فضائح السعودية

أهوال نيوم: 21 ألف وفاة وعشرات الحوادث تكشف الجانب المظلم لأضخم مشروع سعودي

تكشف تحقيقات حديثة نشرتها صحيفة “ذا صن” البريطانية عن وجه قاتم لمشروع نيوم السعودي العملاق، الذي يعد أحد أكبر المشاريع التنموية في الشرق الأوسط والعالم، حيث تشير الأرقام إلى وفاة أكثر من 21 ألف عامل أثناء بناء أقسام مختلفة من المشروع، وسط ظروف عمل صعبة ومخاطر مهددة للحياة.

وبحسب التقرير، توفي العديد من العمال نتيجة حوادث مأساوية تنوعت بين سقوطهم من ارتفاعات شاهقة أثناء بناء المباني، والصعق بالكهرباء، وحتى حوادث مروعة وصلت إلى قطع الرأس.

وتكشف هذه الحوادث عن قصور كبير في إجراءات السلامة المهنية في مواقع البناء بالمشروع، رغم الميزانيات الهائلة المخصصة له.

وقال التقرير إن بعض هذه الحوادث لم يُعلن عنها رسميًا، بينما تم التعامل مع بعضها على أنه حوادث عمل عادية، دون إعطاء اهتمام كافٍ للمعاناة التي يمر بها العمال، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول حقوق الإنسان في مواقع العمل الضخمة في المنطقة.

ارتفاع هائل في تكلفة المشروع

في حين أن التكلفة الأصلية المعلنة لمشروع نيوم كانت تبلغ نحو 500 مليار دولار، أفادت مجلة “The New Civil Engineer” المتخصصة أن التكلفة المتوقعة للمشروع ارتفعت إلى 8.8 تريليون دولار، أي أكثر من 17 ضعف المبلغ الأولي.

يشير هذا الارتفاع الكبير إلى توسع نطاق المشروع بشكل غير مسبوق، حيث يسعى المسؤولون في نيوم إلى إنشاء مجمعات ترفيهية ضخمة، استوديوهات إعلامية رائدة، ومدن ذكية تستخدم أحدث التقنيات، في محاولة لتغيير خارطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السعودية.

ويبدو أن المسؤولين في مشروع نيوم يرغبون في تقديم كل شيء “على أعلى مستوى ممكن”، حيث يطمحون لأن يكون المشروع موطنًا لأكبر مجمع ترفيهي في العالم، وأكبر استوديو إعلامي في المنطقة.

غير أن التقرير يؤكد أن المال وحده لا يكفي لجعل هذه الأحلام واقعًا. فحتى مع ضخ مئات المليارات من الدولارات، فإن تنفيذ مثل هذا المشروع العملاق يتطلب تخطيطًا دقيقًا، وإدارة فعالة، ومراعاة لحقوق العاملين والسلامة المهنية.

العمال.. ضحايا التنمية الطموحة

يحذر التقرير من أن آلاف العمال الذين يقفون وراء بناء هذا الصرح الحضري هم أكثر الفئات تضررًا، إذ يعملون في ظروف قاسية للغاية، وغالبًا ما يكونون بعيدين عن أُسرهم، وسط مخاطر جسيمة.

وأوضحت المصادر أن كثيرًا من العمال أُجبروا على العمل لساعات طويلة دون فترات راحة كافية، بينما تفتقر مواقع العمل إلى إجراءات أمان كافية، ما أدى إلى وقوع الحوادث المميتة المتكررة.

هذه الظروف أثارت غضب منظمات حقوق الإنسان التي طالبت بمراجعة شاملة لظروف العمل وضمان حقوق العمال، مع توفير حماية أفضل وحياة أكثر أمانًا لهم.

الجانب الاقتصادي.. هل يدفع نيوم الثمن؟

مع التكاليف الباهظة والوفيات المتزايدة، يتساءل مراقبون عن الجدوى الاقتصادية للمشروع، ومدى استدامته في ظل هذه الظروف الصعبة.

ففي حين تسعى السعودية إلى تنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط، وتعزيز مكانتها كوجهة عالمية للسياحة والترفيه، يبرز تساؤل مهم: هل يمكن لمشروع نيوم أن يحقق أهدافه الطموحة دون التأثير على حياة آلاف العمال الذين يبنون هذه المدينة المستقبلية؟

وحتى الآن، لم تصدر السلطات السعودية تصريحات مفصلة حول حصيلة الحوادث أو ارتفاع التكاليف، كما أن إدارة نيوم لم ترد بشكل مباشر على التحقيقات الصحفية التي سلطت الضوء على هذه الأرقام المقلقة.

في المقابل، دعت منظمات دولية إلى فتح تحقيق مستقل في ظروف العمل بمشروع نيوم، ومحاسبة المسؤولين عن الإهمال، مع ضمان حقوق العاملين والحفاظ على سلامتهم.

ومشروع نيوم، الذي حلمت به السعودية كرمز للتقدم والتطور، يواجه اليوم تحديات جمة تتعلق بحقوق الإنسان والبيئة الاقتصادية والاجتماعية. الأرقام الصادمة للوفيات والحوادث التي كشفها تقرير “ذا صن” تلقي بظلالها على الصورة المثالية التي حاولت الرياض رسمها، وتدفع إلى التفكير بعمق في كيفية تحقيق التنمية المستدامة دون التضحية بأرواح البشر.

يبقى السؤال الأكبر: هل سينجح نيوم في أن يكون نموذجًا للتطور العصري يراعي حقوق الإنسان، أم سيظل شاهدًا على مأساة آلاف العمال الذين دفعوا حياتهم ثمناً للأحلام الطموحة؟.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى