طفرة صادرات النفط السعودي تخفي أزمات داخلية وضغوط خارجية

تشهد صادرات النفط الخام السعودي ارتفاعًا حادًا يعدّ الأكبر منذ أكثر من عام، في وقت تحاول فيه المملكة استعادة حصتها السوقية وسط تحديات اقتصادية داخلية وضغوط جيوسياسية متزايدة.
وبينما يوحي تصاعد الشحنات بعودة زخم المملكة كلاعب نفطي كبير، إلا أنه يكشف في الوقت ذاته عن هشاشة الوضع الاقتصادي السعودي وتناقضاته.
ووفقًا لتحليل أولي لبيانات تتبع الناقلات أجرته وكالة بلومبيرغ، ارتفعت صادرات السعودية من النفط الخام بمقدار 441 ألف برميل يوميًا في يونيو، أي ما يعادل نحو 7%، لتصل إلى 6.36 مليون برميل يوميًا.
ويُعد هذا أعلى مستوى للصادرات منذ مارس 2024، وهو ما يمثل تحوّلًا كبيرًا في سياسة الرياض التي ظلت طوال العام الماضي تقيّد الإمدادات ضمن اتفاقيات أوبك+ لدعم الأسعار.
غير أن هذه الزيادة الكبيرة تطرح تساؤلات حول حاجة المملكة إلى إيرادات نفطية سريعة لتعويض أعباء مالية متزايدة، في ظل استهلاك محلي مرتفع، وتكاليف مشاريع ضخمة مثل نيوم، وضغوط على الميزانية بفعل أسعار نفط أقل من المستهدف.
فقد تراجعت أسعار العقود الآجلة للنفط بنسبة 12% في لندن الأسبوع الماضي، لتصل إلى نحو 67 دولارًا للبرميل يوم الثلاثاء، وهو ما يقل كثيرًا عن السعر اللازم لتحقيق توازن ميزانية المملكة، والمقدر بنحو 80 إلى 85 دولارًا للبرميل وفق تقديرات خبراء.
في المقابل، رفضت وزارة الطاقة السعودية التعليق على أسباب التحول المفاجئ في سياسة تصدير النفط، ما يضيف مزيدًا من الغموض حول دوافع هذه الخطوة.
ويشير محللون إلى أن الرياض ربما رضخت لضغوط من واشنطن، خاصة بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المملكة الشهر الماضي، والتي شهدت إعلان استثمارات بمليارات الدولارات، وتكرار دعواته العلنية لخفض أسعار النفط.
وفي هذا السياق، أظهرت بيانات تتبع الناقلات أن السعودية شحنت نحو 190 مليون برميل من النفط الخام من موانئها المطلة على الخليج والبحر الأحمر إلى الأسواق الخارجية خلال شهر يونيو وحده.
ويأتي ذلك رغم زيادة الاستهلاك المحلي بشكل كبير بسبب درجات الحرارة التي تتجاوز حاليًا 40 درجة مئوية في الرياض، ما يضغط على موارد المملكة الداخلية، خاصة في مجالات توليد الكهرباء وتحلية المياه.
وتفيد بيانات مبادرة البيانات المشتركة للمنظمات النفطية (JODI) بأن استهلاك السعودية المحلي من النفط الخام وزيت الوقود يرتفع بنحو 600 ألف برميل يوميًا في ذروة الصيف مقارنة بأشهر الشتاء الأبرد، كما زاد استخدام الخام داخل المملكة بنحو 100 ألف برميل يوميًا بين شهري يناير وأبريل الماضيين.
ويرى مراقبون أن تسارع صادرات النفط يتعارض مع مصلحة الاستقرار في سوق الطاقة، إذ يزيد من الضغوط على الأسعار العالمية التي تراجعت أساسًا بفعل هدنة هشة بين إسرائيل وإيران، ومخاوف الركود في اقتصادات كبرى مثل الصين وأوروبا.
وقد يؤدي هذا الاتجاه إلى تقويض استراتيجية المملكة التي كانت تقوم لسنوات على إدارة السوق عبر خفض المعروض لرفع الأسعار.
وفي الوقت نفسه، تظل الرياض تواجه تحديات اقتصادية محلية عميقة، أبرزها ارتفاع مستويات الإنفاق الحكومي، وضغوط تمويل مشاريع عملاقة مثل نيوم والقدية، والتي تحتاج إلى تدفقات نقدية ضخمة.
كما يعاني الاقتصاد غير النفطي من تباطؤ نسبي، ما يجعل إيرادات النفط أداة حيوية لسد العجز المالي، رغم مخاطر الاعتماد المفرط عليها في ظل سوق نفطي متقلب.
ومن المقرر أن يجتمع تحالف أوبك+ نهاية الأسبوع الجاري عبر الإنترنت لبحث احتمال زيادة إضافية في الإنتاج خلال أغسطس، وسط انقسام بين أعضاء التحالف بشأن أفضل نهج لإدارة السوق. في حين التزم وزير الطاقة السعودي، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، الصمت المعتاد بشأن نوايا بلاده، ما يزيد من حالة الترقب في أسواق النفط.
والتحول الاستراتيجي في سياسة الرياض النفطية، الذي مثّل مفاجأة للأسواق منذ الإعلان عنه في أبريل، يعكس رغبة المملكة في استعادة حصتها التي فقدتها لصالح منافسين كبار مثل منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة.
لكن هذه الخطوة تترك علامات استفهام كبرى حول مدى قدرة السعودية على الموازنة بين مصالحها الاقتصادية الداخلية والتزاماتها بتحقيق استقرار سوق النفط، خاصة مع تصاعد الضغوط المالية والسياسية التي تواجهها.