أخبار

معهد أمريكي: الانخراط مع السعوديين لا يتطلب من بايدن التخلي عن حقوق الإنسان

أكد معهد واشنطن في الشرق الأدنى أن إعادة العلاقات الأمريكية مع المملكة العربية السعودية لا يتطلب من الرئيس جو بايدن التخلي عن حقوق الإنسان.

واعتبر المركز في مقال تحليلي، أنه سيظل الرئيس الأمريكي قادراً على وضع حدود مع الرياض – بينما يعالج أيضاً قضايا رئيسية أخرى مثل الأمن القومي، وارتفاع تكاليف الطاقة، والتطبيع مع إسرائيل.

وجاء في التحليل: يواجه الرؤساء الأمريكيون صعوبة في كيفية تحقيق التوازن بين المصالح والقيم في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

وعلى الصعيد الدولي، لطالما دافعت واشنطن عن المبادئ الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان. ومع ذلك، لطالما حافظت أيضاً على علاقات وثيقة مع الدول التي كانت غير ديمقراطية وتنتهك حقوق الإنسان. يتعين على الرؤساء الأمريكيين اتخاذ الخيارات وتحديد الأولويات – وهذه الخيارات، تبدو في كثير من الأحيان، وكأنها تدل على تقديم المصالح على القيم.

ولن يشكّ أحدٌ فيما إذا كان [الرئيس الأمريكي السابق] جيمي كارتر قد جعل حقوق الإنسان محور سياسته الخارجية. إلا أنه حافظَ على دعمه القوي لعددٍ من البلدان التي لم تكن سجلاتها ممتازة في مجال حقوق الإنسان، ومن بينها مصر والمملكة العربية السعودية.

وفيما يتعلق بمصر، كان السلام مع إسرائيل أولويته لأسباب مفهومة. وبالنسبة للسعوديين، كان الأمر يتعلق بالنفط – خاصة، بالنظر إلى ذكرى حظر تصدير النفط عام 1973، وخوفه من آخر، وكذلك خطوط الغاز التي برزت مع اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية عام 1980.

ويخطط الرئيس بايدن حالياً لزيارة المملكة العربية السعودية عندما يسافر إلى الشرق الأوسط في الشهر المقبل. وتُثير زيارته الانتقادات.

فمنتقدوه يرون أنه يتسامح مع السعوديين ويرُدّ الاعتبار لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، دون المحاسبة على عملية القتل الشنيعة التي ارتُكبت بِحقّ الصحفي جمال خاشقجي. وكانت تلك جريمة مروّعة. ولم يكن ينبغي  للرئيس ترامب أن يتجاهلها بتلك الطريقة التي اعتمدها، بل كان بوسعه أن يفرض ثمناً دون قطع العلاقات.

ومع ذلك، يتصرف أولئك الذين ينتقدون الآن الزيارة المرتقَبة للرئيس بايدن كما لو أنه ليست هناك اعتبارات أخرى. لكنّ هذه الاعتبارات قائمة في الواقع.

ويشكّل الغزو الروسي لأوكرانيا حدثاً مزعزعاً على الصعيد الدولي. إن فرض تكلفة حتمية على روسيا يتطلب بذل كل ما في وسع الولايات المتحدة لحرمانها من عائدات النفط التي تساعد على دعم مجهودها الحربي – تلك الحرب التي يتصرف فيها فلاديمير بوتين كما لو كان قادراً على كسبها من خلال الاستنزاف والصمود أكثر من قابلية أوكرانيا على القيام بذلك.

لكنّ إخراج أكبر قدر ممكن من النفط الروسي من السوق يؤدي أيضاً إلى ارتفاع الأسعار ويتطلب التوسع في إنتاج النفط من أجل التعويض عن بعض الخسائر. والسعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تتمتع بقدرة احتياطية ملحوظة على إنتاج النفط.

وتُذكّرنا الحرب التي شنتها روسيا أنه لا يوجد شيءٍ يُدعى الاستقلال النفطي طالما أن هناك سوقاً واحداً للنفط/الطاقة في العالَم، ويؤدي اضطرابُه إلى تكبُّد الولايات المتحدة والدول الأخرى مستوياتٍ أعلى بكثير لسعر النفط. ويشكّل بلوغ سعر الغالون الواحد في الولايات المتحدة خمسة دولارات شهادةً على ذلك.

وصحيحٌ أن الاستقلال الفعلي سيتحقق عندما تحُلُّ مصادر الطاقة المتجددة محل الوقود الأحفوري، لكن الولايات المتحدة لن تبلغ هذا الواقع إلا بعد عقودٍ من الزمن، بينما قد يبقى استهلاك النفط في ذروته في السنوات القادمة المتراوحة من عشر إلى خمس عشرة سنة.

وتماماً كما فهمَ جيمي كارتر أن السعودية كانت مهمة للولايات المتحدة، كذلك يجب على واشنطن الآن أن تضع ذلك في الاعتبار أيضاً.

وبالطبع، هناك دول أخرى مُنتجة للنفط مثل إيران وفنزويلا اللتين يمكن إضافة نفطهما إلى السوق إذا رُفعت العقوبات المفروضة عليهما.

ولكن مثلما لا تريد واشنطن أن تدعم العدوان الذي تنفّذه روسيا عبر جعلها تستمر في الاستفادة من عائداتها النفطية، فإن  إيران وفنزويلا تخضعان للعقوبات لأسباب وجيهة، تشمل دعمهما للإرهاب والتهديدات التي تطرحانها على أنظمتهما الإقليمية.

والمملكة العربية السعودية ليست دولة ذات نزعة تحريفية تحاول قَلب الأنظمة الإقليمية والدولية. غير أن إيران وفنزويلا هما كذلك.

وفي حالة إيران، عندما تقوم الجمهورية الإسلامية وبشكل متزايد بإلغاء قدرة “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” على مراقبة برنامجها النووي، وقيامها بتركيب مجموعتين جديدتين من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وتخصيبها [اليورانيوم] إلى درجة قريبة من صنع الأسلحة النووية، وتقليل زمن تجاوزها العتبة النووية، فهذا ليس الوقت المناسب لمنحها إمكانية ضخ النقود من خلال السماح لنفطها بالعودة إلى السوق.

وعلى وجه التحديد بما أن الولايات المتحدة تخوض الآن منافسة ذات مدى أطول مع روسيا والصين، فهي تحتاج إلى توسيع تحالُف الدول التي ستعمل معها.

وبالطبع، تبدأ بالدول الديمقراطية الأخرى، لكنها بحاجة أيضاً إلى دولٍ ليست ذات نزعة تحريفية، مثل السعودية، لتشكّل جزءاً من التحالف.

فمواردها مهمة وليس من الحكمة إبعادها، لا سيما نظراً إلى ما هو على المحك في هذه المنافسة – أي سواء كان بإمكان واشنطن الحفاظ على نظام قائم على القواعد أو نجاح روسيا (بدعم ضمني من الصين) في إعادة تحديد المشهد الدولي على النحو التالي:

لا يُحرَّم التعدي على الحدود، واستخدام القوة لتغييرها هو أمرٌ مشروع؛

يمكن للدول الأكبر أن تفرض نفسها على الدول الأصغر، ولها الحق في التمتع بمجال نفوذ يسمح لها بإملاء كلٍ من السياسات الداخلية والخارجية الخاصة بالدول والشعوب داخلها؛

ويمكن النظر في استهداف المدنيين عن قصد بهدف الترهيب والإحباط والإخلاء من السكان.

إن الحيلولة دون أن تصبح هذه القواعد أساساً لنظام دولي جديد (أو اختلاله) هي مصلحة وقيمة في الوقت نفسه. وفي السياق ذاته، حين يتحدث الرئيس بايدن عن الذهاب إلى المملكة العربية السعودية، فإنه يتحدث عن تعزيز السلام. ومن الواضح أنه يريد تعزيز عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل.

ففي المناقشات التي أجريتُها للتو في المملكة، كان من الواضح جداً أن السعوديين يعتقدون أن العلاقات مع إسرائيل حتمية، وليس فقط بسبب مخاوفهم المشتركة من إيران، بل لأن السعوديين يريدون بناء اقتصاد مرِن وقائم على المعرفة، ورؤية إسرائيل كشريك طبيعي.

وستكون مثل هذه الشراكة مفيدة لأولئك الذين يريدون بناء شرقٍ أوسط فيه المزيد من الأمل. (يمكن أن يكون ذلك أيضاً جزءاً من خطة لكسر الجمود بين الإسرائيليين والفلسطينيين لأنه في كل خطوة علنية يتخذها السعوديون تجاه الإسرائيليين، يمكنهم أن يطلبوا من الإسرائيليين اتخاذ خطوة تجاه الفلسطينيين.)

وأيٌّ من ذلك لا يتطلب من واشنطن أن تتخلى عن اهتمامها بحقوق الإنسان.

يجب أن يعرف السعوديون ما الذي سيثير ردود فعل عامة من قبل الولايات المتحدة. على واشنطن أن تضع حدوداً في العلاقة وأن نُنشئ تفاهماً معهم “خالياً من المفاجآت”.

وتشير التحديات الدولية القائمة اليوم إلى وجود دور للولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية – وهو دور ينطوي على مصالح واشنطن وقيمها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى