رؤية 2030 في مهب الريح: أرقام صادمة تكشف تعثر اقتصاد السعودية

بعد سنوات من الترويج الطموح لمشاريع ضخمة تحت راية “رؤية السعودية 2030″، تتكشف تباعاً مؤشرات اقتصادية صادمة تُلقي بظلالها على مستقبل الاقتصاد السعودي، وتكشف عن تعثر واضح في تحقيق الأهداف التي تبناها ولي العهد محمد بن سلمان لإنقاذ اقتصاد المملكة من ارتهانه لعائدات النفط.
ففي أحدث ضربة موجعة لطموحات المملكة الاقتصادية، أظهر بيان مالي حديث أن أرباح صندوق الاستثمارات العامة – الذراع الاستثمارية الأساسية لرؤية 2030 – انهارت بنسبة 60% خلال عام 2024 مقارنة بالعام السابق.
إذ تحولت أرباح الصندوق البالغة 138.1 مليار ريال في 2023 إلى خسائر صادمة وصلت إلى نحو 140 مليار ريال في 2024، بفعل خسائر غير محققة وتراجع قيمة الأصول، تحت وطأة ارتفاع معدلات الفائدة العالمية وضغوط التضخم.
هذا الأداء الضعيف يثير قلق المراقبين، خصوصاً أن الصندوق يعد ركيزة أساسية لتمويل المشاريع العملاقة مثل نيوم وذا لاين والقدية وغيرها، والتي تُقدَّر تكلفتها بمئات المليارات من الدولارات.
تراجع الاستثمارات الأجنبية… هدف بعيد المنال
على صعيد جذب الاستثمارات الأجنبية، التي تعد محوراً رئيسياً في الرؤية، سجّل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية تراجعاً بنسبة 7% خلال الربع الأول من عام 2025، مسجّلاً 22.2 مليار ريال مقارنة بـ24 مليار ريال في الربع السابق.
وهو تراجع يأتي في وقت تحاول فيه الرياض جاهدة تحقيق هدف طموح بجذب استثمارات أجنبية مباشرة تصل إلى 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030، إلا أن الأرقام الحالية تشير إلى أن المملكة لا تزال بعيدة جداً عن هذا الهدف، ما يثير تساؤلات حول قدرة البلاد على الحفاظ على زخم مشاريعها العملاقة دون استثمارات خارجية ضخمة.
ذكريات الفورة النفطية… والواقع المرير
قبل نحو عقدين، وفي ظل طفرة نفطية استثنائية، شهدت السعودية نمواً اقتصادياً هائلاً، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية من 1.2 تريليون ريال في 2005 إلى 2.8 تريليون ريال في 2014، أي بزيادة تجاوزت 140%.
آنذاك تدفقت الإيرادات النفطية، فارتفع الإنفاق الحكومي من 346 مليار ريال في 2005 إلى أكثر من 1100 مليار ريال في 2014، بزيادة تتجاوز 215%. كما انفقت الدولة بسخاء على التعليم وبرامج الابتعاث، لكن هذه الفورة لم تُترجم إلى إصلاحات اقتصادية هيكلية عميقة، باستثناء محاولات جزئية لإصلاح سوق العمل ورفع نسب التوطين.
غير أن هذا النموذج الاقتصادي القائم على الإنفاق الحكومي والريع النفطي بدا هشاً أمام تقلبات أسعار النفط. ومع تراجع أسعار الخام إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل، تكشفت أزمة جديدة تهدد قدرة المملكة على المضي في مشروعاتها الطموحة دون اللجوء إلى احتياطياتها المالية.
وتمتلك المملكة احتياطيات أجنبية تتجاوز 2.5 تريليون ريال، إلا أن مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي حذّرت من أن هذه الاحتياطيات قد تتآكل خلال خمس سنوات في حال استمرار مستويات العجز الحالية.
ففي 2015، انخفضت الإيرادات الحكومية إلى نحو 600 مليار ريال مقارنة بأكثر من 1100 مليار في 2014، في حين يتوقع أن يتجاوز العجز في الموازنة 400 مليار ريال هذا العام، وهو مستوى مرتفع ينذر بمخاطر على الاستقرار المالي.
المشاريع العملاقة بين الطموح والتكلفة الباهظة
على الرغم من التحديات، لم تتراجع الحكومة عن المضي قدماً في مشاريعها العملاقة، إلا أن ارتفاع الفوائد العالمية وزيادة تكاليف التمويل ألقيا بظلالهما على تلك المشاريع.
بات تمويل مدينة نيوم – المشروع الأضخم في الرؤية – ومشاريع مثل ذا لاين والقدية مرهوناً بقدرة المملكة على جذب مستثمرين أجانب وتحقيق إيرادات كافية من صندوق الاستثمارات العامة، وهو ما بدا مهدداً في ضوء أرقام الأرباح المخيبة للصندوق.
في سياق متصل، لا يزال الاقتصاد السعودي يعتمد على العمالة الأجنبية بشكل كبير. فقد ارتفع عدد العمالة الوافدة في القطاع الخاص من 3.6 مليون عامل في 2005 إلى نحو 5.7 مليون في 2014، بزيادة تقترب من 58%.
ومع التوجه نحو التوطين في الرؤية، تواجه المملكة تحدياً مزدوجاً: تقليص العمالة الوافدة من جهة، وضمان توفير فرص عمل كافية للشباب السعودي من جهة أخرى، في اقتصاد يواجه ضغوطاً مالية غير مسبوقة.
في ظل هذه التطورات، يواجه محمد بن سلمان معضلة حقيقية بين طموح رؤية 2030 وواقع اقتصادي يفرض قيوده.
وبينما لا تزال الرياض تبث رسائل الثقة حول تحقيق أهدافها الكبرى، تتزايد الأصوات المشككة في الداخل والخارج حول جدوى الاستمرار في المشاريع العملاقة دون إصلاح اقتصادي أعمق يحرر المملكة من الارتهان الكامل للنفط، ويعزز استقرارها المالي بعيداً عن أرقام العجز المتضخمة والخسائر الاستثمارية الثقيلة.