ثماني سنوات على ولاية العهد: محمد بن سلمان وتكريس الدولة القمعية

قبل نحو ثماني سنوات وتحديدا في الحادي والعشرين من يونيو 2017، تولّى محمد بن سلمان منصب ولي العهد في المملكة، فاتحًا بذلك صفحة جديدة من تاريخ البلاد، وواعدًا بإصلاحات كبرى وتحديث اقتصادي واجتماعي.
لكن بعد مرور ثماني سنوات على ذلك اليوم، تظهر الصورة الحقيقية لعهده أكثر قتامة: حكم فردي مطلق، قمع ممنهج، وفضائح مدوّية تطال شخصه ونظامه.
ورغم الترويج لسياسات التغيير والانفتاح، فإن تلك السياسات لم تكن سوى واجهة لحكم ديكتاتوري مركزي يضيّق الخناق على المعارضين، ويصفي الحسابات داخليًا وخارجيًا، ويعيد إنتاج السلطة على نحو أكثر استبدادية.
الحكم الفردي
منذ صعوده السريع داخل هرم الحكم، حرص محمد بن سلمان على إحكام قبضته على مفاصل الدولة، وفرض سلطة مركزية مطلقة بيد شخص واحد.
فقد ألغى محمد بن سلمان فعليًا ما تبقى من آليات التشاور داخل الأسرة، وأبعد كبار الأمراء، واعتقل بعضهم في حملة فندق الريتز كارلتون عام 2017 تحت ذريعة “مكافحة الفساد”.
لكن تلك الحملة، التي وصفت بأنها “ابتزاز ممنهج”، كانت تهدف بالأساس إلى مصادرة الثروات وترهيب أي مراكز قوى داخل العائلة المالكة.
قمع سياسي شامل
أهم سمات حقبة محمد بن سلمان هي القمع السياسي غير المسبوق، والذي طال كل من عبّر عن رأي مخالف، من إسلاميين إلى ليبراليين، من نشطاء حقوقيين إلى فنانين ومدونين. لم يسلم أحد من القبضة الحديدية.
من أبرز ضحايا قمع محمد بن سلمان الصحفي جمال خاشقجي، الصحفي الذي قُتل بوحشية داخل قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018، في جريمة هزت العالم وكشفت عن وجه النظام الحقيقي.
اعتقال ناشطات بارزات أمثال لجين الهذلول وسمر بدوي ونوف عبد العزيز، وجميعهن ناشطات سعوديات تم اعتقالهن وتعذيبهن بسبب مطالبتهن بحقوق المرأة.
اعتقال المئات من معتقلي الرأي ممن تم توقيفهم في السر وتغييبهم قسريًا، في حملة استهدفت كل من يخرج عن خط الدعاية الرسمية.
إلى جانب ذلك، عزز بن سلمان أجهزة الرقابة الإلكترونية والمراقبة الشاملة. فباستخدام أدوات تجسس متقدمة مثل برنامج “بيغاسوس”، تمت ملاحقة المعارضين في الداخل والخارج، حتى أولئك الذين يعيشون في أوروبا وأمريكا.
بموازاة ذلك لم تعد المحاكم في السعودية ساحة للعدالة، بل تحوّلت إلى أداة في يد ولي العهد لتصفية الخصوم وإسكات المعارضين. تُصدر أحكام الإعدام أو السجن لسنوات طويلة بناء على تهم فضفاضة مثل “الإضرار بالوحدة الوطنية” أو “مخالفة توجه الدولة”، وغالبًا دون محاكمة عادلة أو محامين مستقلين.
في أغسطس 2022، صدمت السعودية العالم بحكمها على سلمى الشهاب، طالبة الدكتوراه، بالسجن 34 عامًا بسبب تغريدات على تويتر، في رسالة واضحة: ل.
فضائح شخصية لولي العهد
في الوقت الذي يفرض فيه بن سلمان برامج تقشفية وضرائب جديدة على السعوديين، يتصدّر اسمه عناوين الصحف العالمية بسبب فضائحه الشخصية، من بينها:
شراء قصر لويس الرابع عشر في فرنسا، المصنّف كأغلى قصر في العالم، مقابل أكثر من 300 مليون دولار.
اقتناء لوحة “سالفاتور موندي” المنسوبة إلى ليوناردو دافنشي بسعر 450 مليون دولار.
حيازة يخت فاخر يُقدّر بـ500 مليون دولار، اشترى بعض أجزائه بعد لقائه برؤساء شركات أوروبية.
هذه النفقات الفاحشة تأتي في وقت يعاني فيه المواطن السعودي من تآكل الدخل وارتفاع البطالة والأسعار.
سياسة خارجية متهورة وكارثية
على المستوى الخارجي، أظهرت سنوات حكم محمد بن سلمان تهورًا دبلوماسيًا وعسكريًا غير مسبوق:
الحرب في اليمن: التي بدأت حين كان وزيرًا للدفاع، تحولت إلى كارثة إنسانية بتكلفة هائلة، دون أن تحقق أهدافها.
حصار قطر عام 2017: انقلب على السعودية وأضرّ بسمعتها، قبل أن تُضطر للتراجع دون تحقيق مكاسب.
وبالإجمال فإنه بعد ثماني سنوات من حكم محمد بن سلمان الفعلي، تتكشف ملامح نظام لا يقبل النقد، ولا يعترف بالتعدد، ويستخدم العنف والمال والصورة الإعلامية لتلميع واقع قمعي استبدادي.
ورغم محاولات بناء صورة “الزعيم الشاب المجدد”، إلا أن الحقيقة على الأرض تقول إن السعودية اليوم أقرب إلى دولة بوليسية يقودها شخص واحد، دون مساءلة أو شفافية.
ويؤكد مراقبون أن ذكرى تولي محمد بن سلمان ولاية العهد لم تعد مناسبة لتقييم إصلاحات، بل لحساب تدهور صورة ومكانة المملكة، حيث دفعت البلاد ثمنًا باهظًا على صعيد الحقوق، والمؤسسات، والهوية الوطنية الجامعة.