أخبار

من نتائج “حلب ترامب”: أرامكو تستعد لطرد 5 آلاف موظف لتوفير السيولة

في مؤشر جديد على التداعيات الاقتصادية المترتبة على سياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كشفت تقارير حديثة أن شركة أرامكو، عملاق النفط السعودي، تخطط لإنهاء خدمات نحو 5 آلاف موظف من أصحاب الرواتب المرتفعة مع نهاية عام 2025.

تأتي هذه الخطوة في إطار محاولة لتقليص النفقات وتوفير سيولة مالية، في وقت تتزايد فيه التزامات المملكة المالية لتمويل استثمارات ضخمة، كان من أبرزها التعهدات التي قدّمها ابن سلمان لإدارة دونالد ترامب، خلال التقارب السعودي–الأميركي المستمر.

طرد الموظفين.. مؤشر على أزمة سيولة

قرار أرامكو المرتقب بتسريح آلاف الموظفين، تحديدًا من أصحاب الرواتب المرتفعة، لا يمكن فصله عن أزمة السيولة التي بدأت تظهر في أكثر من جانب داخل الاقتصاد السعودي.

فعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط خلال عامي 2022 و2023، فإن العوائد المتحققة لم تُترجم إلى استقرار مالي، بل تم ضخّها سريعًا في مشاريع غير مدروسة مثل “نيوم” و”ذا لاين”، أو في تعهدات خارجية تثقل كاهل الخزينة، من بينها التزامات سرّية تجاه شركات أميركية كبرى بطلب مباشر من إدارة ترامب خلال سنوات حكمه.

الطرد الجماعي للموظفين لا يمثل فقط ضغطًا اجتماعيًا داخل المملكة، بل يعكس عمق الإرباك المالي الذي تواجهه شركة يُفترض أنها من الأكثر ربحية عالميًا، خصوصًا أن بعض التقارير تشير إلى احتمال بيع أرامكو لمزيد من أصولها في المرحلة المقبلة، في خطوة تعكس بحث الرياض المحموم عن السيولة النقدية بأي ثمن.

ترامب.. والصفقات المشروطة

منذ تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة عام 2017، كان واضحًا أن العلاقة بين واشنطن والرياض ستقوم على أساس الصفقات لا التحالفات التقليدية.

وقد عبّر ترامب عن هذا التوجه صراحة عندما قال: “لن يبقى النظام السعودي لأسبوعين من دون حمايتنا”. هذه الرسالة الواضحة دفعت محمد بن سلمان إلى تقديم تنازلات مالية واستراتيجية ضخمة، شملت عقود تسليح واستثمارات بمئات المليارات من الدولارات.

ولم يكن الأمر مجرد شراء سلاح، بل شمل أيضًا التزامات مالية ضخمة لشركات استشارية، ومكاتب علاقات عامة، وصناديق استثمار أميركية، بهدف دعم صورة ولي العهد سياسيًا، وتثبيت موقعه في المشهد الدولي، خاصة بعد جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي التي خلقت أزمة غير مسبوقة في علاقات المملكة مع الغرب.

استثمارات سيادية على حساب الداخل

من نتائج هذا “التحالف المالي–السياسي” بين ابن سلمان وترامب، أن الرياض باتت تضخ استثمارات ضخمة في مؤسسات أميركية، سواء عبر صندوق الاستثمارات العامة أو عبر أرامكو نفسها.

وهذا ما يفسر تصاعد الحاجة إلى تقليص النفقات التشغيلية داخل أرامكو، بما في ذلك طرد آلاف الموظفين، لتوفير سيولة يمكن ضخّها في الخارج، بدلًا من استخدامها في دعم الاقتصاد المحلي أو خلق فرص عمل جديدة للسعوديين.

وبينما يُفترض أن أرامكو تدار كمؤسسة ذات طابع تجاري احترافي، فإنها تحولت فعليًا إلى ذراع مالية وسياسية بيد ولي العهد، تُستخدم لخدمة أجندته الشخصية، سواء عبر الإنفاق على مشاريع “رؤية 2030” أو الوفاء بالتزامات سرية نحو حلفائه في الغرب.

بيع أصول أرامكو.. خسارة للسيادة

إلى جانب طرد الموظفين، تتحدث مصادر اقتصادية عن اتجاه متسارع داخل الدوائر السعودية لبيع مزيد من أصول أرامكو خلال عامي 2025 و2026. وقد يشمل ذلك إدراج مزيد من الأسهم في الأسواق العالمية، أو عقد صفقات مباشرة مع شركات أجنبية.

هذا التوجه ليس جديدًا، لكنه أصبح أكثر إلحاحًا مع تزايد الضغط المالي، ما يثير تساؤلات حول فقدان المملكة تدريجيًا السيطرة على أهم مواردها السيادية.

ورغم الترويج الرسمي بأن هذه الخطوات تأتي ضمن خطة “تنويع الاقتصاد”، إلا أن الواقع يشير إلى العكس: بيع أصول أرامكو، وطرد موظفيها، يعني في جوهره تفكيك العمود الفقري للاقتصاد الوطني، تحت ضغط الحاجة الماسة للسيولة النقدية لتمويل مشاريع لا عائد واضح لها، أو للوفاء بوعود قدّمت في غرف مغلقة لواشنطن.

تداعيات اجتماعية خطيرة

تسريح آلاف الموظفين من أصحاب الرواتب المرتفعة يعني بالضرورة التأثير على شرائح واسعة من الطبقة الوسطى داخل السعودية.

هؤلاء الموظفون يمثلون غالبًا الفئة ذات الكفاءة والخبرة، وبالتالي فإن فقدانهم سيؤدي إلى خسارة كبيرة في رأس المال البشري داخل أرامكو، كما سيخلق مناخًا من انعدام الثقة والاستقرار داخل الشركة، وهي التي لطالما قُدمت كنموذج للاستقرار المؤسساتي في المملكة.

كما أن هذه الخطوة تعني تعميق أزمات البطالة وعدم المساواة، إذ إن الإنفاق الفلكي على الترف والبهرجة، كما في حفلات الترفيه والفعاليات الرياضية، يقابله تقشف قاسٍ في القطاعات الإنتاجية، ما يُظهر اختلالًا عميقًا في أولويات الحكم.

حلب مستمر.. والمواطن السعودي يدفع الثمن

خطط التسريح وتقليص النفقات وبيع الأصول، كلها نتائج مباشرة لنموذج “الحلب المالي” الذي أسسه ترامب وامتثل له محمد بن سلمان.

هذا النموذج لا يقوم على الشراكة المتكافئة، بل على مقايضة المال بالحماية، والمكانة الدولية بالولاء المالي الأعمى. ومنذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تبدو الرياض ماضية في الطريق ذاته، ولو على حساب شركتها الوطنية الأهم، وعلى حساب موظفيها ومواطنيها.

في النهاية، تبدو أرامكو، التي كانت تمثل رمز السيادة السعودية، اليوم أداة في يد مشروع فردي، يدفع الشعب ثمنه، وتُموّل استثماراته من دماء الموظفين، وأحلام الطبقة الوسطى، ومستقبل الأجيال المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى