متفرقات سعودية

إعدام الأطفال في السعودية: الوعود لا تنهي المأساة

نشرت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان تقريرا مطولا تفضح فيه استمرار السلطات السعودية في إعدام الأطفال على الرغم من تكرار الوعود بوقف هذا الإجراء التعسفي.

وفي الفترة من كانون الثاني/يناير 2016 إلى 31 تشرين الأول/أكتوبر 2021، أعدمت حكومة السعودية 12 شخصا أدينوا بجرائم وقعت عندما كانوا قاصرين.

وعلى الرغم من أن الحكومة قد وعدت في عدة مناسبات بإنهاء إعدام الأطفال، أولا بإصدار قانون جديد للأحداث في 2018، ومؤخرا من خلال التصريح في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في فبراير/شباط 2021 بأنها ألغت تماما ممارسة إعدام القاصرين، فقد انتهكت الحكومة مرارا وتكرارا هذه التعهدات.

وجاءت أحدث الانتهاكات في يونيو/حزيران 2021، عندما أعدمت الحكومة مصطفى الدرويش على جرائم سياسية زعم أنه ارتكبها عندما كان في السابعة عشرة من العمر.

كما أكدت الحكومة مؤخرا حكم الإعدام الصادر بحق عبد الله الحويطي، الذي حكم عليه بالإعدام بسبب جريمة زعم أنه ارتكبها عندما كان في الرابعة عشرة من العمر.  قبل أن تنقض المحكمة العليا الحكم في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وستعاد محاكمة عبد الله.

ووثق التقرير تاريخ السعودية الحديث بعقوبة الإعدام للقاصرين خلال عهد الملك سلمان. فهو يحدد أولا السياق الذي بدأت فيه إدارة الملك سلمان في إعدام القاصرين، ثم يدرس بإيجاز عدد الأطفال الذين أعدموا خلال فترة حكمه.

وسلط التقرير الضوء إلى الجهود الأخيرة نحو الإصلاح القانوني، وبين كيف أن القانون لا يزال يسمح بإعدام الأطفال على الرغم من الوعود السعودية بعكس ذلك. كما يحلل قضيتين: إحداها تعود إلى إعدام تم تنفيذه مؤخرا، وقضية أخرى لطفل يواجه عقوبة الإعدام.

تاريخ إعدام الأطفال

أكدت السعودية أن الأطفال مؤهلون للحصول على عقوبة الإعدام في ظل عدة حكومات.

وأشار تقرير أصدرته هيومن رايتس ووتش في 2008 إلى أن ثلاثة أشخاص على الأقل واجهوا عقوبة الإعدام في تهم يزعم أنهم ارتكبوها كقاصرين وفي 2013، أشعلت الحكومة السعودية عاصفة من الانتقادات الدولية عندما قطعت رأس شابة سريلانكية علنا بعد إدانتها بقتل رضيعة.

وكانت حكومة سريلانكا ادعت أن جواز سفرها قد تم تزويره، وأنها كانت قاصرة وقت وقوع الجريمة – في حين ادعت هي نفسها أن اعترافها قد تم إكراهها عليه.

وفي وقت لاحق من ذلك العام، أعدمت الحكومة سبعة شبان بتهمة السطو المسلح، وبدا أن إثنين على الأقل من هؤلاء كانوا قاصرين وقت وقوع الجريمة.

وهذه الحالات هي التي تمكنت المنظمة من مراقبتها على مدى السنوات العديدة الماضية؛ وفي غياب معلومات شفافة بشكل مناسب من الحكومة، يعتقد أن هناك إعدامات لقاصرين لم يتم توثيقها بعد.

بناء على المعلومات المعلنة حول الإعدامات، بدأت حكومة الملك سلمان إعدام الأطفال في عام 2016، بعد نحو عام من اعتلائه العرش.

في يناير/كانون الثاني، نفذت السعودية إعداما جماعيا ل 47 شخصا كان من بينهم 4 أشخاص يزعم أن جرائمهم تعود لعندما كانوا قاصرين ومنذ ذلك الوقت، قتلت الحكومة ثمانية أشخاص آخرين قاصرين على الأقل.

وكانت أغلبية الإعدامات مبنية على إدانات تتعلق بجرائم سياسية، وزعمت الحكومة السعودية أنها حصلت على اعترافات بأن القاصرين المذكورين قد ارتكبوا أعمال عنف سياسي.

فعلى سبيل المثال، أعدمت السعودية علي الربح في يناير/كانون الثاني 2016 بعد أن واجه تهما منها المشاركة في المظاهرات والمشاركة في مجموعات عبر تطبيقات الهاتف، وحضور محاضرات الشيخ نمر النمر.

وأضافت الحكومة إلى هذه التهم، تهمة حمل أسلحة وإلقاء قنابل المولوتوف، كي تبين أن التهم السياسية كانت جرائم عنف.

وفي كل قضية، تمكنت المنظمة من التحقق من أن هذه الاعترافات قد تم التراجع عنها، وأن الجناة المزعومين قالوا أثناء المحاكمة أمام القاضي بأنهم أدلوا باعترافاتهم هذه تحت التعذيب.

وفي عام 2018، أصدرت الحكومة قانونا جديدا للأحداث ألغى عقوبة الإعدام بحق القاصرين في جرائم معينة غير عنيفة. ولكن بعد عام واحد، نفذت الحكومة مرة أخرى إعداما جماعيا للبالغين والأطفال.

وفي 23 نيسان/أبريل 2019، أعدمت المملكة العربية السعودية 37 شخصا، من بينهم ستة قاصرين. وقد أدين القصّر بارتكاب جرائم سياسية غير عنيفة، بالرغم أن القانون الصادر في عام 2018 يعتبر هذا غير قانوني.

وخلال المحاكمة، أكد جميع القاصرين المتهمين أمام القاضي بأن اعترافاتهم قد انتزعت بالإكراه وتحت التعذيب. وهذا واضح في صكوك الحكم.

واستمر هذا النهج لعام 2020، وحتى إلى عام 2021. في عام 2020، نفذت الحكومة عددا اقل بكثير من عمليات الإعدام نتيجة للحظر الشامل بسبب كوفيد-١٩ مما أدى إلى إيقاف العمل بنظام القضاء الجنائي السعودي بشكل شبه كامل.

إلا أن الحكومة السعودية قامت قبل فترة قصيرة من اقرار الحظر الشامل بإعدام قاصر بتهمة القتل العمد.

وفي آذار/مارس 2020، عدلت السعودية قانون الأحداث لعام 2018 وجعلته بأثر رجعي فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة قبل عام 2018.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020 ثم في فبراير/شباط 2021، ادعت الحكومة أن التعديل ألغى تماما إعدام القاصرين. وعلى الرغم من هذه الوعود، فقد أعدمت الحكومة شخصا آخر قاصر لارتكابه جرائم في يونيو/حزيران 2021. وقد أكدت دراسة المنظمة لقضيته أنه أدين بجرائم ارتكبت عندما كان قاصرا.

قانون إعدام الأطفال

أ) حدود وقصاص وتعزير: تقسيم الفقه السعودي

إن القانون السعودي غير مدون عموما، حيث يمنح القضاة سلطة تقديرية واسعة في وضع قواعد تستند إلى التفسير السعودي للشريعة الإسلامية. القانون السعودي للعدالة الجنائية، على سبيل المثال يتوزع على 20 صفحة ويتألف من 12 نقطة.

وقد منحت هذه الطبيعة غير المكتوبة للقانون القضاة مرونة واسعة لفرض عقوبة الإعدام على القاصرين، ولم تصدر الحكومة حتى عام 2018 قانونا يهدف إلى الحد من قدرة النيابة على طلب عقوبة الإعدام ضد الأحداث.

وينقسم القانون السعودي، الذي يعتمد على التفسير الرسمي للشريعة الإسلامية، إلى ثلاث فئات. الأول، هي الحدود، وهي الجرائم التي ينص القرآن أو الحديث على العقوبة لها. وقد تشمل هذه الجرائم قطع الطرق أو الكفر وفي حالات كثيرة يعاقب عليها بالإعدام.

والفئة الثانية من الجريمة، التي تدعى القصاص، هي فئة تفهم على أنها العقاب العيني، وتنطبق تحديدا على جريمة القتل.

وفي هذه الحالة، عندما يحكم على شخص بالقتل، يمكن لعائلة الضحية أن تسعى إما إلى موت المحكوم عليه أو دفع أموال الدية.

وبالنسبة للفئتين الأولين من الجرائم، يحظر القانون إعدام المذنبين قبل سن البلوغ – وفقا لدراسة تنظيمية حول هذا الموضوع، لم تقم الحكومة قط بإعدام شخص دون سن السابعة.

بيد أن القانون لا يميز بين المراهقين والبالغين؛ ويعامل الأطفال الذين تظهر عليهم أول علامات البلوغ على أنهم بالغين في النظام القضائي السعودي. ولهذا السبب، اعتبر الأطفال الذين تزيد أعمارهم عن الثانية عشرة في بعض الأحيان أهدافا قابلة للتطبيق لعقوبة الإعدام.

وعلى الرغم من أن الحدود والقصاص معرفان في القرآن، إلا أنهما يمثلان جزءا صغيرا من الفقه السعودي.

أما الفئة الثالثة، التعزير، فهي جزء الأكبر، وأفضل وصف لفئة التعزير هو القانون التقديري؛ حيث يعطي للحكام فسحة واسعة لتعريف القانون كما يرى، خارج الفئات المحددة في القرآن والحديث.

إذا قرر أحد الحكام ضرورة قانون ولم تتوافر في مصادر قرآنية معلومات عن هذا القانون جاز أن يضع الحاكم قانونا في التعزير بحسب تقديره.

وفي التفسير السعودي للشريعة يمكن استخدام التعزير لتبرير أحكام الإعدام.  مثلا، لا يوجد قانون قرآني حول موضوع تهريب المخدرات؛ وبدلا من ذلك، أصدرت السعودية قانونا خاصا بتهريب المخدرات، حيث تجرم الجريمة أولا، وتفرض ثانيا حكما بالإعدام على الأشخاص المدانين بارتكاب الجريمة.

ووفقا للبحوث التي أجرتها المنظمة، فإن ما يقرب من 50 في المائة من جميع حالات الإعدام في البلد في السنوات الخمس الأخيرة كانت على أساس التعزير.

وحتى وقت قريب، لم تكن لدى الحكومة أي قاعدة تذكر أنه لا يمكن إصدار أحكام بالإعدام على القاصرين. وأدى هذا الغياب إلى إصدار عدة أحكام بالإعدام ضد القاصرين وتأكيدها وتنفيذها.

وفي عام 2016، قتلت الحكومة أربعة أشخاص بعقوبة التعزير. وفي عام 2019 أعدمت الحكومة ستة قاصرين على نحو مماثل. وفي الواقع، حتى عام 2021، يبدو أن جميع القاصرين الذين أعدموا خلال حكم الملك سلمان، باستثناء واحد، قد قتلوا بموجب قانون التعزير.

ب) قانون الأحداث لسنة 2018

في عام 2018، تصدرت الحكومة عناوين الصحف عندما أعلنت عن قانون جديد للأحداث يحظر إعدام الأطفال بسبب بعض الجرائم.

ولا يظهر الإعدام ضمن العقوبات التي يمكن تطبيقها على القاصرين، وفي الواقع، ينص القانون تحديدا على عقوبات بديلة للأحداث الذين ارتكبوا جرائم تعتبر جرائم عقوبتها الإعدام.

“إذا كانت الجريمة يستوجب الحكم فيها بعقوبة الإعدام، يودع الحدث في مركز الاعتقال مده لا تزيد علي عشر سنوات”.

إلا أن الحكومة قامت باستثناءات للقانون في المادة (16) التي أوضحت أن قانون الأحداث ككل، بما في ذلك الأجزاء التي تحدد القاصر، لا يطبق في ظروف معينة.

“لا تخل الأحكام الواردة في هذا القانون بالأحكام المقررة قانونا بشأن جرائم الحدود والقصاص”.

ووفقا لتلك المادة، فإن أحكام القانون التي تحدد القاصر لا تبطل القانون القائم في حالات جرائم الحدود أو القصاص، التي نص القرآن على حكم الإعدام فيها تحديدا. وبالتالي، ألغى قانون الأحداث الجديد أحكام الإعدام الصادرة بحق القاصرين بالتعزير فقط.

ثم أيضا، لم يطبق القانون. بعد عام من صدور قانون الأحداث لعام 2018، أعدمت الحكومة مجتبى السويكت، وهو شاب أدين بتهم سياسية وقعت عندما كان قاصرا.

وعلى الرغم من أنه يبدو أن قانون الأحداث لعام 2018 سيطبق على قضية مجتبى، فإنه كان قد تلقى بالفعل عقوبة الإعدام أثناء المحاكمة قبل بدء نفاذ القانون. وعندما نظر في استئنافه النهائي أمام المحكمة العليا لسعودي بعد دخول القانون حيز التنفيذ، أكدت المحكمة إدانته وأصدرت تعليماتها إلى الحكومة لتنفيذ حكم الإعدام الصادر بحقه. أعدمت الحكومة السعودية مجتبى في أبريل/نيسان 2019.

ج) المرسوم الملكي لسنه 2020 م

في أبريل/نيسان 2020، أعلنت “الهيئة السعودية لحقوق الإنسان”، وهي مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان موالية للحكومة وغير معتمدة بموجب “مبادئ باريس“، أن المملكة أصدرت مرسوما ملكيا جديدا يطبق قانون الأحداث لعام 2018 بأثر رجعي.

وبعد فوات الأوان لإنقاذ مجتبى السويكت، قيل إن القانون الجديد يعمل نيابة عن أشخاص آخرين محكومين بالإعدام بتهم وقعت عندما كانوا أطفالا.

والجدير بالذكر، أن اللجنة ذكرت أن القانون سيطبق على علي النمر، داود المرهون، عبد الله الزاهر وهم ثلاثة شبان كانوا محور التدخلات الدولية المتكررة، بما في ذلك العديد من البيانات المشتركة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وقرار واحد على الأقل للبرلمان الأوروبي.

غير أن نص المرسوم الملكي لا يوجد في أي موقع عام. ولم ينشر في أي سجل قانوني سعودي، ولا يمكن الاطلاع عليه من خلال أي قناة رسمية متاحة لصاحبي البلاغ.

والجدير بالذكر أن القانون لا يزال يطبق على جرائم التعزير فقط، وهو صامت بشأن القصاص والحدود. في أبريل/نيسان 2020، أكد رد من الحكومة السعودية على الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة أن القانون لا ينطبق إلا على عمليات الإعدام بسبب جرائم التعزير.

في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وفي يناير/كانون الثاني 2021، خففت الحكومة أحكام علي، داود، وعبد الله إلى الحد الأقصى المسموح به من السجن بموجب قانون الأحداث لعام 2018، وفي ذلك الوقت أضفت المصداقية على تأكيد اللجنة أن المرسوم الملكي جعل القانون بأثر رجعي.

وفي وقت لاحق، ادعت الحكومة أيضا أن النيابة العامة سحبت طلبها بعقوبة الإعدام ضد محمد الفرج، القاصر المتهم بالتآمر لقتل مسؤول سعودي عندما كان عمره 15 عاما.

د) بيانات دولية

أدلت الهيئة السعودية لحقوق الإنسان بسلسلة من البيانات بالنيابة عن الحكومة، وإذا صحت هذه التصريحات، فإنها ستلغي إعدام الأطفال تماما في البلاد.

وفي أغسطس/آب 2020، نشرت الهيئة بيانا على موقع تويتر تشير فيه إلى أن البلاد حظرت إعدام الأطفال حظرا تاما. ووفقا للبيان فإن “قانون الأحداث السعودي ينص على أن أقصى عقوبة لأي شخص مدان بجريمة ارتكبت عندما كان قاصرا هي عشر سنوات”.

وفي فبراير/شباط 2021، تعهدت الهيئة مجددا بالإلغاء الكامل لعمليات إعدام الأطفال في السعودية عندما صرح مفوض حقوق الإنسان السعودي الدكتور عواد العواد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف بأن “أي شخص يرتكب جريمة تستحق الموت في طفولته” سيحكم عليه “بعقوبة أقصاها عشر سنوات في مؤسسة للأحداث”.

الوضع الراهن

على الرغم من وجود قانون للأحداث يحظر إعدام الأطفال بسبب جرائم القتل، ووجود مرسوم ملكي يطبق هذا القانون بأثر رجعي، وتصريحين من لجنة حقوق الإنسان بأن الأطفال المدانين بارتكاب جرائم تستحق الإعدام سوف يحكم عليهم بعقوبة أقصاها السجن لمدة عشر سنوات، فإن الحكومة السعودية تواصل إعدام الأشخاص المدانين بارتكاب جرائم تعود إلى عندما كانوا قاصرين.

إعدام مصطفى الدرويش

وفي يونيو/حزيران 2021، أعدمت الحكومة السعودية مصطفى الدرويش. وقبض على الدرويش في مايو/أيار 2015. ووجهت إليه الحكومة سلسلة من التهم، منها ما يتعلق بالاحتجاج عندما كان عمره 17 عاما، وتم إرساله إلى سجن المباحث في الدمام.

وعلى مدار فترة احتجازه قبل المحاكمة، قام الموظفون الحكوميون بتعذيب الدرويش، ووضعوه في الحبس الانفرادي المطول، وتعريضه للضرب الذي جعله يفقد الوعي في عدة مناسبات.

وبعد عامين من الاعتقال، تم نقل الدرويش إلى المحكمة الجزائية المتخصصة، حيث وجهت إليه تهمة المشاركة في إطلاق النار على رجال الأمن والمشاركة في المظاهرات والتجمعات وحرق الإطارات وإخفاء مطلوبين أمنيا وتخزين معلومات على هاتفه من شأنها أن تعطل الأمن الوطني.

ومن بين التهم الموجهة إليه المشاركة في مظاهرات 1433، عندما كان عمره 17 عاما وشهرين. وقع الدرويش على الاعتراف بالإكراه تحت ضغط من النيابة العامة تضمن تهديدات باستمرار التعذيب.  ولم يسمح للدرويش بأي وقت قبل محاكمته بالاتصال بمحام.

قدم الادعاء الاعتراف بالإكراه كدليل في المحاكمة، واستندت المحكمة بشكل كبير على هذا الاعتراف في إدانتها والحكم عليه بالإعدام بالتعزير. وقد أكدت محكمة الاستئناف القضية وأحالتها إلى المحكمة العليا التي أكدت الحكم أخيرا.

وفي 26 يونيو 2021، قامت الحكومة السعودية بإعدام مصطفى الدرويش، في انتهاك للمرسوم الملكي الصادر في أبريل 2020 الذي يحظر إعدام القاصرين بالتعزير، وفي انتهاك للالتزامات التي قطعتها على نفسها اللجنة السعودية لحقوق الإنسان.

قضية عبد الله الحويطي

تنفيذ حكم الإعدام في الدرويش ليس المخالفة الوحيدة لالتزامات السعودية. فقد كانت محكمة الاستئناف السعودية قد أيدت في كانون الثاني/يناير حكم الإعدام بحق عبد الله الحويطي. وحكم على عبد الله بالإعدام بموجب قانون القصاص لجريمة قتل زعم أنه ارتكبها عندما كان في الرابعة عشرة من عمره.

تشير أدلة جوهرية إلى أنه غير قادر على ارتكاب الجريمة، بما في ذلك لقطات كاميرا الأمن التي تضعه في مكان آخر في وقت الحدث. وقد حكم على عبد الله بالإعدام استنادا إلى اعترافات تراجع عنها منذ ذلك الحين، وذكر أنها انتزعت منه عبر التعذيب.

وفي 8 مايو/أيار 2017، داهم رجال أمن ملثمون منزل أسرة عبد الله الحويطي البالغ من العمر 14 عاما، واعتقلوه وشقيقه عبد العزيز. وقد اقتيدا إلى مركز الشرطة في دوبا، حيث اتهما بجريمة السرقة والقتل التي ارتكبت في 6 أيار/مايو 2017.

ونشرت والدة عبد الله مذكراته على تويتر وتحدثت فيها عن المعاملة التي تلقاها منذ لحظة القبض عليه إلى أن وقع على البيانات التي سجلها المحقق. وتعرض لظروف مروعة أجبرته على الاعتراف بشهادة لم يدلي بها وبحوادث لم يتورط فيها.

وفي مذكراته، قال عبد الله إنه أجبر على الوقوف لساعات طويلة في مركز شرطة دوبا، بينما كان الحراس يسخرون منه ويسيئون إليه لفظيا. وعندما نقل إلى مركز التحقيق الجنائي في تبوك، بدأ التعذيب الجسدي والنفسي يزداد حدة لجعله يعترف بارتكاب جريمة قتل.

وفيما يلي بعض أنواع التعذيب الذي تعرض له عبد الله على أيدي رجال الأمن السعوديين:

  • أجبر على الوقوف لساعات متواصلة حتى فقد وعيه.
  • الضرب والصفع على الوجه.
  • ضرب بكابل كهربائي على باطن قدميه (الفلقة).
  • ضرب بكابل كهربائي في أجزاء مختلفة من جسمه حتى فقد الوعي.
  • إجباره على الوقوف مباشرة امام مكيف الهواء.
  • ضرب مبرح أثناء إجباره على الإمساك بساقين شقيقه عبد العزيز أثناء تعذيبه بالفلقة.
  • تعرض للتعذيب النفسي عندما قيل له إن والدته وشقيقاته محتجزون في السجن، ولن يطلق سراحه إلا بعد اعترافه بارتكاب الجريمة.

وذكرت يوميات عبد الله أنه بعد التعرض لجولات من التعذيب الجسدي على يد النقيب محمد صالح العنزي، طلب من وكيل الأمن كتابة ما يريد، ووافق على توقيعه ببصماته. ثم أمر النقيب العنزي ضابطا آخر بأن يكتب ما أملاه عليه.

وعندما تردد عبد الله ادعى العنزي زورا أن والدته وشقيقاته في السجن وأنه سيفرج عنهم مع أخيه عبد العزيز بمجرد أن يوقع عبد الله على الاعتراف. وهذا ما دفع عبدالله إلى وضع بصمة الاعتراف.

ثم نقل عبد الله إلى دار الأحداث في تبوك. ووفقا لمذكرات عبد الله، فقد طلب منه المحقق علي الشمراني توضيح ما حدث، فأجاب بأن أقواله بمركز التحقيق الجنائي صدرت تحت الإكراه. ثم أخذ إلى زنزانة السجن. وفي وقت ما بعد منتصف الليل، جاء النقيب محمد صالح العنزي مع مجموعة من الجنود. وأيقظوه وأبلغوه أنه سينقل مرة أخرى. وقد عصب أعين عبد الله وأعيد إلى وحدة التحقيق الجنائي.

وهدد العنزي، وفقا لمذكراته، بسحب أظافره وتعليقه من يد واحدة وتعذيبه بطرق أخرى لا يمكن تخيلها. وتوسل إليه عبد الله واعدا بعدم إخبار أي شخص عن معاملته مرة أخرى.

وفي اليوم التالي، قدم النقيب العنزي عبد الله إلى المحكمة. قرأ القاضي علي عبد الله الاعتراف واعترف عبد الله بأنه مذنب، خائفا مما قد يحدث له إذا كشف عن كيفية تعذيبه. وبعد ذلك قال له العنزي: “الآن يمكنك أن تأكل!”

وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019، أدانت المحكمة الجزائية في تبوك شمال السعودية عبد الله بالقتل وحكمت عليه بالإعدام بتهمة القصاص.

وأدين خمسة آخرون لتورطهم في الجريمة وحكم عليهم بالسجن لمدة خمسة عشر عاما وبألف جلدة. كما أمرهم بدفع مبلغ 800 ألف ريال سعودي، وهو مبلغ يعادل قيمة المسروقات.

وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول 2020، عقدت المحكمة جلسة استئناف في قضية الحويطي. وبعد عدة جلسات، أكدت محكمة الاستئناف في تبوك الحكم في يناير/كانون الثاني 2021، وأحيل إلى المحكمة العليا في الرياض.

ترفض أم عبد الله الاتهامات التي وجهت إلى عبد الله، قائلة إنه كان مع شقيقه وأصدقائه على الكورنيش بدوبا عندما وقعت الجريمة، كما أكد شهود عيان وكاميرات مراقبة. وتقول إن أدلة الفيديو توضح أن عبد الله كان في الكورنيش وقت وقوع الجريمة.

كما كشفت والدة عبد الله أن العميد المتورط في البداية في القضية أكد أن عبد الله كان على الكورنيش وقت وقوع الجريمة. غير أن هذا الشاهد استبعد فيما بعد من التحقيق.

كما تفهم أم عبد الله أن شخصا آخر قد اعترف بارتكاب الجريمة. وتقول إن رجلا ذهب إلى مركز شرطة مدينة دوبا واعترف بارتكابه الجريمة. وقد أطلق سراح الرجل بزعم أنه مختل عقليا على الرغم من أنه وصف بالتفصيل كيف قام بالسرقة وقتل جنديا وهرب في مركبة أمنية.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، نقضت المحكمة العليا الحكم، وقالت المعلومات إن السبب هو عدم اقتناع القاضي بالأدلة. ومن المتوقع أن تتم إعادة عبد الله إلى المحكمة وليس مستبعدا أن النيابة العامة ستصر على طلب عقوبة الإعدام وفقا لأحكام القصاص والحدود.

لا تزال عمليات الإعدام تهدد أربعة أحداث آخرين: جلال اللباد وسجاد ياسين ويوسف المناسف وحسن زكي الفرج. وقد راقبت المنظمة هذه الحالات الأربع رغم انعدام الشفافية في التعامل الرسمي مع ملف الإعدام، وفرض الصمت على المجتمع، واستمرار ترهيب الأسر وتجريم الاتصال بمنظمات حقوق الإنسان، وعدم معرفة العدد الفعلي للقاصرين الذين لا يزالون عرضة لخطر الإعدام.

ووفقا لوثائق المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، لا يواجه القاصرين الأربعة تهم تعتبر الأكثر خطورة، وأكد عدد منهم أنهم تعرضوا للتعذيب من أجل انتزاع اعترافاتهم، ولا تزال محاكماتهم جارية على الرغم من عدم تمتعهم بحقوق المحاكمة العادلة.

وعلى الرغم من التغييرات الأخيرة في القانون الوارد تفصيلها أعلاه، فإن رصد الهيئة العليا لحقوق الإنسان للقضايا المعروضة على المحاكم في المملكة العربية السعودية يشير إلى أنه لم يحدث أي تغيير في طلبات إصدار الأحكام الصادرة عن النيابة العامة في هذه القضايا.

وطالبت المنظمة الأمم المتحدة بالتقيد بالالتزامات التي قطعتها الحكومة السعودية على نفسها لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإلغاء عقوبة الإعدام بالكامل ضد الأطفال، والنظر في تقديم قرار يدين عمليات إعدام الأطفال التي تجري في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المملكة العربية السعودية.

وطالبت المنظمة المجتمع الدولي بمحاسبة السعودية على وعودها بوضع حد لعمليات إعدام الأطفال من خلال تنفيذ عقوبات موجهة ضد مرتكبي عمليات إعدام الأطفال، بمن فيهم أعضاء حكومة الملك سلمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى