فضائح السعودية

السعودية على طريق كأس العالم: الملاعب تُبنى بالمعاناة وأُسر المهاجرين تدفع الثمن

بينما تمضي المملكة في مساعيها الواسعة لاستضافة أبرز الفعاليات الرياضية العالمية، من كأس آسيا لكرة القدم 2027 إلى كأس العالم 2034، تُخفي هذه المشاريع الضخمة وراءها واقعاً مظلماً يتعرض له مئات الآلاف من العمال وأسر المهاجرين، الذين يُفترض أن يكونوا عَصب هذه النهضة الرياضية.

لكنهم في الواقع، ضحايا منظومة استغلال ممنهجة، يدفعون حياتهم ثمناً لتحقيق رؤى الدولة الطموحة، فيما تُترك عائلاتهم لمواجهة مصيرها دون حماية أو تعويض.

مأساة محمد أرشد… وجه الحقيقة الخفي

في مارس/آذار 2025، توفي محمد أرشد، العامل الباكستاني البالغ من العمر 38 عاماً، خلال عمله في بناء ملعب تابع لشركة أرامكو في مدينة الخبر، أحد المشاريع المرتبطة بالتحضيرات لكأس العالم.

رحيل محمد لم يكن مجرد خبر عابر، بل كارثة لعائلته الصغيرة التي تضم ثلاثة أطفال دون الثامنة، فقدت مصدر رزقها الوحيد في لحظة واحدة. لا تأمين، لا تعويض، ولا حتى تفسير رسمي مقنع، سوى عبارة جوفاء تكررت كثيراً: “أسباب طبيعية”.

وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش إن وفاة أرشد تسلط الضوء على معاناة آلاف العمال المهاجرين في المملكة، الذين يواجهون بيئة عمل غير آمنة، لا تضمن لهم الحماية من الحرارة القاتلة، ولا توفر لهم سبل السلامة في مواقع البناء، ولا تكفل لأسرهم الحد الأدنى من الكرامة بعد موتهم.

وفي اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، وبينما تُشيد السعودية بتقدمها في الرياضة والبنية التحتية، يبقى هناك واقع أكثر قسوة تتجرعه عائلات العمال: فحين يموت العامل، تنقطع تحويلاته المالية، ويُحرم أبناؤه من فرص التعليم والرعاية. كثير من هذه العائلات تُضطر إلى إرسال أطفالها للعمل في سن مبكرة، لتأمين الحد الأدنى من المعيشة.

تقول أرملة عامل بنغلاديشي توفي أثناء عمله في مشروع رياضي في السعودية: “لم أملك خيارًا. أخرجت ابني من المدرسة وهو بعمر 14 عاماً وأرسلته إلى العمل. ما يجنيه بالكاد يكفينا للطعام.”

هذا النمط يتكرر كثيراً في الدول التي تُصدّر اليد العاملة إلى الخليج. رغم الجهود المحدودة التي تبذلها بعض الحكومات – كمنح دراسية لأبناء الضحايا – إلا أنها غالبًا ما تكون غير كافية لسد الفجوة التي يخلّفها غياب المعيل.

وقد وثقت منظمات دولية، منها هيومن رايتس ووتش، نمطاً متكرراً من الانتهاكات ضد العمال في السعودية، لا سيما أولئك المنخرطين في مشاريع بناء الملاعب والمنشآت الرياضية. ومن بين أبرز هذه الانتهاكات: العمل القسري، وفرض رسوم توظيف مرتفعة وغير قانونية، وتأخير الأجور أو سرقتها بشكل ممنهج.

الأسوأ أن معظم وفيات العمال تُسجل تحت بند “أسباب طبيعية”، وهو تعبير يُخفي وراءه حقيقة تعرّضهم للإجهاد الحراري القاتل أو الحوادث الصناعية، ويُستخدم ذريعة لحرمان العائلات من أي تعويض مالي.

الفيفا… الشريك الصامت؟

رغم أن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) كان قد تعهّد بتحمّل مسؤولياته الحقوقية بعد فضائح كأس العالم في قطر 2022، إلا أن تكرار المشهد في السعودية يُثير تساؤلات جدية. فمن غير المقبول أن تستمر الفيفا في إسناد البطولات لدول تتجاهل كرامة الإنسان وحقوق العمال.

وتؤكد هيومن رايتس ووتش أن على الفيفا أن يتحرك بجدية لضمان: إجراء تحقيقات شفافة ومستقلة في جميع وفيات العمال، وإصدار شهادات وفاة رسمية توضح الأسباب الدقيقة، ودفع تعويضات فورية لعائلات الضحايا.

كما تطالب المنظمة بتخصيص منح دراسية لأطفالهم لضمان استمرار تعليمهم، والضغط على الحكومة السعودية لتحسين ظروف العمل، ومنع الانتهاكات قبل وقوعها.

صورة تُجمّل الواقع… لكنها لا تُغيّره

تسعى السعودية، ضمن رؤيتها 2030، إلى تقديم نفسها كقوة صاعدة في مجال الرياضة والترفيه العالمي. وتُنفق المليارات على بناء منشآت حديثة وترويج نفسها عبر الأحداث الضخمة.

لكن هذه الصورة المصنوعة بدقة لا تعكس الواقع القاتم الذي يعيشه عشرات الآلاف من العمال المهاجرين في مواقع البناء والمعسكرات السكنية المتهالكة، تحت شمس قاسية وظروف مجحفة.

وما يحدث في السعودية ليس “تضحية ضرورية” في سبيل التقدّم، بل جريمة ممنهجة يُفترض أن يتحمّل المجتمع الدولي مسؤولية الوقوف في وجهها. إن بناء الملاعب لا يجب أن يأتي على أنقاض العدالة الاجتماعية، ولا أن يُموّل بدماء الفقراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى