فضائح السعودية

محمد بن سلمان يكرس مجددا نظام الترهيب في المملكة والضحية تركي الجاسر

عمد ولي العهد محمد بن سلمان مستغلا الانشغال العالمي بالتطورات الإقليمية بين إسرائيل وإيران، إلى تكريس نظام الترهيب في المملكة عبر إعدام الصحفي المعتقل تركي الجاسر في حادثة أثارت تنديدا دوليا واسعا.

ففي سابقة مأساوية وصادمة، أقدمت السلطات السعودية في 14 يونيو/حزيران 2025 على تنفيذ حكم الإعدام بحق الصحفي تركي الجاسر، بعد احتجازه تعسفيًا لأكثر من سبع سنوات دون محاكمة عادلة، في خطوة اعتبرتها منظمات دولية مؤشراً على انحدار جديد في سجل المملكة القاتم تجاه حرية الصحافة وحقوق الإنسان.

وأعلنت وزارة الداخلية السعودية تنفيذ الحكم، زاعمة أن الجاسر أدين بتهم “الإرهاب” و”الخيانة العظمى” بسبب نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن منظمات حقوقية، أبرزها “مراسلون بلا حدود” (RSF)، أكدت أن الجاسر لم يرتكب أي جريمة سوى التعبير عن رأيه وتوثيق قضايا حساسة مثل الفساد، حقوق المرأة، والقمع السياسي، وأن إعدامه يأتي في إطار سياسة ممنهجة لإسكات الصحفيين والمعارضين.

أول صحفي يُعدم في عهد محمد بن سلمان

يُعد إعدام تركي الجاسر الأول من نوعه بحق صحفي في السعودية منذ صعود ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة عام 2015، وهو الثاني على مستوى العالم منذ عام 2020، عندما أعدمت السلطات الإيرانية الصحفي روح الله زم، وفقًا لإحصائيات منظمة “مراسلون بلا حدود”.

وكان الجاسر في الأربعينيات من عمره، وهو مؤسس مدونة “المشهد السعودي” التي تناولت مواضيع حقوقية وسياسية، وكشف من خلالها تجاوزات بعض المسؤولين السعوديين. كما اتهمته السلطات بإدارة حساب “كشكول” على منصة تويتر (X حاليًا)، والذي وُصف بأنه كان يفضح الفساد في العائلة المالكة.

في تعليقها على الإعدام، قالت آن بوكانديه، مديرة التحرير في RSF: “إعدام تركي الجاسر منعطف مروع في تاريخ القمع السعودي، ويعيد إلى الأذهان اغتيال جمال خاشقجي. صمت العالم عن هذه الجريمة سيكون بمثابة تواطؤ في إعدام الصحافة”.

اعتقال سري وتعذيب حتى الموت

بدأت معاناة الجاسر في 15 مارس/آذار 2018، عندما اقتحمت قوات الأمن السعودي منزله في الرياض، واعتقلته من دون إذن قضائي، وصادرت أجهزته الإلكترونية. نُقل بعدها إلى مكان مجهول، قبل أن يُحتجز في سجن الحائر سيئ السمعة، حيث ظل في عزلة عن العالم الخارجي.

خلال الأشهر الأولى من احتجازه، راجت أنباء قوية عن وفاته تحت التعذيب، خاصة بعد تسريبات حول تعرضه لانتهاكات جسدية مروعة، في ظل انقطاع تام لأي اتصال مع محاميه أو عائلته. وقد تجاهلت السلطات هذه المزاعم ولم تصدر أي توضيحات، ما زاد من المخاوف بشأن ظروف اعتقاله ومحاكمته غير العادلة.

اغتيال حرية الصحافة وغياب المحاسبة

تأتي هذه الجريمة ضمن نمط متكرر من الترهيب والاغتيالات التي تستهدف الصحفيين في المملكة، إذ لا تزال قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018 ماثلة في الأذهان.

وقد خلصت تقارير أممية إلى أن الجريمة تمت بتوجيه من أعلى مستويات الدولة، ورغم ذلك، لم تُحاسب السلطات السعودية أو تُفرض عليها عقوبات صارمة من قبل حلفائها الدوليين.

وتقبع المملكة في المرتبة 162 من أصل 180 على مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2025، وتحتجز في سجونها حاليًا ما لا يقل عن 1، حسب بيانات مراسلون بلا حدود.

وإعدام الجاسر أثار موجة استنكار واسعة، حيث دعت منظمات دولية، وفي مقدمتها “مراسلون بلا حدود”، المجتمع الدولي إلى التحرك فورًا، واتخاذ تدابير عقابية بحق السعودية، تشمل فرض عقوبات سياسية ودبلوماسية، ووقف التعاون الأمني مع الرياض.

وشددت RSF على أن إعدام الجاسر يجب أن يشكل نقطة تحول في تعاطي المجتمع الدولي مع السعودية، خصوصًا من قبل حلفائها الغربيين الذين واصلوا دعمها رغم سجلها القاتم في حقوق الإنسان.

تصاعد وتيرة القمع في عهد محمد بن سلمان

بحسب تقارير العفو الدولية، نفذت السعودية ما لا يقل عن 88 حالة إعدام منذ مطلع عام 2025، ما يجعلها من بين الدول الثلاث الأكثر تنفيذًا لعقوبة الإعدام في العالم، إلى جانب الصين وإيران.

وقد تزايدت وتيرة الاعتقالات السياسية منذ تعيين محمد بن سلمان وليًا للعهد، إذ استُهدفت شخصيات بارزة من رجال الدين والناشطين والصحفيين، في ظل غياب منظومة عدالة مستقلة، وتحكّم الأجهزة الأمنية بالقضاء.

ويرى مراقبون أن حملة “الانفتاح الاجتماعي” التي يروّج لها ابن سلمان تتناقض تمامًا مع الانغلاق السياسي والقمع الوحشي، وهو ما يؤكد أن النظام يستخدم الإصلاحات كواجهة دعائية لإخفاء وجهه الاستبدادي.

مسؤولية الدول الغربية

في ظل هذه التطورات، تواجه الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، اختبارًا حقيقيًا لمصداقيتها في الدفاع عن حرية الصحافة وحقوق الإنسان.

فاستمرار علاقاتها التحالفية مع الرياض، وتقديمها للدعم العسكري والتكنولوجي، يُفهم منه ضوء أخضر غير مباشر لتصفية الصحفيين والمعارضين، ما لم يقابله موقف واضح وحازم تجاه جرائم النظام.

وإعدام تركي الجاسر يُمثل جريمة دولة بكل المقاييس، ويكشف أن النظام السعودي ماضٍ في تحويل المملكة إلى سجن كبير، لا مكان فيه للرأي الحر ولا للصحافة المستقلة. وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي للجم هذا المسار، فإن المزيد من الصحفيين قد يواجهون المصير ذاته، وستتحول السعودية إلى نموذج عالمي للقمع والإفلات من العقاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى