فضائح السعودية

محمد بن سلمان يثبت للعالم أنه لا يزال طاغية انتقامياً

أثارت حادثة إعدام السلطات السعودية الصحفي تركي الجاسر تنديدات واسعة من الأوساط الحقوقية الدولية، وسط تأكيد أن ولي العهد محمد بن سلمان يثبت للعالم أنه لا يزال طاغية انتقامياً.

وندّدت سارة ليا ويتسون، المديرة التنفيذية لمنظمة “داون” المؤيدة للديمقراطية، مستخدمة عبارات شديدة، قائلةً: “مع إعدام جاسر، أظهر لنا محمد بن سلمان مرة أخرى أنه لا يزال طاغية انتقامياً رقيق البشرة يقتل الأشخاص الذين ينتقدونه”.

واعتبرت ويتسون أن “وظّف القضاء السعودي لمحاكمة وإعدام رجل بموجب قانون مكافحة الإرهاب الزائف فقط بسبب تعليقاته الناقدة”، مشيرة إلى أن الحكومات الغربية تتظاهر بأنه “رجل دولة مرموق”، لكنها لا تستطيع أن “تصلح مُستبدًّا مُعتلًّا اجتماعيًا يفتقر إلى أي حواجز داخلية”.

وأعلنت السلطات السعودية السبت الماضي تنفيذ حكم الإعدام بحق الأكاديمي والصحفي السعودي تركي الجاسر، الذي أُلقي القبض عليه عام 2018 بتهمة “الخيانة العظمى والتواصل مع جهات خارجية”، إثر نشاطه الناقد للحكومة عبر منصة تويتر، حيث أنشأ لاحقًا مدونة المشهد السعودي.

وجاء هذا الإعلان بعد سبع سنوات من الاحتجاز، واتهامات بالتعرض للتعذيب أثناء المحاكمة، في أول إعدام لصحفي سعودي منذ اغتيال جمال خاشقجي عام 2018.

خلفية ونشاط الجاسر

نشط الجاسر على تويتر منذ 2014، وكان ينشر تعليقات نقدية على العائلة المالكة وقضايا الفساد وحقوق الإنسان، قبل أن يعتقله النظام خلال حملة قمع واسعة استهدفت المعارضين. وقد أنشأ مدونة المشهد السعودي التي ناقشت قضايا شائكة مثل حقوق المرأة وفلسطين، ما زاد الضغط الأمني عليه.

وفقًا لمعارضين، كان لديه حسابان: حساب رسمي باسمه الثابت، وآخر مجهول استخدمته الحكومة لاتهامه بالمشاركة في “مؤامرة وهمية” تستهدف “إسقاط النظام”.

اختراق تويتر وتعاون سعودي-أميركي

في سياق موضوع الجاسر، كشف تحقيق أمني أميركي أن المخابرات السعودية اختَرقت تويتر عام 2014–2015، وتمكنت من الحصول على بيانات مستخدمين مجهولين بما فيهم معارضون كالجاسر.

رغم ذلك فإن شركة تويتر رفضت أن تتحمل مسؤولية الانتهاكات، وحتّى منظمة مراسلو بلا حدود دعت إلى مساءلة الشركة عن دورها في تسهيل اعتقال المعارضين.

وقد أدان القضاء الأميركي موظفين سابقين في تويتر ومواطنين سعوديين، وشمل التهم “الاحتيال والتآمر والتصرف كعملاء أجانب مقابل رشوة”، وأدين أحدهم فعليًّا أمام هيئة محلفين.

شهادات عن التعذيب

وردت تصريحات من عائلة عبد الرحمن السدحان، معارض اعتُقل عام 2018 وعذب في السجن، مفادها تعرض معارضين لهم تعذيب شامل، بما في ذلك ضرب اليدين بالصدمات الكهربائية، وقطْع العظام لأيدي انتقامية بسبب “التغريدات”.

وواجه محمد بن سلمان انتقادات متكررة حول قمع الحريات. في مقابلة عام 2023، قال إنه يعمل على تحديث القوانين، وأنه “يأمل أن يكون القضاة أكثر خبرة في المستقبل”، في إشارة إلى تخفيف حكم الإعدام بحق معارض آخر (الغامدي)، لكن إعدام الجاسر يشير إلى أن التغييرات لم تشمل الحفاظ على حرمة الرأي السياسي.

ووفق القانون السعودي، تُطبّق أحكام الإعدام فقط بموافقة ولي العهد أو الملك، ما يعني أن بن سلمان كان له الدور الحاسم في الإبقاء على الحكم. هذا يضع علامات على ازدياد سلطته المطلقة في النظام القضائي.

تداعيات إقليمية ودولية

يثير هذا الإعدام المخاوف المتزايدة بشأن حرية التعبير في السعودية التي تسعى لإعادة بناء صورتها دوليًا. المجتمع الدولي تواجهه:

رفض المحتجين دعوات بن سلمان للإصلاح والقوانين الحديثة.

دعوات لمراجعة العلاقات الغربية وحقوق الأداء داخل النظام القضائي السعودي.

تكهنات حول إمكانية فرض عقوبات تستهدف القضاة أو الأجهزة الأمنية.

ويقع إعدام الجاسر في سياق العلاقات المتشابكة بين بن سلمان والغرب، حيث يحاول الأخير تلميع صورته كقائد إصلاحي رغم سجل قمعي صارخ. القصة تثير أسئلة عميقة: هل يعيق التقدم السياسي وجود صحافة، ويريد للمستقبل أن يعتمد على حصانة نقدية؟ وهل تستجيب الحكومات الغربية فعليًا للضغوط أم أن التعاطي معهم يظل مرهونًا بالاستراتيجيات والأمن؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى