أخبار

استنفار سعودي في مواجهة بوادر انتفاضة شعبية: “الملثمون الأحرار” نموذجاً

تشهد السعودية خلال الساعات الأخيرة مؤشرات غير مسبوقة على بروز انتفاضة شعبية عبر حالة من التمرد الصامت ضد استبداد النظام الحاكم.

ووسط أجواء من القمع المُمنهج وسحق الحريات العامة، اندلعت عبر منصة “إكس” (تويتر سابقاً) حملة احتجاجية موجهة ضد نظام الحكم المطلق الذي يقوده محمد بن سلمان، عنوانها: الملثمون الأحرار.

ما بدأ كمبادرات فردية لأشخاص ملثمين يتحدثون عن الظلم والاستبداد الذي يعصف بالبلاد، تحول إلى ما يشبه “كرة ثلج”، تتدحرج سريعاً وسط مناخ عام مشحون بالاحتقان والغيظ.

ويبدو أن صدمة النظام كانت واضحة، حيث تشير المعطيات إلى حالة استنفار غير معلنة في الأجهزة الأمنية، في ظل العجز عن احتواء أو تفكيك هذه الحملة الرقمية المتصاعدة، والتي كسرت حاجز الصمت والخوف بطريقة جديدة.

التعبير المقنّع في وجه القمع العاري

الظهور الملثم في المقاطع المنتشرة يعبّر عن تطور لافت في خطاب الاحتجاج الشعبي داخل السعودية؛ إذ لم يعد الصمت ولا “الهروب إلى الخارج” هما الخيارين الوحيدين أمام المعارضين.

بل إن حالة الخوف باتت تُوظف كأداة من أدوات المقاومة نفسها. فالمتحدثون – من خلف الأقنعة – لم يخفوا غضبهم من سياسات ولي العهد الذي “ضيّق على الشعب بأموالهم، واستفزهم بعقيدتهم، وأوهمهم بمشاريع وهمية”، كما قال أحدهم.

في المقاطع الثلاثة الأولى، والتي أعاد يحيى عسيري – الناشط المعارض والعضو المؤسس لحزب التجمع الوطني – نشرها، برزت لغة جديدة تعبّر عن وعي جماعي يرفض الاستبداد، ويطالب بتغيير سلمي شامل.

فالنقد لم يقتصر على غياب الحريات السياسية فقط، بل شمل القضايا المعيشية والاقتصادية، وأشار إلى سجن المعارضين، ومصادرة الأموال، ومنع السفر، وتفاقم معاناة “البدون”.

الملثمون… ثورة رقمية في طور التكوّن

استحدث يحيى عسيري مجتمعاً رقمياً على منصة “إكس” تحت اسم “الملثمون الأحرار”، وكتب معرّفاً به: “فتح نافذة آمنة للتعبير عن الرأي ومقاومة الاستبداد والدفاع عن المظلومين والحقوق”. هذا المجتمع يوفّر مساحة بديلة للمواطنين للتعبير عن معاناتهم في ظل دولة بوليسية لا تتسامح مع النقد العلني.

في هذا السياق، دعت ناشطات مثل “ثريا” إلى الحذر الشديد في المشاركة، مؤكدة أن “سلامتك فوق أي اعتبار”، في حين دعت عسيري النساء إلى لبس النقاب والمشاركة بأمان، وأشار إلى أهمية التمويه لحماية الهوية. هذه التعليمات الأمنية تعكس مدى خطورة البيئة السياسية السعودية، التي تجرّم حرية التعبير وتصنف كل نقد للسلطة باعتباره خيانة أو إرهاباً.

خوف النظام من شرارة التمرد

رد الفعل الصامت حتى الآن من السلطات السعودية يعكس قلقاً عميقاً. فالنظام الذي استثمر مليارات الدولارات في بناء آلة دعائية تروّج لـ”الانفتاح” و”النهضة الاقتصادية”، يجد نفسه عاجزاً أمام مجموعة من الشباب يخفون وجوههم، لكنهم يقولون كلاماً لم يُسمع من الداخل منذ سنوات.

الاستنفار الأمني يبدو محتملاً جداً، خصوصاً مع توسّع المشاركة وانتقال الحملة إلى مختلف المناطق. النظام الذي قضى على المجال العام، وكمّم أصوات العلماء والمفكرين والناشطين، يواجه الآن جيلاً جديداً لا يخضع لمعادلات الخوف القديمة.

الخطير بالنسبة للسلطات، أن هذه الحركة تُعيد بناء الوعي الجمعي داخل المجتمع السعودي، وتذكّر الناس أن الاستبداد ليس قدراً أبدياً، بل وضع يمكن تغييره.

وقد يكون أخطر ما تخشاه الدولة هو أن تتحوّل هذه الحملة الرمزية إلى تحركات فعلية على الأرض، كما لمّح بعض المشاركين عندما أشاروا إلى أن الملثمين “لن يتوقفوا هنا، بل في جعبتهم المزيد، كالمظاهرات”.

الهروب إلى القمع

من غير المستبعد أن تلجأ الدولة في الأيام المقبلة إلى أساليبها التقليدية في الرد: الاعتقالات العشوائية، محاكمات صورية، إغلاق الحسابات، وشن حملات إعلامية لتشويه المشاركين.

لكن هذا السلوك القمعي قد يكون هذه المرة عديم الجدوى، لأن الحملة ليست قائمة على وجوه أو شخصيات معروفة، بل على فكرة منتشرة ومرنة، صعبة الاحتواء.

ومثلما أثبتت تجارب سابقة في المنطقة العربية، فإن تراكم الاستبداد والفساد وغياب العدالة يؤسس لتراكم الغضب، والغضب إن لم يجد منفذاً آمناً للتعبير، فإنه ينفجر.

ولا يمكن الجزم حالياً بأن المملكة على أعتاب ثورة شعبية شاملة، لكن المؤشرات تتكاثف على أن حالة الغليان الشعبي وصلت إلى درجة غير مسبوقة. وحملة “الملثمون الأحرار” ليست سوى رأس جبل الجليد في مجتمع كُتم صوته لعقود، وتمت فيه شيطنة المعارضة وتجريم التغيير.

وفي ظل استمرار النظام السعودي في سياساته القمعية، وتجاهله لمطالب الإصلاح الحقيقي، فإن أي شرارة قد تفضي إلى انفجار لا يمكن التحكم به، وقد تكون المقاطع التي بدأها ثلاثة ملثمون بداية لحدث كبير يعيد رسم المشهد السياسي في واحدة من أكثر دول العالم انغلاقاً واستبداداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى