حقوق الإنسان في الإمارات، والذي يُعدّ من بين الأسوأ عالميًا في مجالات الحريات العامة وسجن المعارضين وملاحقة النشطاء.
الاستهداف الممنهج للسعودية
التحرك الذي قاده لوبي الإمارات لا يمكن فصله عن الخلفيات السياسية والاقتصادية التي تحكم العلاقات بين السعودية والإمارات في السنوات الأخيرة. فبعد أن كانت الدولتان تتقدمان جبهة واحدة في ملفات عدة، برزت بينهما خلافات عميقة بشأن ملفات الطاقة والنفوذ الإقليمي وحتى مسارات التطبيع مع إسرائيل.
ومن الواضح أن أبوظبي تسعى عبر هذا التحرك إلى تقويض الجهود السعودية في تبييض صورتها الدولية استعدادًا لاستضافة كأس العالم، كما فعلت قطر سابقًا. وتعلم الإمارات أن إحدى نقاط الضعف في الملف السعودي هي سجل حقوق العمال الأجانب، وبالتالي توجهت لضرب هذا الملف من خلال أدوات “ناعمة” ظاهرها إنساني، وباطنها صراع سياسي بارد.
بين حقوق الإنسان وتصفية الحسابات
اللافت في هذا السياق أن الإمارات التي تموّل هذا التحرك ضد السعودية، هي نفسها متهمة بانتهاكات جسيمة بحق العمال المهاجرين، خصوصًا في قطاعات البناء والخدمة المنزلية.
بل إن تقارير دولية سابقة وثقت حالات من الاستعباد الحديث في الإمارات، إضافة إلى قمع ممنهج للعمال الذين يطالبون بحقوقهم، مما يطرح تساؤلات جدية حول دوافع الحملة الأخيرة ضد الرياض.
ويبدو أن الإمارات تراهن على ضعف الذاكرة الحقوقية لدى الرأي العام الدولي، وتسعى لاستخدام الأدوات الحقوقية كسلاح دعائي ضد منافسيها الإقليميين، فيما تحافظ في الداخل على واحد من أكثر الأنظمة قمعًا للحريات، مع استمرار سجن العشرات من معتقلي الرأي وتكميم الأصوات الناقدة.
ويؤكد مراقبون أن ما يحدث في جنيف ليس دفاعًا عن حقوق العمال، بل تجيير ساخر لقضايا إنسانية حقيقية لخدمة أجندات سياسية إماراتية وفصل جديد من فصول التلاعب الإماراتي بالمؤسسات الدولية، ومحاولة لصياغة سردية حقوقية تخدم مصالحها، حتى لو كان الثمن تسييس قضايا العمال وتحويل المنابر الإنسانية إلى أدوات تصفية حسابات.