فضائح السعودية

المشاريع الخيالية لمحمد بن سلمان في تخبط رغم إنفاق عشرات المليارات

سلطت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية حالة التخبط التي تسود المشاريع الخالية لمحمد بن سلمان رغم إنفاق ولي العهد عشرات المليارات عليها ما يجعل مسار مجمل رؤيته الاقتصادية 2030 يخرج عن سكته المالية.

وتناول تقرير موسع للصحيفة حدث أقيم في أكتوبر الماضي لافتتاح فاخر للمرحلة الأولى من مشروع نيوم، المدينة المستقبلية المخططة التي ترتكز على أحدث التقنيات والتصاميم المعمارية غير التقليدية، والتي تعد حجر الأساس في خطة المملكة لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط.

وأشار التقرير إلى أنه كان من المفترض أن يكون حفل إطلاق لعصر جديد في السعودية، لكن الواقع لم يكن بنفس البريق.

إذ تأخر المشروع الأول، المعروف باسم سندالة، لأكثر من ثلاث سنوات وبلغت تكلفته نحو أربعة مليارات دولار، أي ثلاثة أضعاف الميزانية الأولية، ولم تكتمل الفنادق، وأدت الرياح العاتية إلى تعطيل عمل العبارات والجولف، وكان جزء كبير من الموقع لا يزال قيد الإنشاء.

أما محمد بن سلمان، العقل المدبر لمشروع نيوم، فكان غيابه المفاجئ عن الحدث الافتتاحي مثار تساؤلات.

وقد رأى العديد من موظفي المشروع في غيابه عن الحفل الذي كلف ما لا يقل عن 45 مليون دولار وفقًا لوثائق مجلس إدارة نيوم، علامة على عدم الرضا.

وبعد أسابيع من موعد الحفل أعلاه، غادر رئيس نيوم، الذي كان أحد المقربين من ولي العهد، منصبه بعد ست سنوات من قيادته للمشروع، وتم تعيين فريق إداري جديد لإعادة التوجيه.

وبدأت أحلام ولي العهد المستوحاة من الخيال العلمي—مثل منتجع للتزلج في الجبال القاحلة، ومنطقة أعمال عائمة، وذا لاين، المدينة الأيقونية التي تمتد بطول 106 أميال وتتألف من ناطحتي سحاب بارتفاع يعادل مبنى إمباير ستيت—بالتصادم مع الواقع بعد إنفاق أكثر من خمسين مليار دولار عليها.

وارتفعت التكاليف، وأصبحت التأخيرات شائعة، كما أن القرار الذي اتخذ العام الماضي بتقليص المرحلة الأولى من المشروع يهدد بعدم تحقيق الكتلة السكانية الحرجة اللازمة لجعل المدينة مركزًا اقتصاديًا حديثًا.

وكان هناك نوع من الأوهام المتبادلة وفقًا لموظفين سابقين وتقرير تدقيق داخلي من 100 صفحة قُدم إلى مجلس إدارة نيوم في الربيع الماضي، حيث دفع ولي العهد نحو خطط خيالية، بينما حاول المسؤولون التنفيذيون إخفاء حجم التحديات والتكاليف الحقيقية.

ووجد التقرير، الذي تم تصنيفه على أنه “المسودة النهائية”، أن بعض المديرين—بمساعدة أحيانًا من مستشاري المشروع شركة ماكينزي وشركاه—أدخلوا افتراضات غير واقعية في خطط أعمال نيوم لتبرير التقديرات المتزايدة للتكاليف، كما كشف التدقيق عن “أدلة على تلاعب متعمد” في الجوانب المالية من قبل “أفراد معينين في الإدارة”.

وأشارت مسودة عرض تقديمي لمجلس الإدارة العام الماضي إلى أن الإنفاق الرأسمالي المطلوب لبناء نيوم بالكامل بحلول عام 2080 سيصل إلى 8.8 تريليون دولار—أي أكثر من 25 ضعف الميزانية السنوية للسعودية—بينما تبلغ ميزانية المرحلة الأولى حتى عام 2035 نحو 370 مليار دولار، في إشارة إلى ضخامة الطموحات.

وتموّل الدولة السعودية الجزء الأكبر من التكلفة الأولية للمشروع، رغم أن المسؤولين يأملون في جذب المستثمرين لمشاركة العبء المالي في المستقبل.

وبدأ المسؤولون السعوديون في الإشارة إلى نيوم على أنه “استثمار للأجيال القادمة” ستظهر ثماره في العقود المقبلة، متخلّين عن الخطابات السابقة التي صورته على أنه محرك اقتصادي رئيسي بحلول عام 2030.

وكانت المملكة قد أكدت سابقا أن رؤية 2030 تتضمن أهدافًا طموحة للغاية، وأن تحقيق جزء منها سيكون نجاحًا بحد ذاته.

وأحدثت أجزاء أخرى من الخطة الاقتصادية لولي العهد تحولات كبيرة في البلاد حيث انضمت ملايين النساء إلى سوق العمل، ونما القطاع الخاص ليشكل ما يقارب نصف الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، وفقًا لصندوق النقد الدولي، كما أن المشاريع الضخمة الأصغر حجمًا في الرياض أحرزت تقدمًا أسرع وأكثر وضوحًا.

لكن كان من المفترض أن تكون نيوم الركيزة الأساسية، وكان المفهوم عند إطلاقها في عام 2017، أن تكون مركزا عالميا يبنى من الصفر بقوانين اجتماعية وقضائية أكثر مرونة من بقية مناطق السعودية.

وقد قارن ولي العهد المشروع بأهرامات مصر، قائلًا إنه سيشكل “ثورة حضارية” وسيستوعب تسعة ملايين شخص بحلول عام 2045.

ويرأس بن سلمان مجالس إدارة نيوم وكافة المشاريع الفرعية داخلها، وغالبًا ما تتطلب القرارات المعمارية موافقته المباشرة.

ودفع بصفته من محبي ألعاب الفيديو وأفلام الخيال العلمي، بفكرة “الهندسة المعمارية المعدومة الجاذبية”، التي تبدو وكأنها تتحدى قوانين الفيزياء، وفقًا لموظفين سابقين.

وإحدى الميزات المخطط لها في ذا لاين هي “الثريا”—وهو مبنى زجاجي فارغ يصل ارتفاعه إلى أكثر من 30 طابقًا، سيتم تعليقه رأسًا على عقب من جسر فولاذي ضخم، وتم تصميمه من قبل أوليفييه برون، مصمم أفلام مارفل، والذي تم استقدامه لأن الموظفين علموا أن الأمير يحب أفلامه، وفقًا لبعض الموظفين السابقين.

وخطط مسؤولو نيوم لإنجاز 10 أميال من ذا لاين بحلول عام 2030، وكان هذا يعادل بناء جميع مباني ميدتاون مانهاتن ثلاث مرات خلال عقد واحد، ويتطلب كميات ضخمة من الفولاذ والزجاج المتاح عالميًا.

لكن التكاليف كانت تحديًا كبيرًا، فالموقع النائي للمشروع يفتقر إلى العمالة، والموانئ الكبيرة، والطرق الكافية، وإمدادات الكهرباء، كما تضمنت التصاميم مدينة ملاهٍ معلقة على ارتفاع 1000 قدم ومسارح معلقة بين البرجين المتوازيين.

وزعم المخططون، لجعل التكاليف تبدو معقولة على الورق، أن تكلفة ذا لاين لكل قدم مربع ستكون أقل من ناطحات السحاب في الرياض، بناءً على فرضية أن الاقتصاديات الحجمية ستقلل الأسعار، وفقًا لموظفين سابقين.

وقال بعض المدراء والموظفين التنفيذيين السابقين في نيوم إنهم اعتبروا التقديرات المالية غير واقعية تمامًا، ورفض بعضهم التوقيع على مستندات تدعم الجداول الزمنية والأهداف المفرطة في التفاؤل، ومع ذلك، استمر المشروع دون أي تعديلات جوهرية.

وأراد المهندس المعماري الأصلي لمدينة ذا لاين، توم ماين، من شركة Morphosis في لوس أنجلوس، إبلاغ ولي العهد بمخاوفه بشأن التكاليف الباهظة، لكن مسؤولي نيوم رفضوا طلباته، وفقًا لموظف سابق.

وعندما بدأت العروض الأولية من المقاولين بالارتفاع، قام المسؤولون التنفيذيون بإخفاء التكاليف المتزايدة من خلال المبالغة في تقديرات الأرباح، وفقًا لتقرير التدقيق الداخلي وبعض الموظفين السابقين.

وشجع ولي العهد نيوم على استخدام معدل العائد الداخلي (IRR)، وهو مؤشر استثماري شائع يقيس نسبة الأرباح السنوية مقارنةً بتكلفة الاستثمار، فإذا كان بناء فندق يكلف مليون دولار على سبيل المثال، وتم تقييمه بعد عام بـ1.1 مليون دولار، فإن معدل العائد الداخلي سيكون 10%.

لكن في مشروع تروجينا، منتجع التزلج المخطط، أظهر تقييم داخلي في خريف 2023 أن التكاليف قفزت بأكثر من 10 مليارات دولار، وفقًا لوثائق استعرضتها وول ستريت جورنال، ونتيجة لذلك، انخفض معدل العائد الداخلي إلى 7%، أي أقل من الهدف المحدد بـ9%.

ولتغطية الفجوة، تم إعادة تقييم أسعار الإقامة في موقع “التخييم الفاخر المبتكر” إلى 704 دولارات لليلة، بعد أن كانت 216 دولارًا، وفقًا للعرض التقديمي، كما تم رفع سعر الغرفة في “فندق بوتيكي لمتسلقي الجبال” إلى 1,866 دولارًا لليلة، بعد أن كان 489 دولارًا، وساهمت هذه التعديلات في رفع معدل العائد الداخلي (IRR) إلى 9.3%.

وذكر التدقيق الداخلي أن أنطوني فيفيس، الذي أشرف على الرؤية العامة لنيوم ثم أدار مشروع سندالة، قام بتبرير التكاليف المتزايدة عبر تضخيم توقعات الإيرادات بدلاً من إعادة تقييم التكاليف على أنها باهظة للغاية.

أخبر زملاءه ومستشاري ماكينزي في رسالة إلكترونية قبل اجتماع رئيسي “يجب ألا نذكر التكاليف بشكل استباقي على الإطلاق”.

كما تم إسكات أي اعتراضات حيث كشف تقرير التدقيق الداخلي أن مدير مشروع سندالة تم إقالته بعد أن تحدى تقديرات التكاليف.

ورد محامي فيفيس بأن العمل في نيوم تم “بكل نزاهة ومع الطموح الذي يتطلبه المشروع، إضافةً إلى الولاء التام لقيادة البلاد”.

ساعدت ماكينزي في تطوير “نماذج لتحسين حساب معدل العائد الداخلي”، وفقًا للتدقيق الداخلي، كما صادقت على التوقعات المالية لمشروع سندالة بعد أن رفض مستشار آخر القيام بذلك.

وأوصى المدققون بالتحقيق في تضارب محتمل للمصالح، حيث كانت ماكينزي مسؤولة عن التخطيط والمصادقة على المشاريع في الوقت ذاته.

وبلغت رسوم ماكينزي في نيوم أكثر من 130 مليون دولار في عام واحد، وفقًا لأشخاص مطلعين على التفاصيل المالية.

وقال المتحدث باسم ماكينزي إن الشركة لديها “بروتوكولات صارمة لمنع تضارب المصالح في تعاملاتها”، وأضاف أنها “ليست مسؤولة عن التقارير المالية المدمجة لسندالة”.

وقالت المتحدثة باسم نيوم إن المنظمة قامت “بتحسين أنظمة الرقابة الداخلية والحوكمة، لا سيما في مجال المشتريات وإدارة الجهات الخارجية”.

لكن أحد أكبر محركات التكاليف كان ارتفاع ذا لاين البالغ 1,640 قدمًا (500 متر) حيث تجعل التحديات الهندسية والإنشائية بناء ناطحات سحاب فائقة الارتفاع أمرًا غير مربح حتى في المدن الكبرى، فما بالك في صحراء نائية.

وحاول موظفو نيوم إقناع المسؤولين بتخفيض الارتفاع إلى نحو ألف قدم لخفض التكاليف، لكن خلال اجتماع مجلس إدارة نيوم في الربيع الماضي، أوضح ولي العهد أن “تقليل الارتفاع غير مقبول”، وفقًا لمحاضر الاجتماع، وقال إنه يجب البحث عن وفورات في التكلفة من أماكن أخرى.

واقترح رئيس صندوق الاستثمارات العامة، ياسر الرميان، “استخدام تقنيات جديدة لتقليل القوى العاملة”.

وقام المسؤولون بتجميد جزء من خط السكك الحديدية الذي كان يتطلب حفر نفق بطول 18 ميلًا عبر الجبال، كما تم تأجيل الجزء الأول من ذا لاين، الذي تم تقليصه بالفعل من عشرة أميال إلى ميل ونصف، والهدف الحالي هو افتتاح أول نصف ميل فقط بحلول عام 2034، مع ملعب فوقه لاستضافة مباريات كأس العالم.

وقال دينيس هيكي، المسؤول عن تطوير ذا لاين، خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في يناير: “سنبدأ في البناء العمودي—نأمل—بحلول نهاية هذا العام”.

أما في سندالة، فلا يزال المنتجع غير مكتمل، وذكر أشخاص عملوا هناك أن موظفي المطاعم يقرؤون الكتب لتمضية الوقت لعدم وجود ضيوف لخدمتهم ولا تزال ملاعب الجولف والفنادق غير مفتوحة للجمهور بعد أربعة أشهر من حفل الافتتاح الفاخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى