فضائح السعودية

“كارلا ديبيلو” .. مفتاح المسؤولين السعوديين لاستثمارات الشركات الأجنبية

علاقات شخصية واقتصادية وغيرها تجمع “كارلا ديبيلو” المنتجة السابقة لبرامج تلفزيونية وصديقة الممثلة وعارضة الأزياء الأمريكية “كيم كارديشيان” مع مسؤولين سعوديين بارزين، أبرزهم رئيس صندوق الاستثمار السعودي ياسر الرميان.

ووصفت صحيفة “وول ستريت جورنال” كارلا ديبيلو، بـ “الشخصية البارزة في المشهد الاستثماري في المملكة”؛ نظرا لتأثيرها المتنامي على صندوق الثروة السيادية الذي يرأسه ولي عهد المملكة محمد بن سلمان شخصيا، وتبلغ قيمة غطائه المالي نحو 300 مليار دولار.

وسلطت الصحيفة الدولية الضوء على نفوذ “كارلا”، ذات الـ35 عاما، وتأثيرها باستثمارات الصندوق، مشيرة إلى مساهمتها في التفاوض على صفقة بقيمة 445 مليون دولار لشراء حصة أغلبية في فريق نيوكاسل يونايتد الإنجليزي لكرة القدم الذي يعتزم ولى العهد شرائه.

وأفادت مصادر للصحيفة الدولية، بأن “كارلا” أخبرت معارفها أنها شاركت في محادثات حول صفقة بقيمة 15 مليار دولار مع التكتل الهندي “ريلاينس إندستريز ليمتد”.

ونوهت المصادر إلى أن علاقة “كارلا” الوثيقة مع رئيس الصندوق السعودي “ياسر الرميان”، البالغ من العمر 49 عامًا، كانت سبيل نفوذها، وأن علاقتهما أثارت مخاوف بين بعض مسؤولي صندوق الاستثمار السعودي، الذين شعروا بالإحباط بسبب اهتمام “الرميان” الشديد بـ”كارلا” في وقت تعاني فيه استثمارات الصندوق الرئيسية.

وبحسب تحقيق الصحيفة فإن “كارلا” تقدم مساعدتها للشركات الراغبة في مشاركة الصندوق السعودي “بمقابل مادي”، ويقول الأشخاص المطلعون على تعاملاتها إنها تساعد الشركات الأجنبية في الوصول إلى كبار المسؤولين السعوديين، أحيانًا من خلال اجتماعات عمل رسمية وأحيانًا في أماكن غير رسمية.

ويذكر هؤلاء الأشخاص أن “كارلا” تحصل على مكافأة من الشركات عن دورها في الصفقات غالبًا من خلال شركتها الاستشارية CDB التي تتخذ من ساراسوتا مقرًّا لها.

“ولأن رجال الأعمال الدوليين يحذرون من الوسطاء الذين يحصلون على مقابل لاستخدام العلاقات الشخصية لتسهيل الصفقات، فإن كثيرا منهم يخشون من مخاطرة أن تنتهك المدفوعات المقدمة لـ “كارلا” قوانين مكافحة الرشوة الأمريكية”.

وقالت الصحيفة: “بل إن إحدى الشركات التي تأمل في التعامل مع صندوق الاستثمارات السعودي طلبت بالفعل المشورة القانونية بشأن ما إذا كانت المبالغ التي ستدفع لـ”كارلا” مقابل تقديم الشركة للصندوق تنتهك قانون مكافحة الرشوة الأمريكي من عدمه”.

وأشارت المصادر للصحيفة إلى أن الصندوق السعودي يدار بشكل مختلف عن العديد من مؤسسات إدارة الأموال الدولية الأخرى، التي تتخذ قرارات الاستثمار الكبرى في العادة عن طريق اللجان وتقييم الصفقات بالاستعانة بمديري المخاطر والمحامين الداخليين للتأكد من أنها تحقق أفضل مصلحة للصندوق وتمتثل للقوانين.

فرغم أن الصندوق لديه لجان استثمار ومديري مخاطر، إلا أن بعض قراراته الرئيسية حول مكان الاستثمار، ومع من يجرى التفاوض، يتخذها “الرميان” أو “بن سلمان” دون الاعتماد على مشورة اللجان، وفقًا لما أكده مسؤولون سابقون وحاليون في الصندوق.

وللاستدلال على قوة العلاقة بين “كارلا” و”الرميان”، نقلت الصحيفة الأمريكية عن أشخاص يعرفون كلا منهما إن تلك العلاقة بلغت حد مشاهدتهما يتناولان الغداء سويًا، ويقضيان وقتا بمفردهما معًا على متن قارب في فعالية لليخوت في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وكشفت “وول ستريت جورنال” النقاب عن لقاء على متن أحد تلك اليخوت، المملوكة لـ”بن سلمان”، استضاف “الرميان” و”كارلا” سيدة الأعمال البريطانية “أماندا ستافيلي”، لعشاء خاص، وبعد ذلك بفترة وجيزة، بدأت “كارلا” في إبلاغ الناس عن دورها المتزايد كـ”مستشار” في صندوق الاستثمارات العامة.

وتستدل مصادر الصحيفة الأمريكية باستثمارات أجراها الصندوق بمليارات الدولارات وفق قليل من الانضباط والضوابط المؤسسية المعتادة لدى صناديق الاستثمار ذات الأحجام المماثلة، ومنها استثمار 45 مليار دولار في صندوق “فيجن فاند” التابع لـ”سوفت بنك”.

وفي بعض الأحيان، طلب مكتب “الرميان” من فرق الاستثمار في الصندوق مقابلة أشخاص، ولم تكن هذه الفرق تفهم طبيعة مشاركتهم في المحادثات، كما جرى في أوائل عام 2019، عندما لم يستطع المديرون تحديد سبب اجتماعهم بـ”كارلا” عند مجيئها إلى مكاتب الصندوق لعرض اتفاق “نيوكاسل يونايتد”، بحسب المصادر.

فـ “كارلا”، التي قضت سنوات في مجال الترفيه، لم تكن لديها خبرة تذكر في العمل المصرفي أو عقد الصفقات الرسمية، ولا يبدو أنها حصلت على شهادة جامعية، إذ أن التعليم الوحيد الذي تدرجه على صفحتها بشبكة “لينكد إن” هو شهادة في أسواق رأس المال الخاصة، وهي دورة جامعية مدتها 3 أيام.

وخلال المحادثات بشأن صفقة نيوكاسل، كانت “كارلا” واثقة وجذابة، كما يقول شخص قابلها آنذاك، لكنها دمت تفسيرات فاترة لشروط الصفقة، ولم تستطع الإجابة عن أسئلة المتابعة حول العوائد والتأثير، كما يؤكد المصدر ذاته.

ويقول اثنان من المشاركين في محادثات صفقة “نيوكاسل”، أوائل العام الماضي، إنهما ليس لديهما أي فكرة عن كيفية وصول “كارلا” إلى مسؤولي الصندوق، وإن بعض المحللين الماليين السعوديين كانوا في حيرة ويتساءلون: ماذا كانت تفعل هناك؟

أخبرتهم “كارلا” آنذاك أن مالك نيوكاسل يونايتد يريد البيع، وأنها هي وسيدة الأعمال الأمريكية “ستافيلي” تريدان إبرام الصفقة للمملكة، وأن كليهما ستلعبان دورًا في إدارة العمل مقابل أتعاب والحصول على جزء من الأسهم.

الجدير ذكره، أن صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية كشفت النقاب عن أن صندوق الاستثمارات العامة التابع للمملكة – ويخضع تحت سيادة ولى العهد محمد بن سلمان – أنفق مليارات الدولارات خارج البلاد التي تشهد أزمة اقتصادية طاحنة جراء أزمتي انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا.

وذكرت الصحيفة، في تقريرها، أنه وبالرغم من المعاناة الاقتصادية، وفرض المملكة إجراءات تقشفية على شعبها، أنفق صندوق الاستثمارات العامة منذ بداية عام 2020 فقط 325 مليار دولار على صفقات خارجية.

واستدلت بتصريحات ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة، في شهر أبريل/نيسان المنصرم خلال ضم عدد من المصرفيين والمستثمرين عن استغلال أزمة كورونا في تنفيذ استثمارات.

وقال الرميان وقتها: “لن نضيع استغلال أي أزمة.. إن فرصاً استثمارية عديدة ستنشأ عند انقضاء أزمة فيروس كورونا.. هناك اقتصادات ستعمل، وسنرى كثيرا من الفرص”.

ورأت الصحيفة أن تصريحات “الرميان” لم تكن مجرد كلام، فلم يتردد الصندوق من أي فرصة استثمارية منذ أن وقعت تحت سيطرة “محمد بن سلمان”، وتريد أن تكون المستثمر الأكثر تأثيرا وأكبر صندوق سيادي.

وأوضحت أنه في الوقت الذي أضعف فيه فيروس كورونا الاقتصاد حول العالم، زاد صندوق الاستثمار السعودي من العجلة كي تصبح أنشط صندوق سيادي، وسط فزع عالمي بسبب الوباء.

وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد ثلاثة أيام من حديث “الرميان”، أعلنت السجلات المنظمة في أميركا عن أكبر مراهنة سعودية على شركات تأثرت بالأزمة العالمية، حيث استحوذت بسرعة على 5.7% أو 500 مليون دولار من شركة الترفيه الأمريكية “لايف نيشن”.

وقبل ذلك بأسبوع اشترت 7.3 من شركة السياحة البحرية “كارنيفال” بشكل جعلها المساهم الثاني الأكبر شركة النقل البحري الكبرى. واستثمر الصندوق في حوالي 20 شركة معروفة في الولايات المتحدة وأوروبا مثل “بي بي” البريطانية و”رويال داتش” الهولندية و”توتال” و”بيونج” و”سيتي جروب” و”ديزني” و”فيسبوك” حيث استحوذت على حصة صغيرة بلغت قيمتها في الأشهر الثلاث الأولى من العام 7.7 مليار دولار.

وهذه هي فقط الاستثمارات التي تم الإعلان عنها، ففي إطار منفصل قاد الصندوق مجموعة استثمارية لشراء نادي “نيوكاسل يونايتد” بـ 300 مليون جنيه استرليني.

لكن الأهم في ذلك، النتيجة، فنقلت الصحيفة عن مصرفي بارز يعمل في لندن قوله: “إنهم منخرطون مع المستثمرين ويحصلون على فرص واحتياجات رأسمالية كبيرة تعطيهم منفذا إلى الأعمال”

وتساءل المصرفي: هل هذا تعجل أم أمر جيد؟ لن نعرف إلا بعد 3 أعوام.

وبحسب الصحيفة فإن صندوق الاستثمارات العامة يقول إنه يقوم بالبحث عن الفرص للاستثمار في الشركات القوية وبنظرة طويلة الأمد لكي تصبح قائدة في المجال عندما تعود النشاطات الاقتصادية إلى مستواها قبل الوباء.

غير أن هذه الفورة في النشاط والمشتريات وابرام الصفقات الخارجية أدت إلى مزيد من التدقيق في هذا المستثمر الدولي الناشئ.

وأصبح الصندوق في مقدمة جهود “بن سلمان” لتخفيف اعتماد المملكة على النفط، لكن ذلك جعله محلا للخلاف، فعلاقتها بولي العهد يعني أنها ستظل ملطخة بجريمة قتل الصحفي “جمال خاشقجي” عام 2018، ودخل الأزمة بسجل استثماري متباين.

وقال منتقدون إن الصندوق أصبح أداة شخصية بيد “بن سلمان”، دولة داخل دولة، والتي تهدد بمزاحمة القطاع الخاص في المملكة -في محاولتها البحث عن مشاريع بمليارات الدولارات والمهددة بالفشل- حتى لو راهنت على استثمارات في الخارج.

وتساءل البعض عن جدوى “إسراف” المال في استثمارات خارجية والبلد يواجه أسوأ أزمة اقتصادية لم تمر عليه منذ عقود، فهل هذه استثمارات انتهازية أم استراتيجية؟ ولماذا الاستثمار في شركات النفط مع أنها مفوضة لتنويع الاقتصاد؟ وهل عليها تقديم الأولوية في الاستثمار بالسوق المحلي الذي يكافح من أجل البقاء؟.

وقال “جون سفاكانكس”، الخبير في شؤون الخليج بجامعة كامبريدج: هناك انفصام بين الوضع المالي المحلي المتردي والاستثمارات الخارجية المستمرة.

وأضاف أن هذا “يعقد التعافي الاقتصادي بسبب المصادر المالية المحدودة”.

وتواجه المملكة بسبب أزمة فيروس كورونا وانهيار أزمة النفط، أزمة مزدوجة، ولهذا خفضت رواتب الموظفين وزادت من ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أضعاف.

ورغم بقاء المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم ولديها احتياطي من الأرصدة الأجنبية بـ 470 مليار دولار، إلا أنها بحاجة لتوفير الكم الأكبر منها من أجل الحفاظ على قيمة الريال مقابل الدولار.

وقال مصرفي خليجي بارز “يجب على بن سلمان أن يكون حذرا في الإنفاق، فالمواطن العادي يراقبه ولن يرضى دفع رواتب لاعبي الكرة من أصحاب الملايين من أموال ضريبة القيمة المضافة على السلع”.

وقال محلل مقرب من البلاط الملكي السعودي، إن هيئة الاستثمار العام لم تنجح بجذب سفن سياحية إلى البحر الأحمر، حيث يقوم الصندوق بتمويل مدينة نيوم بـ 500 مليار دولار، وفكرت بإنشاء شركة للنقل السياحي ولكنها تخلت عنها بسبب الكلفة”.

وتثير تلك الأرقام الحيرة فمع تعرض السعوديين لضغوطات مستمرة للتنازل عن مزايا الرفاهية من أجل الصالح العام للمملكة، يتساءل المرء ما إذا كان أفراد المجتمع، أو مجلس آل سعود، قد يبدأون في طلب تحجيم ميزانية “بن سلمان” التي لا يرى لها سقف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى