فضائح السعودية

سجون بلا قضبان: دور الرعاية السرية في السعودية وأدوات قمع للنساء “العاصيات”

في لقطة مسرّبة من مدينة في شمال غرب السعودية، تظهر شابة ترتدي عباءة سوداء تقف على حافة نافذة في الطابق الثاني من مبنى متداعٍ، قبل أن تتدخل مجموعة من الرجال لإنزالها باستخدام رافعة.

لم تُعرَف هويتها، لكن ناشطين يقولون إنها واحدة من مئات النساء والفتيات المحتجزات في ما يُعرف بـ”دور الرعاية” السرية، والتي تعمل كسجون مغلقة تستهدف من تعتبرهن الدولة “عاصيات” أو “منحرفات أخلاقيًا”.

رغم حملة الانفتاح الإعلامي التي تقودها المملكة، خاصة بعد فوزها باستضافة كأس العالم 2034، فإن ما يحدث داخل هذه المرافق لا يزال طي الكتمان.

وعلى مدى الأشهر الماضية، جمعت صحيفة الغارديان شهادات صادمة لنساء احتُجزن داخل هذه المؤسسات التي تدّعي “إعادة التأهيل”، بينما تصفها الناجيات بأنها “أماكن للتعذيب النفسي والجسدي، وسجون غير معلنة ترضخ فيها المرأة للعقاب لا الإصلاح”.

“عقوبات مقدسة”.. الجلد والعزل وإجبار على الطاعة

تشير الشهادات إلى أن الحياة داخل هذه المرافق تخضع لنظام تأديبي صارم، يشمل الجلد الأسبوعي، دروسًا دينية قسرية، منع الزيارات والتواصل مع العالم الخارجي، وحتى اختبارات عذرية. ويتم احتجاز النساء بناءً على شكوى من الأب أو الزوج أو أحد الأقارب، وعادة ما يُمنعن من الخروج إلا بموافقة “ولي الأمر”.

تقول مريم الدوسري، ناشطة سعودية مقيمة في لندن: “يمكن أن تُحتجز الفتاة لسنوات، ببساطة لأنها رفضت الزواج، أو حاولت الهرب من عنف أسري”. وتضيف: “هذه المرافق لا تملك أي إطار قضائي حقيقي، بل تقوم على السلطة الأبوية وحدها”.

شهادات من الداخل: “عندما ذكرت اسمي.. جُلدت”

سارة اليحيى، إحدى أبرز الناشطات المطالبات بإلغاء هذه المرافق، تقول إنها تحدثت إلى عشرات الفتيات اللواتي خضعن لتفتيش عارٍ عند الوصول، وأُجبرن على تناول مهدئات، وتعرضن للتجريد من هوياتهن. “كانوا ينادوننا بالأرقام. من تتحدث باسمها، تُجلد. من تُضبط بمفردها مع أخرى، تُتهم بالشذوذ وتُعاقب”، تروي إحدى الناجيات.

أما ليلى، فاحتُجزت في دار للرعاية بعد أن تقدمت بشكوى ضد والدها وإخوتها بتهم اعتداء جسدي، لتجد نفسها متهمة بـ”جلب العار”. لم يُطلق سراحها إلا بعد موافقة والدها، المعتدي نفسه، على ذلك.

دار أم سجن؟ الخيار بين الهروب أو الزواج القسري

تشير ناشطات حقوقيات إلى أن النساء الهاربات من العنف غالبًا ما يجدن أنفسهن أمام خيارين: العودة إلى بيت مسيء، أو الإقامة القسرية في دار رعاية مغلقة، قد تُحتجز فيها المرأة إلى أجل غير مسمى، أو تُعرض للزواج القسري ممن يوافق على “انتشالها”.

تقول ناشطة سعودية تقيم في المنفى: “هناك رجال كبار في السن أو سجناء سابقون يُمنحون فرصة “تبنّي” إحدى الفتيات بالزواج منها، فتقبل بذلك هربًا من الجحيم”. أما من ترفض، فلا يبقى أمامها سوى القفز من النافذة.

أمينة، شابة لجأت إلى إحدى دور الرعاية في مدينة بريدة بعد تعرضها للضرب من والدها، وصفت المكان بأنه “مهمل، كئيب، ولا يُوفر أي حماية”.

وعندما استُدعي والدها إلى الدار، طُلب من الطرفين توقيع وثيقة “شروط”، كان منها ألّا تُجبر على الزواج أو تُضرب مجددًا. لكن أمينة وقعت خوفًا، وعادت إلى نفس جحيم العنف الذي دفعها للهروب، حتى اضطرت لاحقًا إلى مغادرة البلاد سرًا.

شمس، كانت في السادسة عشرة من عمرها عندما استمعت في المدرسة إلى شهادة صادمة من امرأة حُبلى أُرسلت إلى دار الرعاية بعدما تبرأ منها والدها ورفض تزويجها من الرجل الذي ارتبطت به. “قالت لنا إن الرجل يبقى رجلاً، أما المرأة التي تُخطئ، فستبقى رخيصة للأبد”، تروي شمس.

صمت رسمي وشهادات مروعة

في رد رسمي، نفت الحكومة السعودية وجود أي احتجاز قسري أو إساءة معاملة في هذه المؤسسات، مؤكدة أنها “مرافق دعم” للفئات الضعيفة، وأن النساء “حرّات في المغادرة في أي وقت”. إلا أن منظمات حقوقية سعودية ودولية تشكك في هذه الادعاءات، وتؤكد أن دار الرعاية ليست سوى أداة رقابة اجتماعية لقمع المرأة.

تقول فوزية العتيبي، ناشطة سعودية فرت من البلاد عام 2022: “هذه المرافق تكرّس الصمت والخوف. لا أحد يجرؤ على الحديث عنها، وإن دخلتها فتاة، فلن يسأل عنها أحد”. بينما تقول منظمة “القسط” إن دور الرعاية تمثل “تناقضًا صارخًا مع رواية تمكين المرأة التي تروّجها الحكومة”، وتطالب بإغلاقها فورًا.

وتختتم نادين عبد العزيز، مسؤولة الحملات في المنظمة: “إن كانت السلطات السعودية جادة فعلًا في تمكين المرأة، فلتلغِ هذه المرافق وتوفر ملاجئ حقيقية للضحايا، لا أدوات لعقابهن”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى