ناشطون حقوقيون: قمع ممنهج في السعودية تحت غطاء التجميل الإعلامي

أكد ناشطون حقوقيون على أن الإفراجات الأخيرة في السعودية لا تعكس نية إصلاح حقيقي، بل تُستخدم لتبييض سجل قمعي تصاعدت فيه الإعدامات السياسية بشكل غير مسبوق في ظل قمع ممنهج تشهده المملكة تحت غطاء التجميل الإعلامي.
هذا ما خلصت إليه المساحة الحوارية التي نظمتها المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان عبر منصة “X” تحت عنوان “الصمت في السعودية: إعدامات وإفراجات”، بمشاركة شخصيات حقوقية بارزة، تناولت فيها المشهد الحقوقي داخل المملكة بين واقع القمع السياسي وعمليات الإفراج الانتقائية.
أدار النقاش طه الحاجي، المدير القانوني للمنظمة، بمشاركة كل من علي الدبيسي، مدير المنظمة، والدكتورة مريم الدوسري، والناشط محمد العمري، حيث قدّم المشاركون تحليلاً تفصيليًا لحالة حقوق الإنسان في المملكة، مسلطين الضوء على التناقضات الصارخة بين الدعاية الرسمية وما يجري فعليًا على الأرض.
إفراجات بلا تحول
في مستهل النقاش، أكد طه الحاجي أن الإعدامات في السعودية تشهد “تصاعدًا مروعًا”، معتبراً أن معظم هذه الأحكام لا ترتبط بجرائم قتل، بل تستخدم كأداة لمعاقبة المعارضين وتصفية النشطاء.
وأضاف أن “هذا التوجه لا يعكس فقط غياب العدالة، بل يكشف أيضاً عن فشل الدولة في بناء نظام قانوني يحترم الحريات الأساسية”.
وفيما يتعلق بالإفراجات، أشار الحاجي إلى أنها لا ترتكز على أسس قضائية أو معايير قانونية واضحة، بل ترتبط بمزاجية السلطة ومصالحها السياسية، وغالبًا ما تكون مصحوبة بحملات إعلامية دعائية تهدف لتجميل الصورة الخارجية للمملكة، لا سيما في ظل اقتراب فعاليات دولية كبيرة.
أدوات تجميل في يد القامع
الناشطة والباحثة مريم الدوسري أوضحت أن الإفراجات التي حصلت مؤخرًا عن بعض المعتقلين، رغم أهميتها الإنسانية، “ليست مؤشراً على أي تغيير بنيوي في طبيعة الحكم”. ووصفتها بأنها “محاولات تجميلية ضمن منظومة علاقات عامة متقنة”.
وأضافت أن الإفراجات تأتي ضمن سردية “رؤية 2030″، والتي أصبحت وفق قولها “عقيدة إعلامية يروّج لها محمد بن سلمان لتسويق مشروع سياسي قائم على المركزية والاستبداد”.
وأكدت الدوسري أن كثيرًا من من أُفرج عنهم لم يكن يجب أن يُعتقلوا أصلاً، وأن الاحتفاء بإطلاق سراحهم يشبه الاحتفال بإيقاف الظلم، لا بإحقاق العدالة.
جهاز الأمن والدولة البوليسية
من جانبه، تحدث علي الدبيسي عن الخلفية الهيكلية للقمع في السعودية، مشيرًا إلى أن إنشاء “رئاسة أمن الدولة” في 2017 شكّل تحولاً جذريًا نحو المزيد من القبضة الأمنية.
وقال إنه “منذ تأسيس هذا الجهاز، شهدنا قفزات خطيرة في وتيرة الاعتقالات والتعذيب والإعدامات، خاصة ضد النساء والنشطاء”.
وسلّط الدبيسي الضوء على حالة الناشط فاضل المناسف، أحد المفرج عنهم مؤخرًا، الذي اعتُقل بسبب دفاعه عن أحد كبار السن أثناء احتجاجات في المنطقة الشرقية. ووصف تغييب فاضل لسنوات بأنه “انتهاك صارخ، يعكس مدى استخفاف السلطة بالحريات”.
وأكد الدبيسي أن التعتيم الإعلامي الشامل داخل المملكة يمنع المواطنين من معرفة ما يجري خلف أسوار السجون، وأن “عائلات كثير من الذين يُعدمون لا يُسمح لهم حتى بوداع أبنائهم أو إقامة عزاء لائق بهم”.
القضاء المسيس وانهيار الثقة
أما الناشط محمد العمري، فشدّد على أن الإفراجات ليست سوى نتيجة لضغوط دولية متزايدة، لا تعكس وجود عدالة داخلية أو إصلاح سياسي. وأوضح أن السلطة في السعودية “تستغل هذه الإفراجات للتخفيف من حملات النقد الدولي، خصوصًا في الغرب، لكنها لا تغيّر من واقع القمع شيئًا”.
اعتبر العمري أن القضاء السعودي أداة قمع بامتياز، فاقد للاستقلالية، ويعمل تحت سلطة الأجهزة الأمنية. وقال: “الدولة لا ترى المواطنين شركاء، بل تعتبرهم رعايا بلا حقوق، تُدار حياتهم بالعصا والإملاءات”.
وفي ما يخص الإعدامات، أشار العمري إلى أن بعضها يُنفّذ على خلفيات سياسية صريحة، في حين تُستخدم قضايا جنائية كغطاء قانوني للتخلص من الخصوم.
وأضاف أن بعض من يُعدمون في قضايا مخدرات أو غيرها قد يكونون ضحايا لتصفية حسابات داخلية أو منافسة غير مشروعة مع أصحاب نفوذ.
الإهمال الطبي… الإعدام الصامت
أحد أبرز النقاط التي أثارها العمري كانت حول الإهمال الطبي داخل السجون، الذي وصفه بأنه “إعدام بطيء وغير معلن”. واستشهد بحالة الدكتور موسى القرني، الذي توفي في السجن بسبب الإهمال، رغم أنه لم يُنفذ بحقه حكم بالإعدام رسميًا.
وأكد أن “السلطة تستخدم هذا النوع من العقاب الجسدي والنفسي لكسر إرادة المعتقلين وتخويف الباقين”.
ما بعد الإفراج… رقابة ومراقبة
لفت العمري إلى أن من يُفرج عنهم لا يعودون لحريتهم بالكامل، بل يواجهون مراقبة أمنية مستمرة، ومنعًا من السفر، وتهديدات مبطنة لإسكاتهم.
وأكد أن “الحرية في السعودية تُمنح مشروطة ومؤقتة، ويمكن سحبها في أي لحظة”، مضيفًا أن الاعتقالات ستستمر طالما لم يُفتح أي مسار قضائي مستقل أو يُحاسب المسؤولون عن الانتهاكات.
وشدّد على أهمية مواصلة النشاط الحقوقي، خصوصًا من خارج البلاد، لنقل الحقيقة وتوثيق ما يجري، معتبرًا أن “الدولة تسعى لتلميع صورتها قبل مناسبات كبرى مثل استضافة كأس العالم، وتحتاج إلى فضح هذا الاستخدام الدعائي للمواطنين”.
وفي المحصلة، رسمت مساحة “الصمت في السعودية” صورة واضحة لواقع تُدار فيه الدولة بعقلية بوليسية، وتُستخدم فيه المؤسسات القضائية والإعلامية كسلاح في يد السلطة، بينما يُسكت النشطاء وتُنفذ الإعدامات كأداة لضبط الداخل وتحصين الحكم.
الإفراجات، كما أكد المشاركون، ليست إلا ورقة تفاوضية لتحسين السمعة لا أكثر، في بلد لا تزال فيه الحقوق مقيدة، والحريات رهينة، والعدالة غائبة.