تقرير حقوقي يظهر صورة قاتمة لحقوق الإنسان في السعودية

أظهر تقرير حقوقي سنوي صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش صورة قاتمة لحقوق الإنسان في السعودية بما في ذلك مواصلة حملة حكومية لقمع النشاط السلمي على وسائل التواصل الاجتماعي.
وبحسب المنظمة فقد عزّز ولي العهد محمد بن سلمان سلطته السياسية والاقتصادية، بما فيه كرئيس “صندوق الاستثمارات العامة”، وهو صندوق الثروة السيادي السعودي (الصندوق) الذي سهّل انتهاكات الحقوق واستفاد منها.
وتُستخدم استثمارات الصندوق في الأحداث الرياضية والترفيهية البارزة محليا ودوليا للتغطية على سجل حقوق الإنسان المزري في البلاد.
ويواجه العمال الوافدون، بما فيه في المشاريع الممولة من الصندوق، انتهاكات واسعة النطاق بموجب نظام الكفالة. تقمع السلطات السعودية بشدة أي معارضة، بما فيه بإصدار أحكام سجن طويلة أو عقوبة الإعدام، بعد محاكمات غير عادلة بتهم تتعلق بالتعبير السلمي في الإنترنت.
صندوق الاستثمارات العامة وعلاقته بالانتهاكات
بعد وفاة الملك عبد الله عام 2015، سيطر محمد بن سلمان على المؤسسات الأمنية والسياسية الرئيسية في السعودية، وعزّز سلطته السياسية والاقتصادية، بما فيه كرئيس وصانع قرار وحيد في صندوق الثروة السيادية السعودي، صندوق الاستثمارات العامة.
سهّل الصندوق واستفاد بشكل مباشر من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان مرتبطة بولي العهد محمد بن سلمان. يشمل ذلك حملة “مكافحة الفساد” التي شنها ولي العهد عام 2017، والتي تضمنت اعتقالات تعسفية وانتهاكات بحق المحتجزين وابتزاز ممتلكات من النخبة السعودية، وقتْل الناقد والصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018.
تُستخدم أموال من الصندوق في مشاريع تسببت في طرد السكان قسرا، وهدم الأحياء، وعرّضت العمال لانتهاكات خطيرة، وأسكتت المجتمعات المحلية.
وقد طردت السلطات السعودية قسرا أفرادا من قبيلة الحويطات، التي سكنت تبوك لقرون، من منطقة “نيوم” المخطط لها، واعتقلت الذين احتجوا على الإخلاء، وقتلت أحدهم. حُكم على اثنين من السكان بالسجن 50 عاما، وحُكم على ثلاثة آخرين بالإعدام لتصدّيهم لعمليّات الإخلاء القسري التي نفذتها الحكومة السعوديّة.
وأخلت “شركة وسط جدة للتطوير” المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، أعدادا كبيرة من السعوديين من الطبقة المتوسطة والدنيا والأجانب والعمال الوافدين من منازلهم في أحياء الطبقة العاملة التي كانت نابضة بالحياة في جدة لتحويلها إلى منطقة فاخرة للتسوق والسياحة.
تستخدم استثمارات الصندوق في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأماكن أخرى من العالم أيضا كأداة قوية لممارسة القوة الناعمة والنفوذ السعوديَّين.
تضمنت الاتفاقية الإطارية المبرمة في يونيو/حزيران 2023 بين “رابطة لاعبي الغولف المحترفين” (’بي جي إيه‘) و”ليف غولف” (LIV Golf) التي يمولها الصندوق “بند عدم تحقير” الذي يمنع مسؤولي رابطة اللاعبين من انتقاد سجل حقوق الإنسان السعودي.
حريات التعبير وتكوين الجمعيات والمعتقد
واصلت السلطات السعودية حملتها لقمع النشاط السلمي على وسائل التواصل الاجتماعي. في 29 مايو/أيار 2024، أدانت “المحكمة الجزائية المتخصصة” السعودية المتخصصة في مكافحة الإرهاب، المدرس السعودي أسعد الغامدي (47 عاما) بعدة جرائم جنائية تتعلق فقط بتعبيره السلمي في الإنترنت، وهو شقيق المدرس محمد الغامدي المتقاعد الذي حُكم عليه بالإعدام في يوليو/تموز 2023 بناء على منشوراته على “إكس” ونشاطه في “يوتيوب” فقط.
حثّت منظمات حقوقية حلفاء السعودية على إرسال مراقبين إلى جلسات محاكمة سلمى الشهاب ونورة القحطاني، اللتين حُكم عليهما بالسجن 34 و45 عاما على التوالي بناء فقط على نشاطهما السلمي على وسائل التواصل الاجتماعي. تتعلق منشورات الشهاب على إكس بدعم حقوق المرأة.
طالبو اللجوء والمهاجرون والعمال الوافدون
بين مارس/آذار 2022 ويونيو/حزيران 2023، قتل حرس الحدود السعوديون مئات المهاجرين وطالبي اللجوء الإثيوبيين الذين حاولوا عبور الحدود الجنوبية مع اليمن. تشكل هذه الجرائم جريمة ضد الإنسانية إذا ارتُكبت كجزء من سياسة حكومية سعودية لقتل المهاجرين.
يُشكل العمال الوافدون 42% من سكان البلاد. مع ذلك، ورغم مساهماتهم الكبيرة، يواجهون انتهاكات واسعة النطاق في مجال العمل في جميع قطاعات العمل والمناطق الجغرافية، وتتقاعس السلطات السعودية بشكل منهجي عن حمايتهم من هذه الانتهاكات، ومعالجتها.
قدَّم “الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب” شكوى إلى “منظمة العمل الدولية” ضد الحكومة السعودية بشأن ظروف المعيشة والعمل الاستغلالية بين العمال الوافدين المقيمين في السعودية قبل قرار “الاتحاد الدولي لكرة القدم” (الفيفا) في ديسمبر/كانون الأول بمنح السعودية حقوق استضافة “كأس العالم لكرة القدم 2034”.
يُمكِّن هذه الانتهاكات نظام الكفالة في السعودية الذي يربط الوضع القانوني للعمال الوافدين بأصحاب عملهم. لا يعالج الإطار القانوني والتنظيمي في السعودية الانتهاكات واسعة النطاق لنظام الكفالة الذي يمنح أصحاب العمل سيطرة واسعة النطاق على حياة العمال رغم عدة حزم من إصلاحات العمل.
بالإضافة لذلك، تمنع القيود التي تفرضها السعودية على حرية التعبير العمال من إنشاء نقابات والمفاوضة الجماعية من أجل حماية أفضل للعمال.
تواصل الحكومات إعطاء الأولوية للتجارة والمصالح الاستراتيجية الأخرى مع السعودية على حقوق الإنسان. أعلنت الحكومة البريطانية الجديدة استئناف المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة مع “مجلس التعاون الخليجي”، رغم المخاوف المستمرة من الافتقار إلى الشفافية والإشراف وإدراج حماية والتزامات ملموسة لحقوق الإنسان في أي اتفاقية، وخاصة للعمال الوافدين.
نظام العدالة الجنائية
الانتهاكات المتفشية في نظام العدالة الجنائية في السعودية والتي تقوّض سيادة القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان موثقة. ينتهك قانون مكافحة الإرهاب الإجراءات القانونية الواجبة وحقوق المحاكمة العادلة بمنح السلطات سلطات واسعة لاعتقال واحتجاز الأشخاص دون إشراف قضائي.
تستمر السلطات السعودية باستخدام أحكام فضفاضة وغامضة في قانون مكافحة الإرهاب سيء السمعة لإسكات المعارضة واضطهاد الأقليات الدينية. حُكِم على أسعد ومحمد الغامدي وسلمى الشهاب ونورة القحطاني بموجب قانون مكافحة الإرهاب السعودي لممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير في الإنترنت.
عقوبة الإعدام
في أبريل/نيسان، أيدت محكمة سعودية حكم إعدام رجلين سعوديين بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بالاحتجاج عندما كانا طِفلَيْن، رغم تصريحات “هيئة حقوق الإنسان” السعودية التي زعمت أنه لن يُعدم أي شخص في السعودية بسبب جريمة ارتكبها عندما كان طفل.
كان سنّ يوسف المناسف وعلي المبيوق، وكلاهما من المنطقة الشرقية حيث تعيش معظم الأقلية الشيعية في البلاد، بين 14 و17 عاما عندما قُبض عليهما. لا يزال خمسة أشخاص على الأقل حُكِم عليهم بالإعدام وهم أطفال معرضين لخطر الإعدام الوشيك.
حقوق المرأة
لا يوجد في السعودية قانون لمكافحة التمييز. ينص أول قانون سعودي مدوّن للأحوال الشخصية على ولاية الرجل على المرأة رسميا ويتضمن أحكاما تُسهّل العنف الأسرة والاعتداء الجنسي في الزواج. لم تستشر الحكومة ناشطات حقوق المرأة السعوديات رغم حملاتهن من أجل قانون للأحوال الشخصية ينهي التمييز ضد المرأة.
بدلا من ذلك، واجهت ناشطات حقوق المرأة السعوديات الاعتقال والاحتجاز التعسفيين والتعذيب وحظر السفر.
يتطلب قانون الأحوال الشخصية من المرأة الحصول على إذن من ولي الأمر، وعادة ما يكون والدها أو أخوها، للزواج، ويُطلب من المرأة المتزوجة طاعة زوجها “بالمعروف”.
إذا رفضت المرأة دون “عذر مشروع” ممارسة الجنس مع زوجها، أو الانتقال إلى منزل الزوجية الذي يوفره لها أو المبيت فيه، أو السفر معه، تفقد حقها في النفقة الزوجية من زوجها، والتي تشمل الطعام والسكن والكسوة [اللباس] وغيرها من “الحاجيات الأساسية”.
للرجال الحق في تطليق زوجاتهم من جانب واحد، في حين لا تستطيع النساء تقديم التماس إلى المحكمة لفسخ عقد الزواج إلا لأسباب محدودة ويجب أن تثبت “وقوع الضرر” الذي يجعل استمرار الزواج “متعذرا”.
ولا يحدد القانون “الضرر” أو ما هي الأدلة التي يمكن تقديمها لدعم القضية، مما يترك للقضاة سلطة تقديرية واسعة لتفسير القانون وإنفاذه للحفاظ على الوضع الراهن.
يظل الأب الوصي الافتراضي على أطفاله، مما يحد من قدرة الأم على المشاركة الكاملة في القرارات المهمة المتعلقة بطفلها، حتى في الحالات التي لا يعيش فيها الوالدان معا وعندما تقرر المحكمة أن الطفل يجب أن يعيش مع الأم. لا يمكن للأم أن تكون وصية على أطفالها إلا إذا عينتها المحكمة.
تواجه النساء في السعودية قيودا تمنعهن من التنقل بحرية في بلدهن وخارجه دون إذن من ولي أمرهن الذكر. يمكن للأوصياء الذكور وأفراد العائلة الآخرين الإبلاغ عن النساء للشرطة لكونهن “غائبات” عن منازلهن، مما قد يؤدي إلى اعتقالهن وإعادتهن قسرا إلى منزلهن أو سجنهن. لا يُسمح للنساء بمغادرة السجن دون ولي أمر ذكر لمرافقتهن عند الإفراج عنهن.
تتطلب بعض الجامعات من الطالبات إثبات حصولهن على إذن من ولي أمرهن قبل أن يتمكنَّ من الذهاب في رحلات ميدانية أو البقاء في الحرم الجامعي أو مغادرته. تسمح السلطات السعودية لولي الأمر بالحصول على أوامر من المحكمة أو ببساطة إخطار السلطات بإصدار حظر سفر على النساء اللاتي تحت وصايتهم.
يتعين على الطالبات غير السعوديات الحاصلات على منحة دراسية أن يكون معهن محرم (قريب ذكر) أثناء دراستهن في السعودية.
التكنولوجيا والحقوق
استضافت السعودية “منتدى الأمم المتحدة السنوي لحوكمة الإنترنت” الذي أقيم في الرياض من 15 إلى 19 ديسمبر/كانون 2024. دعت هيومن رايتس ووتش مع جماعات حقوقية أخرى الحكومة السعودية إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين تعسفيا بسبب تعبيرهم على الإنترنت قبل المنتدى.
وتتعارض استضافة السعودية للمنتدى مع قيم المنتدى، خاصة وأن موضوع منتدى حوكمة الإنترنت لعام 2024 كان يتمحور حول تعزيز حقوق الإنسان والإدماج في العصر الرقمي.