متفرقات سعودية

السعودية: طرد نصف مليون مهاجر في إطار مشروع تطوير جدة الجديد

كشفت منظمة Migrant-Rights.org للدفاع عن حقوق العمال المهاجرين، عن طرد نصف مليون مهاجر في إطار مشروع تطوير جدة الجديد الذي تنفذه السلطات السعودية منذ أشهر.

وبحسب المنظمة تتكرر الحملات التمييزية التي تستهدف العمال المهاجرين منخفضي الدخل، الذين يعيشون في مساكن مشتركة وأحياء عشوائية في جميع دول الخليج.

غير أن المنظمة أكدت أن الحملة السعودية الأخيرة تعتبر الأكثر عدوانية مؤخرا، فقد تم هدم البيوت بدون التفكير في مصير المهاجرين الذين يعيشون فيها.

وللمرة الثانية خلال عقد، اضطر عبد الله وعائلته إلى حزم كل متعلقاته والانتقال بسرعة إلى بيتهم الجديد لأنه سيتم هدم حيهم قريبا.

في المرة الأولى التي حدث ذلك، كان عبد الله وعائلته المكونة من زوجته وطفليه (5 سنوات) و(سنتين)، في اليمن، وكان الصراع قد بدأ يتصاعد لتوه.

كانوا يعيشون في مدينة بالقرب من فج عطان التي شهدت غارات جوية مكثفة. وكان للزوجين عائلة ممتدة في جدة السعودية، وبذلك أتوا بـتأشيرة أداء العمرة في 2015 ولم يعودا بعد ذلك أبدا. فقد تم تدمير مدينتهم بالكامل منذ ذلك الوقت.

خيارات معدومة

يقول عبد الله، الذي وجد عملاً في السعودية: “يوجد الكثير من اليمنيين في جده، وتبدو الأمور في الوطن غير مؤكدة، ولم أود أن أعرض عائلتي للخطر”.

وتابع “برغم أنني أكسب جيدا هناك، إلى أن أنني لم أخاطر بجعل أبنائي يتعرضون لأوضاع الحرب، ولذلك قررت البدء من جديد في بلد جديد.” وبرغم صعوبة أوضاع اليمنيين مؤخرا في السعودية، خصوصا لغير النظاميين، إلا أنه بإمكان عبد الله توفير حياة مريحة لعائلته في جده.

وتعرف جده، والمنطقة الغربية الأوسع، حيث تقع مكة، بتنوعها واحتوائها على أكبر عدد من السكان غير النظاميين. مثل عبد الله، تماما، تمكنوا من المجيء للحج ثم اختاروا أن يبقوا فيها.

كان عبد الله وعائلته يعيشون في شقة مكونة من غرفتين في حي يسكنه، أساسا، مقيمون غير نظاميين. بمن فيهم عائلتهم الممتدة.

لكن بعد عدة أسابيع، تم إجلائهم من المكان في مشروع كبير إطار لـ “إعادة تطوير ” المدينة، الذي يهدف إلى تغيير وجه المدينة بتفكيك (تطوير) الأحياء الفقيرة والقديمة.

ومع ذلك، يصرّ عبد الله على أن الحي الذي يعيش فيه ليس عشوائيا.

ويقول: “كان هناك الكثير من اليمنيين الآخرين، البعض منهم عائلات ممتدة، وكذلك عائلات من أماكن أخرى يعيشون في أحياء كالتي نعيش فيها. هي، حقا، قديمة وبعض المناطق الواقعة في عمق الأحياء تشبه العشوائية، ولكن كان الوضع آمنا جدا حيث كنت أقيم.” ويعمل عبد الله في ورشة للأعمال الميكانيكية، وتقدم زوجته دروس خاصة وتدرّس اللغة العربية، عن بعد، لطلاب من جنسيات مختلفة.

يضيف  “لدى ابنتان، فكيف يمكن أن أدعهما يعيشان في مكان ليس هو أفضل ما يمكنني أن أقدمه لهما؟”. وابنتي عبد الله مسجلتان في مدرسة خاصة صغيرة تعمل من شقة قريبة من سكنه. صاحب العقار الذي يقيم فيه عبد الله وعائلته، تسلم إشعارا يمنحه أسبوعين لإخلاء المبنى. وبعد ذلك سيتم هدم الحي بأكمله.

ويتابع:” بالطبع الأمر لا يشبه الحرب الأهلية، ولكن، فجأة، كان علينا ترك كل شيء ورائنا لنشاهد بيتنا يهدم أمامنا مرة من قبل، وها هو الأمر يتكرر مرة أخرى. الحياة صعبة أحيانا.”

اعتقالات عشوائية

أصبح وضع غير النظاميين أكثر صعوبة في السنوات الأخيرة مع الاعتقالات العشوائية وحملات الترحيل التي تستهدف عشرات الآلاف، والتي تتم كل بضعة أشهر. أصبح الأمر يشكل تحديا كبيرا، لليمنيين خصوصا.

حتى سنوات قليلة مضت، كان المهاجرون اليمنيون – النظاميون أو غير النظاميين – من المجموعات العرقية التي تحصل على تفضيل نسبي مقارنة بالسكان غير السعوديين.

ويعيش في السعودية أكثر من مليوني يمني، إلا أن الصراع المستمر دفع إلى تحول كبير في معاملتهم في جميع أنحاء المملكة.

وذكرت منشورات إخبارية يمنية ودولية نقلا عن وثيقة سرية مسربة أن الحكومة المحلية طلبت من أصحاب الأعمال في المناطق الجنوبية من السعودية الاستغناء عن العمال اليمنيين بشكل منهجي.

تركز حملات الترحيل حاليا على اليمنيين بشكل خاص، ولذلك فإن الحصول على مكان جديد للإقامة سيشكل تحديا لعبد الله وعائلته، لأن الكثير من أصحاب العقارات سيرفضون التأجير لهم.

يقول عبد الله: “أصبحت الإيجارات مرتفعة بشكل مفاجئ. سيطلب أصحاب العقارات أي مبلغ من المال يفكرون فيه.” ومع انتشار أخبار عن الاخلاءات العشوائية المقبلة، ومع انتشار الهدم، بدأت الأسعار في الارتفاع في مناطق التي يعتبرها المهاجرين آمنه لهم. ويقيم عبد الله وعائلته مع أصدقاء عائلة زوجته بينما يواصلون البحث عن مسكن لهم.

يضيف ” في البداية كان هناك الترحيل، لكننا على الأقل كنا في أمان داخل منازلنا، لكن الآن تم أخذ منازلنا، فهذه البلد الآن فقط للسعوديين”.

ويوضح “اعتدنا أن جدة للجميع، لكنها لم تعد كذلك. فجده أصبحت الآن للسعوديين والأغنياء الغربيين. جده القديمة كانت للجميع. ”

حملات هدم واسعة

وعمليات الهدم جارية حاليا، وفي الواقع، هي جزء من خطة رئيسية لإنشاء جدة “الجديدة” بما يتماشى مع الرؤية السعودية 2030. في ديسمبر 2021، أطلق ولي العهد، محمد بن سلمان آل سعود الخطة الرئيسية والملامح الأساسية لمشروع جده المركزي.

وبحسب بيان رسمي، فإن المشروع الذي تصل قيمته إلى 75 مليار ريال سعودي سيطوّر أرضا تصل مساحتها إلى 5.7 مليون متر مربع “لإقامة وجهة عالمية مطلة على البحر الأحمر في قلب جدة”.

وسيشمل المشروع منتجعات راقية، ومطاعم ومجمعات تسوق، ومتاحف وملاعب رياضية وحتى دار للأوبرا، وذلك ضمن جهود لتكون المدينة ضمن أرقى الأماكن السياحية في الخليج.

كما سيتم بناء فنادق توفر أكثر من 2,700 غرفة فندقية، ومناطق سكنية حديثة تشتمل على 17,000 وحدة سكنية. إلا أنه، وبحسب أرقام رسمية محافظة، فإن ما لا يقل عن نصف مليون شخص – 5% منهم فقط من المواطنين السعوديين- يقيمون في المناطق التي تم تحديدها للهدم لإفساح المجال للمشروع الجديد.

برغم أن إشعارات الاخلاء جاءت ابعد بكثير من توقعات المقيمين، إلا أن هيئات التطوير في جده تناقش “حل مشكلة الأحياء العشوائية” لفترة مؤخرا، كما تقول مريم، وهي موظفة حديثة التخرج، تعمل لدى شركة هندسية تشارك في مشروع تخطيط المدينة.

وتوضح مريم بأنهم بدأوا إجراء الدراسات لاستكشاف نظام لتطوير هذه الأحياء على مدى عامين.

في 2019، شدد ممثل مكة البلدي صالح التركي، في كلمة له أمام منتدى مكة الاقتصادي، أن تركيزه الرئيسي ينصب على تحسين البنية التحتية في المناطق العشوائية.

وبحسب التركي ” فإن التركيز البلدي ينصب على مد خدمات ممتازة بأسرع وقت ممكن مع تطوير المناطق التي ليس لديها خدمات تمكنها من تحقيق أهداف رؤية 2030.

وضعت رئاسة البلدية مؤشرات وأهداف لتطوير ركائز تطوير جودة الحياة”. وأكّد أنه سيتم هدم 64 حياً موزعين على مساحة 215 مليون متر مربع، تعتبر “عشوائية” وسيتم إعادة تطويرها. كما ادعى العمدة أن أغلب هذه المباني هي غير قانونية مقامة على أرض مملوكة للحكومة.

ويقع المبنى الذي قام عبد الله بإخلائه على أرض غير قانونية.

ويشير: “هذا المبنى قديم جدا، وأظن أنه بُني عندما كانت الأنظمة أكثر تساهلا. ويقيم صاحب العقار مع عائلته في طابقين ويؤجرون الباقي لنا. ولا أعرف إن كان لدى المباني في المنطقة ترخيص صحيح، لكن المالكين ليسوا محتالين.”

فترة إخطار قصيرة

حصلت منظمة MR على وثيقة تحدد الخطة الزمنية وقائمة الأحياء التي سيتم هدمها في الشهور المقبلة. يشار هنا إلى أن فترة الإخطار التي تعطى للسكان قصيرة، وأحيانا تعطى لهم بعد بدء أعمال الهدم.

وفي حين أن العديد من الأحياء على قائمة الهدم هي في الحقيقة قديمة جدا ويعيش فيها مقيمون غير نظاميين، فإن هناك مباني كثيرة على القائمة أحدث بكثير ومسكونة من قبل مقيمين نظاميين. بعض الأحياء في العزيزية، وبني مالك، والشرفية، على سبيل المثال، تعرف بشعبيتها بين العائلات جنوب الآسيوية وتضم مباني قديمة وجديدة.

كانت عملية الهدم في الشرفية قد حددت لتبدأ في 19 فبراير، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن. ويشعر السكان في الأحياء أن ذلك قد يكون مجرد خلل في البيروقراطية السعودية وأن الهدم سيصل أحيائهم في وقت ما. ولذلك فقد بدأت عمليات الإخاء الجماعية.

تقول آمنه أمير، وهي طالبة باكستانية تبغ من العمر 17 عاما، وهي تنظر إلى صور الأحياء التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي “إنه مجرد سريالي”.

وعاشت آمنه في حي الشرفية طوال حياتها حتى الصيف الماضي عندما فقد والدها وظيفته وعادت العائلة إلى باكستان.

تقول آمنه: “أنا حقا أفتقد جده وحياتي هناك، وبرغم أن الأمر يبدو غير واقعي إلا أنني أفكر دائما أنني سأعود يوما إلى هناك وأرى كل شيء مرة أخرى، حتى وإن كان ذلك لمجرد الزيارة”.

وتضيف: “لقد شعرت بحزن شديد بينما كنت أنظر لهذه الصور، وكأن طفولتي وكل العالم الذي كان موجودا تمت إزالته بهدوء، وإلى الأبد.”

شهدت العزيزية التي كانت تعرف بأنها باكستان الصغيرة، نزوحا بطيئا على مدى السنوات القليلة الماضية بسبب برامج السعودة والضرائب الباهظة التي فرضت على الأجانب والتي أجبرت الكثير من المقيمين على العودة إلى بلدانهم.

كما أن الحي الذي يعتبر مركزا أساسيا لمجتمعات جنوب آسيا في جده مدرج على القائمة. وبرغم أنه ليس من الواضح مساحة المناطق السكنية التي سيتم هدمها، إلا أن الذين سمعوا عن الاخلاءات المحتملة المرتقبة يتوقعون ارتفاعا في الإيجارات.

يقول الكشميري صادق (30 عاما):”إنها مسألة سهله متعلقة بالعرض والطلب، أليس كذلك! الكثير من الناس يبحثون فجأة عن مكان جديد، وهناك نقص في العرض حاليا”.

كان صادق الذي يعمل في القطاع المالي قد تم اجلاءه مؤخرا من المكان الذي يعيش فيه بالقرب من الشرفية – وهو يحضّر نفسه للهجرة إلى ألمانيا في الصيف المقبل – لكنه لم يخطط لارتفاع مفاجئ في إيجاره.

يقول صادق: “كنت أعيش بالقرب من مكان عملي، والمكان الذي وجدته في نفس نطاق السعر يقع على بعد 30 كيلو متر. إنه أمر غير مريح وحدث فجأة”.

وجد صادق إعلان الإخلاء الذي يحمل علامة حمراء خارج المبنى الذي يعيش فيه قرب نهاية يناير، وأخبره صاحب المبنى أن لديه شهر واحد للمغادرة.

يقول: “بدأت البحث عن مكان جديد فورا، وكنت محظوظا لأنني غادرت بشكل سريع، فقد تم قطع الكهرباء والماء بعد أسبوعين من وضع إشعار الإخلاء”.

تمكن صادق من الانتقال إلى شقته الجديدة في وقت أبكر من المخطط له، وهو ينتظر أن يعيد له صاحب المبنى المتبقي من إيجار شهر فبراير.

يقول صادق: “لقد وعدني أن يعيد لي المبلغ، لننتظر ونرى. لا أظن أن الأمر سيكون سيئا بالنسبة له، فهو يحص على تعويض من الحكومة”. ويضيف: “هو سعودي، سيكون بخير.”

وعود لتعويض المواطنين

أورد الإعلام المحلي تحديثا عن المزايا التي ستقدم للمواطنين السعوديين – مع توقعات تحقيق قيمة مضافة قدرها 47 مليار ريال سعودي للاقتصاد في 2030 – والجهود الحكومية لتعويض السعوديين الذين سيتم هدم عقاراتهم.

أعلنت “لجنة الأحياء العشوائية” عن حزمة من الخدمات للمواطنين السعوديين الذين يتم هدم بيوتهم. يحصل المستحقون للتأمين الاجتماعي والذين لديهم وثائق قانونية للعقارات، على منازل مؤجرة حتى يتم دفع تعويضاتهم.

ويمكنهم تقديم طلب للحصول على مزايا من خلال بوابة الكترونية حتى هؤلاء الذين ليس لديهم وثيقة ملكية قانونية مثل صاحب العقار الذي يسكنه عبد الله، سوف يحصل على التعويض.

وبحسب اللجنة، يتم حاليا دراسة الحالات “… وسيتم تخصيص مساكن لأصحاب الوثائق القانونية للعقارات، بالتعاون مع الجمعيات الخيرية.” ولكن أغلبية الذين تضرروا بسبب المشروع، هم من غير السعوديين. وحتى الآن، تم هدم منازل 12 حي يعيش فيها أكثر من نصف مليون وغالبيتهم غير سعوديين.

وذكر الممثل البلدي “انه تم تأجيل إزالة الأحياء (من القائمة) التي يغلب على سكانها السعوديين، وذلك حتى تتم دراسة إمكانية تنظيم هذه الأحياء.”

كذلك أوضحت اللجنة أنه تم تقديم الخدمات لغير السعوديين الذين يتم إخلاؤهم. ومع ذلك، على عكس الإسكان المؤقت والتعويضات المالية التي يحصل عليها المواطنين، فإن الدعم لغير السعوديين لا يتجاوز المساعدة في نقل الأثاث وتوفير “سلال المواد الغذائية”.

وعندما سُئل عبد الله عما إذا حصل على سلة غذائية كما وعدت اللجنة، اكتفي بالضحك قائلا: “لا، لم احصل على أي سلة غذائية عندما طردت من منزلي”.

مخاطرة حتى للسعوديين

في 2022، قٌتل عبد الرحيم الحويطي، وهو ناشط قبلي سعودي، من قبل قوات الأمن بسبب احتجاجه على مثل هذه الاخلاءات. وقبل وفاته، نشر الحويطي مقاطع فيديو يندد فيها بالإخلاءات، مشيرا إلى أن قبيلة الحويطي قد عاشت على هذه الأرض لمئات من السنين.

تتم عمليات الإخلاء لتطوير مشرع نيوم، المدينة المستقبلية الضخمة التي يتم بناؤها في شمال غرب ساحل البحر الأحمر. وأفادت السطات السعودية أن الحويطي قام بإطلاق النار على قوات الأمن وقتل أثناء تبادل إطلاق النار الذي أعقب ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى