تسييس الحرمين

عبر رابطة العالم الإسلامي .. السعودية تسعى لعلاقات جديدة مع شيعة العراق

عكست فعالية دينية أقيمت في مكة المكرمة، أغسطس الجاري، سعى النظام السعودي لإقامة علاقات جديدة مع شيعة العراق.

وأقيمت الفعالية تحت عنوان “ملتقى المرجعيات العراقية”، وجاءت من تنظيم “رابطة العالم الإسلامي” التي يسيطر عليها ولي العهد محمد بن سلمان.

وحضر الفعالية 80 من علماء الدين البارزين في العراق، من السنة والشيعة على حد سواء.

وحدثت الفعالية بلا ضجة كبيرة وغيابٍ للتغطية الإعلامية المسبقة (لأسباب أمنية على ما يبدو)، واستند المجتمعون فيها إلى الأرضية الدينية المشتركة لاستكشاف خارطة طريق نحو السلام والمصالحة.

وكان من اللافت للنظر أن يحدث هذا في قلب المملكة العربية السعودية التي تعادي إيران وقطعت علاقاتها مع أهل السنة في العراق وتركتهم لقمة سائغة لإيران وجماعاتها.

والأكثر إثارة للدهشة أن تشهد الفعالية مشاركةَ شخصيات بارزة، مثل الشيخ الدكتور أحمد حسن الطه عضو الهيئة العليا للمجمع الفقهي العراقي لكبار علماء الدعوة والإفتاء.

إلى جانب رؤساء الأوقاف السنية والشيعية، وآخرين مثل الدكتور بشتيوان صادق عبدالله وزير الأوقاف والشؤون الدينية بإقليم كردستان العراق.

لجنة مشتركة

وتوصل المجتمعون إلى اتفاقية لإنشاء لجنة عراقية مشتركة بين الأديان تتكون من المرجعيات البارزة عبر الطوائف في البلاد.

والغرض من هذه المنظمة الجديدة هو منع الانقسامات الطائفية من التفاقم إلى صراع واسع النطاق، ودعم حكومة عراقية مركزية موحدة.

ويزيد هذه الفعالية أهميةً أن تأتي هذه التطورات بعد أسبوع واحد فقط من إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن التزامه إنهاء المهام القتالية الأمريكية في العراق.

ويستدعي النظر إلى التجربة الأمريكية في أفغانستان، حيث مهَّد الانسحاب الأمريكي الطريقَ لعودة طالبان.

استشراف مخاوف حقيقية من تقليص الوجود العسكري الأمريكي بدرجة كبيرة في العراق، في ظل التهديد الذي تشكِّله حكومة رئيسي، وما قد تدفع إليه من تعزيزٍ غير مسبوق للميليشيات المدعومة من إيران في جميع أنحاء العراق.

مع ذلك، فإن نجاح استراتيجية إيران من هذا النوع يعتمد بالأساس على انعدام الثقة ومشاعر العداء وتفكك التعاون بين الجماعات الدينية على المستوى المحلي.

هذه الأسباب، إلى جانب ضعف الهوية الوطنية المشتركة، هي التي تخلق الانفتاح لاستراتيجية “فرِّق تسُد” التي ينتهجها النظام الإيراني.

وهذا هو السبب في أن هذا الملتقى الذي عُقد في 4 أغسطس/آب يُشكِّل تحولاً رمزياً بارزاً حسب تقرير موقع The Times Of Israel.

الشيعة العرب وإيران

وسلط التقرير على دور النظام السعودي في خطوات الحد من قدرة إيران على التدخل في المنطقة أبرزها قطع الارتباط بين المجتمعات الشيعية في الشرق الأوسط وإيران.

واتباع استراتيجية للتواصل المباشر مع المجتمعات الشيعية المحلية في جميع أنحاء الدول العربية، وتمكينها من إنشاء هياكلها الخاصة لتسوية الخلافات مع نظرائها في المجتمعات السنية المحلية.

كما أن إنشاء هويات وطنية محلية قوية في الشرق الأوسط هو الطريق الأذكى والأنجع لإبطال فاعلية المساعي الإيرانية لبلوغ الهيمنة في المنطقة.

ففي العراق وسوريا واليمن ولبنان، كانت الانقسامات الطائفية أشبه بالأوكسجين الذي أعطى الحياة لسياسات التدخل الإيرانية، التي عمدت في البداية إلى كسب موطئ قدم لها في تلك البلدان.

ثم بثَّت سردياتها وتصوراتها السامة فيها، وأخيراً تصدير وتجنيد الميليشيات التي تمكِّن إيران من العمل عن طريق الوكلاء والإفلات من عواقب أفعالها عن طريقهم.

لكن قطع هذا الأوكسجين عن سياسات إيران يتطلب جهداً أكبر بكثير، يجب أن يضع على رأس أهدافه تقوية الهويات الوطنية التي تستوعب الاختلافات الطائفية.

ومن ثم، لا غرابة في أن “ملتقى المرجعيات العراقية” في مكة قد ركَّز بشدة على هذا الموضوع، حيث ردد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد بن عبدالكريم عيسى، تلك المشاعر

عندما قال: “حدثُ اليوم يمثَّل المبادئ الحقيقية للإسلام.. التي ترشدنا إلى تبني التنوع واحترام اختلافات بعضنا بعضاً، والتي تخبرنا أن تعيش في تناغم وانسجام مع الجميع”.

في نهاية المطاف، تشكِّل العلاقات الجيدة بين السنة والشيعة في الدول العربية المجاورة لإيران الترياق الأشد فاعلية في مواجهة الخطط الجيوسياسية للنظام الإيراني.

وخاصة في ظل غياب الوجود العسكري الأمريكي القوي على الأرض وفي حضور الزعيم الإيراني الأكثر تشدداً منذ سنوات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى