السعودية وإسرائيل: تعاون سرّي يفضح الوجه الحقيقي للتطبيع

في خطوة تكشف الوجه الحقيقي للتطبيع ومدى التناقض بين الخطاب العلني والسياسة الفعلية، أفادت تقارير إعلامية بأن السعودية قدّمت دعمًا سرّيًا لإسرائيل في اعتراض الطائرات المسيّرة الإيرانية خلال ما عُرف بـ«حرب الأيام الـ12».
هذه المعلومات تفضح، وفق مراقبين، الوجه الخفي للتقارب السعودي-الإسرائيلي، الذي يتسارع خلف الكواليس رغم التصريحات الرسمية التي تدّعي الحرص على “القضية الفلسطينية” ومواقف مبدئية من الصراع الإقليمي.
ففي الوقت الذي سارعت فيه السعودية إلى إعلان موقف علني يرفض الهجوم الإسرائيلي على إيران، ووصفت طهران بأنها «دولة شقيقة» في بيان رسمي صدر ضمن موقف موحّد لـ21 دولة ذات أغلبية مسلمة، تكشف التقارير عن تعاون عسكري استخباري مباشر مع إسرائيل، يطعن في صدقية هذه المواقف.
وبحسب صحيفة إسرائيل هيوم العبرية، فإن القوات الجوية السعودية أطلقت طائرات مروحية عسكرية لاعتراض وتدمير طائرات مسيّرة إيرانية كانت تحلّق في أجواء إقليمية، خاصة فوق العراق والأردن.
وبحسب الصحيفة فإن هذه الطائرات المسيّرة، التي يُحتمل أنها كانت متجهة نحو أهداف داخل إسرائيل، جرى إسقاطها قبل اختراق الأجواء الإسرائيلية، بذريعة حماية المجال الجوي السعودي. غير أن توقيت هذا “الاعتراض” وطبيعته لا يمكن فصلهما عن المصلحة الإسرائيلية في منع أي ضربات إيرانية.
تطبيع يتجاوز “التصريحات”
التقرير الجديد يضيف حلقة أخرى إلى سلسلة من المؤشرات على تعاون سعودي-إسرائيلي آخذ في الاتساع، رغم بقاءه في إطار السرية.
فقد سبق أن ظهرت ادعاءات بأن السعودية سمحت لإسرائيل بإسقاط صواريخ إيرانية داخل المجال الجوي السعودي، إضافة إلى مشاركة المملكة في تقديم بيانات مراقبة جوية وأمنية لإسرائيل، خاصة في شمال المملكة حيث يُعتقد أن الصواريخ الإيرانية تمر غالبًا في طريقها إلى أهداف إسرائيلية.
وقال ستيفان لوكاس، مؤسس شركة “عقول الشرق الأوسط” للاستشارات السياسية، إن “السعودية تتبع مسارًا مختلفًا تمامًا. غير رسميًا، تشارك المملكة في التحرك ضد إيران”. وأضاف: “السعودية توفّر بيانات الرادار وتغض الطرف عن دخول الطائرات الإسرائيلية مجالها الجوي، لا سيما في شمال المملكة، حيث تمر معظم الصواريخ الإيرانية. لقد رأينا أن السعودية تتعاون مع إسرائيل بدرجة كبيرة”.
الأردن يعلن… والسعودية تصمت
كانت الأردن الدولة العربية الوحيدة التي اعترفت علنًا بأنها شاركت في إسقاط الطائرات المسيّرة الإيرانية التي خرقت أجواءها، وبرّرت ذلك بالدفاع عن النفس بعد أن تسببت بعض الطائرات الإيرانية بأضرار داخل أراضيها.
أما السعودية، التي تصف إيران بأنها خصم استراتيجي منذ عقود، فقد آثرت الصمت المطبق بشأن أي دور لها، في مؤشر على حساسية الملف وخشية المملكة من ردة الفعل الشعبية والإقليمية.
هذا التناقض بين المواقف العلنية والتصرفات الفعلية يعكس عمق الأزمة الأخلاقية والسياسية في مسار التطبيع السعودي-الإسرائيلي، الذي تُقدمه الرياض إلى شعبها والمنطقة باعتباره “مشروع سلام” بينما يتضح أكثر فأكثر أنه تحالف أمني وعسكري موجه ضد خصوم إقليميين وفي مقدمتهم إيران.
حماية المصالح لا المبادئ
اللافت أن هذا التعاون يجري بينما لا تزال السعودية ترفع في المحافل العربية والدولية شعارات الدفاع عن فلسطين ورفض الاحتلال الإسرائيلي. لكنها في الواقع توظف علاقاتها السرية مع تل أبيب لضمان حماية أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية، ولو على حساب المواقف المبدئية المعلنة.
التعاون العسكري مع إسرائيل، خاصة في مجال الدفاع الجوي واعتراض الطائرات المسيّرة، لا يمكن تفسيره إلا باعتباره جزءًا من ترتيبات أكبر، تُحاك منذ سنوات بين الرياض وتل أبيب وبدفع أميركي.
فإسرائيل، التي تتبنى سياسة الضربات الاستباقية ضد إيران، ترى في السعودية شريكًا إقليميًا مهمًا للحد من النفوذ الإيراني. في المقابل، تعتبر السعودية أن إسرائيل قد تكون حليفًا مفيدًا في مواجهة التهديدات الإيرانية، سواء في اليمن أو الخليج أو العراق.
سباق التسلّح يفتح أبواب التطبيع
من الناحية العسكرية، تُعتبر السعودية واحدة من أقوى الجيوش في المنطقة، مدعومة بترسانة ضخمة من السلاح الأميركي. منذ صفقة السلاح التاريخية مع إدارة ترامب عام 2017، التي أُعلن لاحقًا عن توسعتها خلال زيارة ولي العهد محمد بن سلمان إلى واشنطن، تستمر المملكة في تعزيز قدراتها الدفاعية.
وكانت السعودية قد أعلنت مؤخرًا تشغيل أول دفعة من منظومة الدفاع الصاروخي الأميركية THAAD داخل أراضيها، وهي أنظمة متطورة لاعتراض الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى.
وفيما تؤكد وزارة الدفاع السعودية أن الهدف من تشغيل هذه المنظومات هو “تعزيز قدرات الدفاع الجوي وحماية المناطق الاستراتيجية”، يرى مراقبون أن جزءًا من هذه المنظومات قد يكون موجهًا لرصد أي تحركات إيرانية قد تهم إسرائيل بقدر ما تهم السعودية نفسها.
الغضب الشعبي… وحسابات السلطة
يبقى السؤال الأهم: إلى متى ستتمكن الرياض من مواصلة السير في هذا المسار التطبيعي دون إعلان رسمي، بينما يتصاعد الغضب الشعبي في الداخل السعودي والعالم العربي من أي تقارب مع إسرائيل؟ فالقضية الفلسطينية ما تزال حاضرة بقوة في وجدان الشارع العربي، وأي خطوات للتطبيع العلني قد تفتح بابًا واسعًا للاضطرابات السياسية أو حتى الأمنية.
لكن ما بات جليًا اليوم أن السعودية تسير بخطى متسارعة نحو تمتين علاقاتها مع إسرائيل، ليس من باب قناعة “السلام العادل”، بل من بوابة التنسيق الأمني والعسكري المشترك ضد إيران، وهو ما ينسف مزاعم المملكة بأنها ما زالت ملتزمة بخيارات الأمة العربية ومبادئها.
في المحصلة، يبدو أن الرياض باتت غارقة في تحالف أمني مع إسرائيل، لا يخدم سوى أجندات ضيقة على حساب القيم المعلنة. وفي حين تستمر السلطة السعودية في الترويج لمواقفها “الأخلاقية”، فإن الحقيقة التي تنكشف يومًا بعد آخر، تؤكد أن التطبيع ليس مجرد خيار سياسي، بل بات واقعًا أمنيًا وعسكريًا يجري تثبيته على الأرض بعيدًا عن أعين الشعوب.