أخبار

تقلص نفوذ الشرعية في اليمن يكرس فشل تحالف آل سعود

ادعى نظام آل سعود في إطلاقه حربا على اليمن قبل أكثر من خمسة أعوام أن هدفه الرئيسي تمكين السلطة الشرعية في البلاد من السيطرة على كامل الأراضي اليمنية، لكن معطيات الواقع تظهر فشلا ذريعا.

وبعدما بدا أن العاصمة صنعاء هي الهدف التالي للحكومة اليمنية والتحالف السعودي الداعم لها، الذي ادّعى تحرير 85 في المائة من أراضي اليمن، انقلبت عجلة الشرعية وتقلّص نفوذها عقب سيطرة الحوثيين على محافظة الجوف الاستراتيجية شمالي البلاد، ما جعلها ترمي بكل أوراقها في سبيل استمرار السيطرة على مدينة مأرب، آخر معاقلها الفعلية شرقي صنعاء.

وقبل أيام من حلول الذكرى الخامسة لـ”عاصفة الحزم” التي أطلقها نظام آل سعود في 26 مارس/آذار 2015، شهدت خارطة السيطرة والنفوذ المتأرجحة بين طرفي الصراع، تحولاً جذرياً لصالح الحوثيين، إثر اعتمادهم وضعية الهجوم، بعد أن ظلّوا في موقع الدفاع في السنوات الخمس الماضية. ومنذ مطلع العام الحالي، خسرت الشرعية مواقع استراتيجية شرقي صنعاء وصولاً إلى الجوف وتخوم مأرب، وانتزع الحوثيون كامل مديرية نهم، وواصلوا توغلهم صوب عاصمة محافظة الجوف المحاذية للحدود السعودية، فضلاً عن التوغل مجدداً غربي مأرب.

وكان تحالف آل سعود ظلّ يفاخر بشكل شبه يومي، بأن عملياته أثمرت عن تحرير 85 في المائة من مساحة اليمن، رغم أن الرقم غير منطقي خصوصاً أن العاصمة صنعاء وأهم مواقع البلد وكثيرا من المواقع الهامة وذات الكثافة السكانية مثل الحديدة وإب تحت قبضة الحوثيين، إلا أن الإنجاز السعودي المشكوك به بدأ بالانحسار تدريجياً، وسط مخاوف من هجوم حوثي محتمل على مدينتي مأرب وتعز.

وباستثناء عملية تحرير عدن ومحافظات أبين ولحج والضالع وشبوة وأجزاء من مأرب والجوف وتعز وباب المندب في العام الأول من الحرب، لم تشهد خارطة السيطرة والنفوذ تغييراً جذرياً خلال الأعوام التي تلتها قبل الفترة الأخيرة، فقد كان الكر والفر هو العنوان البارز لمعارك تحولت تدريجيا إلى أشبه بمناوشات.

ويضم اليمن، المقدرة مساحته بـ527 ألف كيلومتر مربّع، 22 محافظة، إلا أن المحافظات الشرقية، خصوصاً حضرموت، والمهرة، وسقطرى، لم يصل إليها الحوثيون بشكل مطلق عند اجتياح المدن اليمنية.

وكانت الشرعية أعلنت في فبراير/شباط 2015، أن عدن هي العاصمة المؤقتة للبلاد جراء سيطرة الحوثيين على صنعاء، إلا أن مدينة مأرب تعد العاصمة الفعلية للحكومة اليمنية، بفعل احتضانها مقرّ وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان والكليات العسكرية وفيها تتمركز أكبر الألوية وأكثر العتاد.

وإلى جانب مأرب، تبسط القوات الحكومية سيطرتها على محافظات شبوة والمهرة وحضرموت وأرخبيل سقطرى، كما تنتشر في عدد من مديريات محافظة أبين.

وتسيطر الشرعية على المساحة الأكبر من محافظة تعز، فإضافة إلى عاصمة المدينة بمديرياتها الثلاث القاهرة، والمظفر، وصالة، تنتشر القوات الحكومية في مديريات صبر الموادم والمسراخ ومشرعة وحدنان والمعافر والمواسط والشمايتين، إضافة إلى أجزاء من مديريات الصلو وجبل حبشي ومقبنة.

كما تسيطر الشرعية على عدد من المديريات في محافظة حجة، شمالي غرب البلاد، وهي ميدي وحيران وأجزاء من حرض، بالإضافة إلى مديريات من محافظة البيضاء، وسط البلاد.

وعلى الرغم من صغر رقعة نفوذها على الخارطة مقارنة بمناطق الشرعية، إلا أن جماعة الحوثي تسيطر على المناطق الأهم والأكثر كثافة سكانية داخل اليمن، وأبرزها صنعاء ومدينة الحديدة التي تضم ميناءين دوليين.

ولم يتغير الحال عما كان عليه مطلع الحرب في غالبية المحافظات الخاضعة لسيطرة حوثية مطلقة، وأبرزها صنعاء وعمران وذمار وإب والبيضاء والمحويت وريمة ومركز محافظة الحديدة وغالبية مديرياتها، وحجة، باستثناء مديريتين، وعدد من المديريات التابعة لمحافظة تعز.

ومنذ نحو عام، عاود الحوثيون الهجوم في أكثر من محافظة كانت القوات الحكومية قد توغلت بداخلها، ففي معاقلهم الرئيسية بصعدة، استعاد مسلحو الجماعة في أغسطس/آب الماضي المناطق المتاخمة للحدود السعودية في البقع وكتاف شمالي البلاد.

وفي أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، باتت محافظة صنعاء تحت سيطرتهم بشكل كامل بعد استعادة السيطرة على كامل مديرية نهم شرقي العاصمة، كما توغلوا صوب محافظة الجوف وسيطروا على غالبية المناطق بما فيها مركز المحافظة، مدينة الحزم.

وحتى الربع الأخير من العام الماضي، كانت القوات الموالية للشرعية تسيطر على بعض المربعات ـ المعسكرات في العاصمة المؤقتة عدن، لكنها خسرتها بعد ما عُرف بـ”انقلاب أغسطس” الذي قامت به قوات المجلس الانفصالي الجنوبي المدعوم من الإمارات.

وعلى الرغم من أن القوات الموالية للإمارات تقدّم نفسها بأنها موالية للشرعية في الظاهر، إلا أن الحكومة لا تستطيع تنفيذ أي تحركات سلسة بداخلها، كما تُمنع الفعاليات والمناسبات التي تتحدث عن اليمن أو ترفع العلم اليمني داخلها، خصوصاً الخاضعة لسيطرة المجلس الجنوبي.

وباتت محافظتا عدن ولحج وغالبية مديريات محافظتي الضالع وأبين، تحت سيطرة القوات الانفصالية الجنوبية بشكل كامل منذ أغسطس 2019 وحتى الآن، تحديداً مع فشل اتفاق الرياض الذي رعته المملكة، والذي نصّ على المشاركة في تقاسم النفوذ داخل المحافظات الجنوبية.

ولأن الإمارات تدعم أكثر من فصيل مسلح، فإن نفوذ قواتها يمتد أيضا إلى الساحل الغربي مع سيطرة قوات طارق صالح، نجل شقيق الرئيس اليمني السابق، المعروفة بـ”المقاومة الوطنية”، على مديريات المخا وذوباب وباب المندب، وجميعها تابعة جغرافياً لمحافظة تعز. كما تسيطر هذه القوات ومعها ألوية العمالقة وقوات الدعم والإسناد الجنوبية، وجميعها مدعومة إماراتياً، على مديريات ساحلية بالحديدة، هي التحيتا والخوخة، وأجزاء من مديرية الدريهمي، وصولاً إلى شارع صنعاء داخل مدينة الحديدة، غربي البلاد.

وفي حضرموت، تسيطر قوات “النخبة الحضرمية”، المدعومة إماراتياً على مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت بالكامل، فيما تسيطر القوات الموالية للشرعية على باقي المديريات.

ومنذ أواخر العام الماضي، وبعد انسحاب القوات الإماراتية من عدن، بات معسكر قوات التحالف العربي في البريقة تحت سيطرة قوات سعودية خالصة، فضلاً عن قصر معاشيق الرئاسي في مدينة كريتر. وفي محافظة المهرة، شرقي البلاد، أحكمت قوات سعودية سيطرتها على منفذ شحن الحدودي مع سلطنة عمان، عقب اشتباكات مع رجال القبائل.

أما أبرز مناطق الاشتباك فهي الجوف، إذ إنه بعد السيطرة على مدينة الحزم عاصمة المحافظة أواخر فبراير الماضي، أحكم الحوثيون على 9 مديريات في الجوف، فيما لم يتبق تحت قبضة الشرعية سوى مديريتي خب والشعف. ومن المتوقع أن تكون هاتان المديريتان مسرحاً للمعارك خلال الأيام المقبلة إذا ما أراد الحوثيون السيطرة على كامل الجوف، أو قد تعود المعارك إلى مدينة الحزم عاصمة الجوف في حال قررت القوات الحكومية استعادتها. وتتجه الأنظار إلى محافظة مأرب النفطية، شرقي البلاد، باعتبارها مسرح المواجهة المقبلة بين الشرعية والحوثيين الذين ينظرون إليها كهدف أساسي بعد الجوف، إذ إنه منذ أكثر من عامين، لا تزال مديرية صرواح جنوبي غرب المحافظة، منطقة اشتباك بين الطرفين رغم سيطرة الحوثيين على غالبية مناطقها.

كما أعلن الحوثيون التوغل في مديرية مجزر، غربي مأرب، ومنذ الأعوام السابقة، ما زالوا يسيطرون على مديرية بدبده، أي أن 3 من مديريات مأرب الـ12 هي مسرح الاشتباك بين الطرفين.

في المقابل، فإن المناطق الشمالية من مديرية قطعبة شمال محافظة الضالع، تشهد معارك ضارية بشكل يومي بين الحوثيين والقوات الجنوبية المشتركة، وغالبيتها موالية للإمارات، مع مواصلة مسلّحي الحوثي هجماتهم على مناطق الفاخر وجب وبتار، إضافة إلى سيطرتهم الفعلية على مديريات دمت والحُشا وجُبن، شمال الضالع.

أما في الحديدة، فإنه رغم الهدنة الأممية الهشة منذ اتفاق استوكهولم منتصف ديسمبر/كانون الأول 2018، إلا أن مديريات جنوب الحديدة، وأبرزها الدريهمي والتحيتا وحيس، تشهد خروقات متواصلة أشبه بالمعارك.

وتتبادل القوات المشتركة والحوثيون الاتهامات بشأن الخروق ويرصد كل طرف بشكل يومي نحو 200 خرق تشمل رصدا لعمليات عسكرية تستخدم فيها القذائف والدبابات والمدافع المختلفة والطائرات من دون طيار.

ويُلاحظ أنه على الرغم من مشاركة الحكومة والحوثيين لمحافظات رئيسية مثل تعز والبيضاء وحجة وتفصلهما مناطق تماس قريبة، إلا أن غالبية الجبهات فيها باتت خاملة بشكل شبه تام، مع تمركز كل طرف خلف تحصيناته، وتقتصر المواجهات بينهما على مناوشات بالأسلحة الخفيفة من دون أي تقدم على الأرض.

في هذه الأثناء تعيش محافظة الجوف، شمال شرق اليمن، في وضع مأساوي نتيجة اشتداد المعارك في أغلب مناطقها منذ أسابيع، والتي تسببت في تفاقم الأزمة الإنسانية، وخلقت أزمة غذائية حادة نتيجة إغلاق الطرقات والممرات المؤدية إلى المحافظة.

ويبدي كثير من السكان حيرتهم مما يدور في هذه المنطقة اليمنية التي لم تتوقف فيها المعارك منذ بداية الحرب التي اشتعلت في 2015، إذ تختلف طبيعة الصراع الدائر فيها عن بقية المحافظات، مع تداخل الأطماع الاقتصادية لمختلف أطراف الحرب، وما تشكله المحافظة المحاذية للربع الخالي من أهمية كبيرة للسعودية التي تشن مع الإمارات حربا ضد الحوثيين منذ 5 سنوات.

وتسبب القتال الدائر في الجوف في موجة كبيرة من النزوح من المحافظة التي تعاني أصلا من الإهمال التنموي الشديد منذ عقود، بالإضافة إلى تدمير واسع النطاق للبنية التحتية الخدمية بها.

وتم عزل الجوف مؤخراً بعد قطع الاتصالات عنها، إلى جانب محدودية برامج الإغاثة المحلية والدولية التي تستهدف مواطنيها المتضررين من الحرب، وقطع الطرق الآمنة التي تشكل الشريان الحيوي لنقل البضائع والسلع إليها، وتوريد منتجاتها الزراعية إلى بقية المناطق اليمنية.

وقد أصاب الشلل التام أصاب الحركة التجارية ومختلف الأعمال في المدينة، وإغلاق أغلب المنافذ والخطوط التجارية التي تربط المحافظة ببقية المحافظات والمناطق الأخرى، ومنها الخط الرئيسي القادم من منطقة الوديعة على الحدود السعودية، وتحويله باتجاه “مأرب – البيضاء – ذمار”.

وتستعر الحرب في هذه المحافظة بسبب مركزها الاستراتيجي وموقعها الجغرافي المحاذي للربع الخالي، إذ عملت السعودية جاهدة على منع الحكومة اليمنية من إجراء أي أعمال استكشاف وتنقيب في الجوف، بخلاف بقية محافظات اليمن الشرقية، ضمن نطاق القطاع 18 النفطي التابع لشركة صافر الحكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى