فضائح السعودية

حقائق عن الإصلاح الشكلي لوضع المرأة في المملكة

يسعى نظم آل سعود إلى تبييض صورته الملطخة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان عبر ادعاء إصلاحات شكلية لوضع المراة وحقوقها في المملكة.
صدر مؤخراً مرسوم ملكي سُمح بموجبه للنساء البالغات من العمر 21 عاماً وما فوق بتقديم طلبات للحصول على جوازات سفر والسفر خارج السعودية بدون الحاجة إلى ولي.
جاءت هذه الخطوة بعد عام تقريباً على السماح للنساء بقيادة السيارة في السعودية. في خطوة ثانية ولو متأخرة كثيراً، نحو السعي لتكريس بعض من حقوق النساء في السعودية،
لا يمكننا سوى النظر إلى خلفياتها وأوجه القصور المحيطة بها، والتي لا تزال تحول دون تحقيق كامل للمساواة، وتالياً، الاحتفاء به كإنجاز.
في حيثيات القرار، فإنه لا يزال قاصراً عن منح النساء الحق بالشعور بالحرية الشخصية والكرامة الإنسانية.
تماماً كما في موضوع إقرار حق النساء بقيادة السيارة. لا يزال موضوع سفر النساء خاضعاً لمفهوم ولاية الرجال على النساء، حتى بعد إقراره،
إذ يمكن، بحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية، أن يمنع الرجل سفر بناته أو زوجته إذا تقدم للمحكمة بسبب يبرر هذا المنع، من مثل الخشية عليهن.
الإصلاح شكلي إذاً، ولم يتطرق إلى الأسباب الهيكلية وتلك الجذرية التي تميّز بحق النساء وتضعهن في مراتب ودرجات مواطنة ثانية، أو حتى في مصاف “الأطفال” الذين يحتاجون إلى هذا النوع من الوصاية والولاية.
ولتأكيد شكلية القرار، فإنه لوجستياً، بحسب “هيومن رايتس ووتش”، لا تزال المواقع الإلكترونية الرسمية مثل موقع “أبشر” مثلاً، غير محدّثة، ولم يصبح بإمكان النساء بعد التقدم بتجديد طلبات الحصول على جوازات سفر عبرها. وفي قراءة لخلفية هذا القرار، وإلحاقه بنظرائه من قرارات منح الحق بقيادة السيارة، أو بقانون مكافحة التحرش الجنسي، وربطاً بكون الناشطات السعوديات اللواتي ناضلن لانتزاع هذه الحقوق لا يزلن خلف القضبان، فإنه من المشروع التساؤل ما إذا كانت السعودية مُكملة في سياق استغلال قضايا وحقوق النساء كورقة مساومة أو كسياسة تأمين في سياق مصالحها مع حلفائها في الغرب، لا سيما حيال أنظار الرأي العام العالمي التي باتت تتجه نحو المملكة بعد هروب العديد من النساء والشابات، وبسبب الممارسات القمعية في سجن وتعذيب النساء اللواتي نشطن أو كم الأفواه وحتى ارتكاب المجازر بحق كل من يخالفونها الرأي.
وفي نفس السياق الاستغلالي لحقوق النساء، يسعى نظم آل سعود إلى تبييض صورته خارجياً، كما داخلياً (في أوساط الفئة الشبابية) عبر تحييد الانتباه عن قضايا استغلال حقوق الإنسان والنساء، ودعوة الفرق الموسيقية الدولية ومن ضمنها المطربات الدوليات النسويات، لإحياء المهرجانات، من مثل ماريا كاري في مطلع هذا العام، ونيكي ميناج مؤخراً. صدرت العديد من التقارير التي تساءلت حول الأسباب التي منعت المطربة ماريا كاري، والتي تدّعي دعم ومناصرة النساء، من تقديم أي تصريح أو دعوة لتحرير الناشطات المسجونات، الأمر الذي قامت به نيكي ميناج حين اعتذرت عن إحياء حفلة مؤخراً لتسجيل موقف عن رفضها سياسات المملكة التي تنتهك حقوق النساء.
وتنص التعديلات بشأن سفر النساء على أن جواز السفر السعودي يصدر لأي مواطن يتقدم بطلب لاستخراجه وأن أي شخص يتجاوز عمره 21 عاما يمكنه السفر دون إذن.
ومنحت التعديلات النساء للمرة الأولى حق تسجيل المواليد والزواج والطلاق واستخراج الوثائق الأسرية الرسمية وأهلية الوصاية على الأطفال القصر.
وألغت التعديلات نصا قانونيا بأن يكون “محل إقامة المرأة المتزوجة هو محل إقامة زوجها”، كما كان معمول به سابقًا.
ونقلت وكالة الأنباء الرسميية عن مصدر مسؤول بوزارة الداخلية قوله “باشرت إدارات الجوازات والأحوال المدنية وفروعها في مناطق المملكة كافة العمل بالتعديلات التي نص عليها الأمر السامي الكريم”.
ذكرت صحيفة سعودية أن أكثر من ألف امرأة في المنطقة الشرقية غادرن السعودية أمس الاثنين دون إذن من أولياء أمورهن فيما بدا أنه تطبيق مبكر للقواعد الجديدة.
وتأتي هذه التعديلات لتغيير شروط الولاية بعد عمليات تدقيق دولي؛ وانتقادات حقوقية إثر هروب مجموعة من الشابات السعوديات وطلبهن اللجوء، اعتراضا على قوانين المملكة وعاداتها التي جعلتهن “مواطنين من الدرجة الثانية، وتحرمهن من الحقوق الإنسانية والاجتماعية الأساسية وتتيح الإساءة إليهن” وفق جماعات حقوقية.
قلصت السلطات تدريجيا هذه القيود خلال السنوات القليلة الماضية، وكان من بين الإجراءات إلغاء الحظر على قيادة المرأة للسيارات العام الماضي.
وذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها عام 2017، أنه “على مدار عام تقريباً نظمت النساء بالمملكة حملات لإلغاء نظام ولي الأمر، حيث أعددن هاشتاغات على (تويتر) ظلت رائجة لشهور، وكتبن مقالات تنتقد مختلف جوانب نظام ولاية الأمر، ونشرن شهادات شخصية مُسجلة بالفيديو حول آثار ولاية الأمر على حياتهن، كما أعددن ووزعن أعمالاً فنية حول الموضوع”.
وأضافت: إنه “في سبتمبر 2016 أعدّت نساء سعوديات وسلمن عريضة وقع عليها أكثر من 14 ألف شخص تطالب الملك بإلغاء نظام ولاية الأمر”.
لكن الذي حصل أنّ الكثير من الناشطات السعوديات اعتقلن من قبل السلطات، وبعضهن لم تنته محاكماتهن حتى الآن، حيث كن يطالبن بإلغاء قانون الولاية، كما أنّهن يحاكمن بتهم عديدة منها التحدث إلى الصحافة الأجنبية، والتراسل مع منظمات حقوقية دولية.
وفي منتصف مارس الماضي، بدأت محاكمة ناشطات مدافعات عن حقوق المرأة للمرة الأولى في تاريخ المملكة.
وتحدث النائب العام بالمملكة، العام الماضي، عن أن الناشطات اعتُقلن للاشتباه في إضرارهن بمصالح المملكة وتقديم الدعم لعناصر معادية في الخارج.
تلك الاعتقالات، وحديث الناشطات عن تعرضهن للتعذيب بشكل مهين للغاية، بحسب العفو الدولية، أدت لتصاعد الانتقادات من قبل الدول الغربية والمنظمات الحقوقية تجاه المملكة وسياسة ولي عهدها الذي يدفعها نحو التغيير الجذري اجتماعياً ودينياً في غياب كامل لأي إصلاحات سياسية ترقى بالبلاد.
ومع كل قانون جديد تمرره الرياض ينقسم المجتمع السعودي بين مرحب وساخط، فتسييس الدين والعزلة التي عاشها الشعب على مدار عقود، دفع بالتغيير الجذري وغير المنضبط فيها إلى حالة من الصدمة والاستغراب، مع وجود قبول وترحيب من جهات فيه.
فقد استندت القوانين السابقة على فتاوى دينية لرجال مقربين من السلطة ويقاسمونها الحكم، حيث إنّ المملكة بنت دستورها في الأساس على شرعية مشتركة بين آل سعود في قمة السلطة السياسية وآل الشيخ في قمتها الدينية.
وفي إطار ذلك يواجه المجتمع السعودي اليوم حالة من التشتت بين الفتاوى التي كانت تحرم مثلاً قيادة المرأة للسيارة، ثم أصبحت جائزة بين ليلة وضحاها بقرار سياسي أتبعه تغليف ديني “مشوه”، وكذلك الأمر اليوم بما يخص قانون الولاية، بحسب مراقبين.
وتسبب إسقاط قانون الولاية بجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بين الرفض الشديد والقبول، فقد قال أحد المغردين السعوديين: “يشتكون ويحذرون من هروب الفتيات الى الخارج، رهف القنون وغيرها. ثم يسهلون عملية هروبها بإسقاط الولاية”.
في حين قالت إحدى المغردات: “الولاية من شرع الله ومن التزم فيها من النساء ابتعدت عن فتن الدنيا ونالت رضا أهلها”، بحسب تعبيرها.
وعلى مدار العامين الماضيين كانت حالات هروب الفتيات السعوديات وطلبهن للجوء تتصدر الصحف والمجلات والمواقع العالمية وتقارير المنظمات الإنسانية عن كيفية “حرمانهن من حقوقهن في التنقل والاختيار”، وفق وصفهن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى