فضائح السعودية

توقعات بتراجع شراكة نظام آل سعود مع واشنطن

توقعت صحيفة أمريكية ومجلة بريطانية شهيرتان، تراجع الشراكة السعودية – الأميركية في ظل حكم ولي العهد محمد بن سلمان، بسبب تجاهل الأخير مطالب واشنطن في مجالات عدة.

ورأت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن الشراكة بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة السعودية لن تزدهر في ظل حكم بن سلمان، بسبب تجاهل الأخير مطالب واشنطن بالكف عن ملاحقة المفرج عنهم من المعتقلين، ولا سيما من يحملون منهم الجنسية الأميركية.

واستعرضت الصحيفة الأمريكية نموذج الطبيب وليد فتيحي، الذي سعى لأن يكون “جسر عبور” بين الولايات المتحدة الأميركية والسعودية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001.

والطبيب السعودي كان يعيش في بوسطن آنذاك، بعدما حصل على شهادته في الطب وكذلك الجنسية الأميركية.

وأوردت الصحيفة في مقالها للصحفي جاكسون ديهل أن فتيحي نجح لحد بعيد في مسعاه، فبعد عودته إلى جدة أنشأ المركز الطبي الدولي، الذي دشنه العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، واستقدم أعدادا كبيرة من الأطباء الذين تلقوا تكوينا أميركيا وأقام شركات مع مؤسسات طبية لجلب معايير الاستشفاء الأميركية إلى المملكة العربية السعودية.

كما أن المسؤولين الدبلوماسيين الأميركيين العاملين في قنصلية جدة كانوا يحظون بالعناية الطبية داخل مركزه بين الفينة والأخرى، وفي الآن نفسه وظف الطبيب الكاريزما التي يحظى بها لاستقطاب ملايين المشاهدات للفيديوهات التي كان يعدها حول الصحة البدنية، إضافة إلى 1.7 مليون متابع لحسابه بموقع “تويتر”.

وقالت “واشنطن بوست” إن “جزاء” فتيحي على كل مجهوداته كان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، حينما اعتقلته بغتة عناصر الأمن التابعة لولي العهد محمد بن سلمان، ليتم الزج به برفقة عدد كبير من رجال الأعمال السعوديين وأفراد العائلة الحاكمة، في فندق “ريتز كارلتون” بالرياض.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، نفذت الأمن السعودي بأوامر من ولي العهد حملة اعتقالات كبيرة طالت أكثر من 300 رجل من رجال الأعمال البارزين، وأفراد العائلة المالكة، ومسؤولين حاليين وسابقين في “فندق ريتز كارلتون” بالرياض.

واعتقلت المجموعة الكبيرة آنذاك، بهدف الضغط عليهم لتسليم أصول مالية مقابل الإفراج عنهم، وأيضا خارج أي إجراءات قانونية واضحة أو معترف بها، بحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية.

وأضافت الصحيفة الأمريكية أن فتيحي مثل عدد كبير من المعتقلين تعرض للتعذيب، لكنه على خلاف جلهم لم يتم إطلاق سراحه بعد مرور بضعة أسابيع، بل استمر احتجازه لنحو عامين من دون إخضاعه لأي محاكمة.

وبعد عرضه أخيراً على المحكمة في يوليو/ تموز 2019م، تشير “واشنطن بوست”، كانت إحدى التهم الموجهة إليه هي الحصول على الجنسية الأميركية “بدون ترخيص”.

ورأت أن فتيحي تعرض إلى ما تعرض إليه لأنه نجح في أن يكون صوتاً مؤثراً داخل المملكة العربية السعودية لديه ارتباطات أميركية.

“عاودوا سؤالي مرات ومرات: لما لديك الكثير من المتتبعين على مواقع التواصل الاجتماعي”، كما جاء في مقابلة أجراها فتيحي مع صاحب مقال الرأي في “واشنطن بوست”، جاكسون ديهل، الذي أورد عن الطبيب السعودي قوله أيضا: “بالنسبة لهم، كوني أميركياً يجعل الأمور أسوأ بكثير”.

واعتبر مقال “واشنطن بوست” أن قصة فتيحي تسلط الضوء على التناقضات التي تطبع العلاقات الأميركية مع حلفائها العرب القدامى، بمن فيهم مصر والبحرين والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى السعودية، موضحا أن جل هذه البلدان، كما أشار لذلك الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لم تكن لتستمر لولا وجود الحماية العسكرية الأميركية.

في المقابل، قالت الصحيفة إن الأنظمة في هذه البلدان بعدما اتبعت أساليب سلطوية خلال العقد المنصرم، أصبحت أقل رغبة في الاهتمام بالمصالح الأميركية، ومالت للتشكيك أكثر بمن يعملون على نشر القيم الأميركية بمجتمعاتهم أو لديهم ارتباطات بالولايات المتحدة.

وكنتيجة لذلك، تزايدت حالات اعتقال المواطنين الأميركيين ليس في السعودية فحسب، بل في مصر أيضا، في ظل حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يحتجز ما لا يقل عن خمسة أميركيين.

أما فتيحي فقد عاد إلى العمل في مركزه الطبي، الذي خصص به طابقين و80 سريراً لعلاج المصابين بفيروس “كورونا” الجديد، من دون أن ينال حريته بشكل كامل، كما يوضح المقال.

فالقاضي لم يصدر بعد الحكم في قضيته، وأطوار الجلسة تأجلت مرات عديدة، مقابل تزايد امتعاض المسؤولين الأميركيين، فيما يحظر عليه وسبعة من أفراد عائلته، الذين يحملون كلهم الجنسية الأميركية، الخروج من الأراضي السعودية، مع تجميد جميع أصولهم في المملكة.

ورغم كل ذلك فإن فتيحي يؤكد أنه لن يتخلى عن مهمته، وقال إنه يعد لافتتاح مؤسسة للتكوين الطبي مرتبطة بمستشفاه، ويبحث عن شريك أميركي لتحقيق ذلك. “أود أن أواصل مهمتي كجسر عبور بين البلدين”، كما جاء على لسانه.

وخلص كاتب المقال الأمريكي أن قصة الطبيب تكشف أنه بينما يحكم محمد بن سلمان، فإن الشراكة الأميركية السعودية قد لا تزدهر أبداً.

وفي هذا السياق، طرح الكاتب البريطاني المختص في شؤون الشرق الأوسط، جون آر برادلي، جملة من التساؤلات، حول مستقبل تحالف النفط مقابل الأمن بين السعودية والولايات المتحدة، على ضوء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سحب منظومتي صواريخ باتريوت، لحماية المرافق النفطية.

وقال الكاتب بمقاله في مجلة “ذي سبيكتاتور” البريطانية، إن أمر توجيه التوبيخ لمحمد بن سلمان على خلفية حرب أسعار النفط مع روسيا، أوكل إلى مسؤولين مجهولي الهوية.

وكشفت “وول ستريت جورنال” الأمريكية، النقاب عن سحب القوات الأمريكية أنظمة “باتريوت” الدفاعية من المملكة إلى جانب مقاتلات وجنود آخرين.

وقالت “ذي سبيكتاتور”: الآن بقي لدى المملكة منظومتا صواريخ باتريوت موجودتان داخل قاعدة الأمير سلطان الجوية في وسط الصحراء السعودية، وهما ليستا هناك من أجل حماية العائلة الملكية ومواردها الاقتصادية وإنما لحماية ما يقرب من 2500 جندي أمريكي يتواجدون في هذا الموقع العسكري القاصي.

وتساءل: هل نشهد بداية نهاية حلف النفط مقابل الأمن بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، والذي ما لبث على مدى خمسة وسبعين عاماً، ولكن بشكل خاص منذ الثورة الإيرانية في عام 1979، يشكل حجر الزاوية في تعامل الولايات المتحدة مع المنطقة؟ إذا ما أخذنا بالاعتبار عادة ترامب تغيير رأيه من دقيقة إلى أخرى، وخاصة فيما يتعلق باستراتيجيته الخاصة بالشرق الأوسط، لا يمكن للمرء أن يكون على يقين، ولكن في هذه المرحلة، يبدو من المؤكد أن ذلك حاصل.

ولا أدل على ذلك من أن سحب القوات العسكرية الأمريكية يأتي فقط بعد أسابيع من تبليغ ترامب لولي العهد خلال مكالمة عاصفة بأنه ما لم تخفض أوبيك إنتاجها من النفط لكي ترتفع الأسعار فإنه سيكون عاجزاً عن الحيلولة دون أن يقدم المشرعون الأمريكيون على سن تشريع يقضي بسحب القوات والتجهيزات العسكرية الأمريكية من المملكة.

وتابع الكاتب: انصاع السعوديون بعد عشرة أيام، ولكن بسبب الوفرة غير المسبوقة وانعدام الطلب بسبب الإغلاقات الناجمة عن فيروس كورونا، لم تتمكن أسعار النفط من استعادة المستويات السابقة لها.

ورأي أن تبرير “المسؤولين الأمريكيين أن إيران لم تعد تشكل تهديداً آنياً للمصالح الاستراتيجية الأمريكية.” بمعنى آخر: “إذا ما شنت إيران هجوماً صاروخياً آخر، فسيكون السعوديون لوحدهم. وهذا اعتراف خارق للعادة”.

واستدرك: ترامب، أخذاً بالاعتبار أنه بدأ الآن يعتبر الصين العدو رقم واحد، لم يعد يعطي الأولوية لاحتواء إيران.

وأوجز الكاتب البريطاني: “ما يفعله ترامب في واقع الأمر هو العودة إلى ما يكنه فطرياً من مقت لأفراد العائلة الملكية السعودية – وهو الذي قضى معظم وقته كمرشح جمهوري في مهاجمة المملكة العربية السعودية باعتبارها حليفاً لا يمكن الوثوق به وباعتبارها ممولاً للإرهاب – وكذلك مقته للصراعات الطاحنة في الشرق الأوسط”.

وختم: “لذلك لا ينبغي لأحد أن يتفاجأ إذا ما شهدنا خلال الأسابيع أو الشهور القادمة تساهلاً في موقف إدارته من صفقة النووي مع إيران”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى