أخبار

دراسة: ارتفاع الإنفاق يزيد من المخاطر المالية ويقلل من مصداقية الإصلاحات في السعودية

قالت دراسة بحثية نشرها معهد دول الخليج في واشنطن، إن ارتفاع الإنفاق يزيد من المخاطر المالية ويقلل من مصداقية الإصلاحات في السعودية في ظل فشل رؤية 2030 وتخبط استثماراتها.

وأشارت الدراسة إلى إصدار وزارة المالية السعودية البيان التمهيدي لميزانية عام 2024 وتقرير الأداء الاقتصادي والمالي نصف السنوي لعام 2023 في أواخر شهر سبتمبر/أيلول.

وأبرز ما جاء في البيان توقعات الحكومة بمواجهة عجز مالي (أي تجاوُز النفقات للإيرادات) بنسبة 2% من إجمالي الناتج المحلي (82 مليار ريال، أو ما يعادل حوالي 22 مليار دولار) في عام 2023 بعد توقعاتها بتحقيق فائض صغير قدره 0.4% من إجمالي الناتج المحلي في بيان ميزانية 2023 الصادر في ديسمبر/كانون الأول عام 2022.

وهذا يعني أن فائض الميزانية المسجل في عام 2022 – وهو الأول الذي يتم تسجيله في السعودية منذ عام 2023 – يبدو كأنه لن يتكرر.

ومن المتوقع أن تتجاوز الإيرادات والنفقات التوقعات المحددة في ميزانية عام 2023. وتحقق الإيرادات ارتفاعًا بفضل الأداء القوي للاقتصاد المحلي. الذي يوفر إيرادات ضريبية أعلى، وبفضل توزيعات الأرباح الإضافية “المرتبطة بأداء” شركة أرامكو السعودية، والتي يذهب معظمها إلى خزينة الحكومة.

ومع ذلك، فإن الارتفاع الكبير في الإنفاق سيتخطى ارتفاع الإيرادات. عندما أصدرت السعودية بيانها التمهيدي لميزانية عام 2023، كانت تتوقع إنفاق 1.1 تريليون ريال (حوالي 293 مليار دولار) في عام 2023، لكنها الآن تتوقع إنفاق 1.26 تريليون ريال (حوالي 336 مليار دولار)، ما يمثل زيادة بنسبة 13%.

وتتمثل المجالات الرئيسية التي من المتوقع أن يتجاوز فيها الإنفاق الميزانية المحددة: المشاريع الاستثمارية الحكومية، وبرامج الرعاية الصحية والاجتماعية التي تشمل برنامج “حساب المواطن” وغيرها من البرامج الاجتماعية التي تحصل على تمويل إضافي، وفئة “البنود العامة” المبهمة التي تمثل الصندوق الأسود للميزانية.

وتتوقع الحكومة أيضًا أن تشهد الميزانية عجزًا في الفترة من 2024 إلى 2026 بدلاً من تحقيق فائض، كما كان متوقعًا في السابق، ويُعزى ذلك إلى حد كبير إلى زيادة الإنفاق.

ويتوقف هذا العجز الضئيل على تطورات سوق النفط العالمية – حيث إن انخفاض عائدات النفط قد يؤدي إلى زيادة العجز، في حين أن ارتفاع عائدات النفط سيؤدي على الأرجح إلى تحقيق فائض – وكذلك على قدرة الحكومة على تقليل الفجوة بين الإنفاق والميزانية خلافًا لما حدث في العامين الماضيين.

وتتوقع السعودية أن تشهد الفترة بين 2024-2026 زيادة الإنفاق بنسبة 2.6 % فقط سنويًا في المتوسط، وهي رؤية متفائلة بالنظر إلى تجربة العامين الماضيين.

يُضاف ارتفاع الإنفاق المتوقع في ميزانية عام 2023 إلى ارتفاع أكبر بنسبة 22% في ميزانية عام 2022. وبشكل عام، من المتوقع أن يرتفع إنفاق الحكومة المركزية بنسبة 21% في عام 2023 أكثر مما كان عليه في عام 2021.

تلك الزيادة الكبيرة في الإنفاق في وقت ارتفاع أسعار النفط ليس أمرًا غير مألوف في السعودية، لكنه يجعل الميزانية أكثر عرضة للتقلبات في سوق النفط.

فإذا أدى ضعف النمو الاقتصادي العالمي، على سبيل المثال، إلى تقويض الطلب على النفط في عام 2024، فسوف تتأثر عائدات النفط سلبًا، مما سيؤدي إلى عجز أكبر بكثير من المتوقع، ما لم يتم خفض الإنفاق.

وينبغي وضع هذه المخاطر في الاعتبار الآن. تتمتع السعودية بوضع مالي قوي، ودين عام منخفض، وقدرة كبيرة على الاقتراض وأصول مالية ضخمة في القطاع العام.

ومع ذلك، فإن العجز المالي الذي استمر أغلب السنوات العشر الماضية أدى إلى انخفاض ودائع الحكومة لدى البنك المركزي، وهي مصدر رئيسي للتأمين ضد المخاطر المالية.

وتُظهر التجارب السابقة، كان آخرها في عامي 2014 و2020، أن الانخفاض الكبير في أسعار النفط سيؤدي إلى تدهور كبير وسريع في الميزان المالي، سيتعين تمويله عن طريق الاقتراض المحلي أو الدولي.

كما أصبحت فعالية الإصلاحات الأخيرة التي نفذتها السعودية لتعزيز الإدارة المالية موضع شك بسبب تطورات الإنفاق في عامي 2022 و2023.

وقالت الدراسة إن التحكم في الإنفاق الحكومي بشكل أفضل، وفصل الإنفاق عن تقلبات أسعار النفط، وتعزيز عملية الموازنة، تعد من الركائز الأساسية للإصلاحات المالية التي يتم تنفيذها في إطار برنامج الاستدامة المالية التابع لـ “رؤية 2030″، وبرنامج التوازن المالي السابق عليه.

وقد شهد عام 2021 تحولاً واضحًا في السلوك الإنفاقي، عندما تمت السيطرة على الإنفاق بشكل جيد، على الرغم من تعافي أسعار النفط بقوة مع الخروج من حالة التباطؤ الاقتصادي العالمي الناجم عن جائحة فيروس كورونا.

لكن في عامي 2022 و2023، تُرجمت الإيرادات النفطية القوية إلى زيادة كبيرة في الإنفاق الحكومي، وهو ما لا يتوافق مع الرغبة في فصل الإنفاق عن تقلبات إيرادات النفط.

إن زيادة إنفاق الحكومة المركزية وتوسع صندوق الاستثمارات العامة المستمر في الإنفاق يعني أن البصمة الاقتصادية المباشرة للقطاع العام السعودي تنمو مرة أخرى.

ومن الصعب الحصول على صورة واضحة لحجم إنفاق صندوق الاستثمارات العامة في الاقتصاد المحلي، لكنه وضع حدًا للإنفاق لا يقل عن 150 مليار ريال (40 مليار دولار) سنويًا.

وبافتراض تحقيق هذا الهدف، فإن إنفاق الحكومة المركزية وصندوق الاستثمارات العامة مجتمعَين سيبلغ حوالي 56% من الناتج المحلي الإجمالي للأنشطة غير النفطية في عام 2023، ورغم أن هذا أقل بكثير من معدلات الإنفاق (كحصة من الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية) في الفترة من 2011 إلى 2014، لكنه لا يزال يمثل تدخلاً كبيرًا في الاقتصاد.

إن الوضع المالي السعودي هو مصدر حسد من جانب العديد من الدول المثقلة بالديون وتواجه ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، إلا أن التطورات الأخيرة تثير المخاوف من عودة الحكومة إلى سياستها المالية السابقة المسايرة للتقلبات الدورية، والتي بموجبها تزداد وتيرة الإنفاق مع ارتفاع أسعار النفط.

وإن عدم الفصل بين إيرادات النفط والإنفاق الحكومي يعني أن المخاطر المالية آخذة في الارتفاع، رغم أنها لا تزال محدودة، وأن خطط الإنفاق الخاصة بالحكومة وصندوق الاستثمارات العامة معرضة للخطر في حالة انخفاض أسعار النفط.

كما أن استغلال فترة ارتفاع أسعار النفط الحالية لسداد الديون وإعادة بناء الودائع كان ليمنح الحكومة هوامش أمان مالي أكثر صلابة لحماية خططها للإنفاق في حالة حدوث تباطؤ اقتصادي عالمي.

وقد اقترح صندوق النقد الدولي استحداث قاعدة مالية تضع حدًا للارتفاع السنوي في الإنفاق الحكومي بشكل أكثر صرامة لإحكام السيطرة على مسايرته للتقلبات الدورية.

وفي حين أن مثل هذه القاعدة قد تواجه تحديات في التنفيذ، فإن الرسالة الأشمل هي أن هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود للسيطرة على الإنفاق الحكومي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى