منظمات حقوقية تدق ناقوس الخطر: مئات الأجانب مهددون بالإعدام في السعودية

أعربت 32 منظمة حقوقية غير حكومية عن قلقها البالغ حيال مصير مئات الأجانب المحكومين بالإعدام في السعودية، لا سيما في قضايا تتعلق بجرائم مخدرات غير مميتة، مؤكدين أن هؤلاء يواجهون خطر الموت الوشيك في ظل التصعيد المقلق في وتيرة تنفيذ الإعدامات خلال عام 2025.
وتشمل قائمة السجناء المهددين بالإعدام مواطنين من مصر، وإثيوبيا، والصومال، والعديد من الدول الآسيوية والإفريقية الأخرى، فيما يُحتجز أغلبهم في ظروف وصفتها المنظمات الحقوقية بأنها “صادمة”، وسط غياب شبه تام لمعايير العدالة، واستمرار الاعتماد على الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، وحرمان المتهمين من التمثيل القانوني أو الدعم القنصلي المناسب.
أرقام صادمة وإعدامات متسارعة
بحسب بيانات وكالة الأنباء السعودية الرسمية، بلغ عدد من نُفذت بحقهم أحكام الإعدام منذ بداية 2025 وحتى 17 يونيو 154 شخصًا، من بينهم 98 أعدموا بسبب قضايا مرتبطة بالمخدرات، أي بنسبة تفوق 63%.
ومن بين هؤلاء 69 أجنبيًا، يتوزعون على 11 دولة، أبرزها الصومال (19 شخصًا)، باكستان (12)، إثيوبيا (7)، ومصر (3).
ويقبع 37 إثيوبيًا و27 صوماليًا في سجن نجران جنوب غرب البلاد، يواجهون جميعًا أحكامًا بالإعدام، وقد نُفذ الحكم فعليًا بحق 19 صوماليًا و7 إثيوبيين منذ بداية العام.
أما في سجن تبوك شمال غرب السعودية، فيحتجز 26 مواطنًا مصريًا، يواجهون المصير ذاته، بعد تنفيذ الإعدام بحق ثلاثة منهم على الأقل، أبرزهم محمود محمد خميس وفرحات أبو السعود، اللذين أُعدما في مايو الماضي.
ويعيش السجناء الباقون، بحسب منظمات حقوقية، في حالة من الرعب المستمر، وسط خشية من تنفيذ الأحكام في أي لحظة، لا سيما بعد تواتر معلومات عن قرب تنفيذ دفعات جديدة من الإعدامات عقب انتهاء عيد الأضحى في 10 يونيو الجاري.
اتهامات بالتعذيب وانعدام الشفافية
المنظمات الحقوقية أشارت إلى وجود انتهاكات جسيمة رافقت إجراءات التحقيق والمحاكمة، أبرزها تعذيب المتهمين وانتزاع اعترافاتهم بالقوة، وعدم تمكينهم من تقديم دفاع قانوني فعال أو الاستئناف، إضافة إلى حرمانهم من الوثائق القضائية.
وتشير شهادات حصلت عليها المنظمات إلى أن بعض المتهمين، خاصة من الإثيوبيين والصوماليين والمصريين، قد يكونون ضحايا للاتجار بالبشر، أُجبروا على تهريب المخدرات تحت التهديد أو وعود كاذبة، دون أن يُمنحوا فرصة إثبات ذلك أمام القضاء السعودي.
وأكدت تلك المنظمات أن هذا النهج القضائي يُخالف القوانين السعودية ذاتها، فضلاً عن خرقه للمواثيق الدولية التي صادقت عليها المملكة، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والميثاق العربي لحقوق الإنسان.
مأساة الأسر: الجثامين تُحجب والمعلومات مفقودة
من صور الانتهاك الإنساني أيضًا، ما يعانيه أهالي المحكومين بالإعدام، إذ غالبًا ما يُنفذ الحكم دون إشعار مسبق، وتُحجب عن العائلات المعلومات الأساسية مثل موعد التنفيذ أو مكان الدفن.
وتُعلم الأسر غالبًا عن إعدام أبنائها عبر وسائل الإعلام الرسمية، ولا تُسلَّم الجثامين في معظم الحالات، مما يُضاعف ألم الفقد.
وقد دفعت هذه الممارسات اللجنة الأممية المعنية بالإعدامات خارج نطاق القضاء إلى دعوة السعودية في يونيو إلى وقف فوري لتنفيذ أحكام الإعدام في قضايا المخدرات، باعتبار أن هذا النوع من الجرائم لا يرقى إلى مستوى “أخطر الجرائم” التي يسمح القانون الدولي بتطبيق عقوبة الإعدام فيها.
تصعيد غير مسبوق رغم الوعود
رغم إعلان ولي العهد محمد بن سلمان في عام 2018 عزمه تقليص الاعتماد على عقوبة الإعدام، خاصة في القضايا غير المميتة، فإن الأرقام على الأرض تشير إلى تصعيد غير مسبوق.
ففي 2022، سجّلت السعودية أعلى معدل إعدامات في تاريخها (345 حالة)، وفي 2025، تجاوزت معدلات التنفيذ نظيرتها في الفترة نفسها من العام الماضي بنسبة 80%.
اللافت أن المملكة كانت قد علّقت تنفيذ أحكام الإعدام في قضايا المخدرات بين يناير 2021 ونوفمبر 2022، غير أن هذا التعليق لم يُترجم إلى تشريع دائم أو حتى سياسة مستقرة، ما يفتح الباب مجددًا أمام أحكام التعزير التعسفية التي تعتمد على تقدير القاضي دون معايير واضحة.
مطالب عاجلة
في ظل هذا التصعيد الخطير، طالبت المنظمات الموقعة على البيان السلطات السعودية بما يلي:
تخفيف أحكام الإعدام بحق كل من أُدين في قضايا لا تنطوي على قتل عمد، انسجامًا مع القانون الدولي.
إعلان وقف رسمي لتنفيذ الإعدامات تمهيدًا لإلغاء العقوبة بالكامل.
ضمان محاكمات عادلة وشفافة، وتوفير الدعم القانوني والقنصلي لكل المعتقلين الأجانب.
وختمت المنظمات بيانها بالتأكيد على أن الإبقاء على هذا النهج القاسي في التعامل مع قضايا المخدرات، لا يضع السعودية فقط في مواجهة القانون الدولي، بل يُعرّض حياة مئات الأبرياء لخطر الموت، ويُكرّس صورة قاتمة عن سجل المملكة في حقوق الإنسان، في وقت تسعى فيه لتقديم نفسها كقوة إقليمية “حداثية”.