صمت سعودي على تسريبات اشتراط القضاء على حماس للمضي بالتطبيع

بينما تتواصل المفاوضات الإقليمية والدولية حول اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار في غزة، كشفت تسريبات إعلامية إسرائيلية عن شرط سعودي لفتح الباب مجدداً أمام مسار التطبيع مع إسرائيل: القضاء على حركة حماس في قطاع غزة.
فقد نقل موقع i24NEWS الإسرائيلي عن مصدر سعودي مقرّب من الديوان الملكي، أن “السعودية تشترط استئناف محادثات التطبيع مع إسرائيل بإنهاء حكم حماس في غزة وإشراك السلطة الفلسطينية بدلاً من ذلك، بالإضافة إلى إنهاء الحرب في القطاع.”
ووفق المصدر نفسه، فإن الرياض ترى أنه “طالما أن حماس منخرطة في إدارة قطاع غزة، لم يتم إنجاز المهمة. بدون إزالة حماس لن يكون هناك سلام.”
صمت رسمي… لكن دلالات واضحة
ما يلفت الانتباه في هذه التصريحات أنها لم تُقابل بنفي رسمي أو توضيح سعودي حتى لحظة كتابة هذا التحليل، وهو ما يعتبره مراقبون بمثابة إقرار ضمني بأن السعودية تضع بالفعل معادلة تربط بين مصير حماس ومستقبل التطبيع.
يقول محللون إن الصمت السعودي إزاء هذه التسريبات ليس محض صدفة، بل يُظهر رغبة الرياض في إبقاء مواقفها خارج الأضواء، دون خوض سجالات علنية قد تستفز الرأي العام العربي أو قواعدها الداخلية التي لا تزال تنظر بعين الريبة لأي تقارب مع إسرائيل، خصوصاً في ظل استمرار الحرب في غزة وما تخلّفه من صور دمار وسقوط آلاف الضحايا المدنيين.
تطبيع مشروط بتصفية المقاومة
هذا الموقف ليس جديداً تماماً، لكنه يكتسب زخماً إضافياً مع ما يشهده الإقليم من تحولات.
فقد سبق للكاتب والمحلل السياسي السعودي دحام العنزي أن صرّح لموقع i24NEWS العبري قائلاً: “السعودية تشترط إقامة الدولة الفلسطينية بعد ترتيب البيت الفلسطيني والقضاء على حكم حماس في غزة والتفاهم داخل الحكومة الإسرائيلية على مبدأ السلام.”
ويعتبر مراقبون أن تصريحات العنزي ليست مجرد رأي شخصي، بل تعكس نبض السياسة السعودية التي باتت تنظر إلى التطبيع كخطوة مرتبطة بمصالحها الأمنية والسياسية الأوسع، لا كاستحقاق دبلوماسي منفصل.
وبحسب هؤلاء المراقبين، فإن الرياض أصبحت ترى في حماس عائقاً لا أمام مسار التطبيع فحسب، بل أيضاً أمام استقرار المنطقة برمّتها، خاصة في ضوء الخطاب المتشدد الذي تتبناه الحركة وتصاعد نفوذها في الشارع الفلسطيني والعربي بعد حرب 7 أكتوبر.
غزة: من قضية وطنية إلى ملف أمني
تكمن خطورة الموقف السعودي الجديد في أنّه يختزل غزة من كونها جزءاً لا يتجزأ من القضية الفلسطينية إلى مجرد “ملف أمني-سياسي” ينبغي ترويضه قبل أي خطوة تطبيع معلنة.
ومن هنا، تصبح المقاومة في غزة – بأجنحتها العسكرية وخطابها السياسي – العقبة الأكبر أمام الرياض للمضي في ترتيباتها الإقليمية، سواء تلك المتعلقة بالتطبيع مع إسرائيل أو بالتفاهمات الأمنية الأوسع مع الولايات المتحدة، والتي يُعتقد أنها تشمل ضمانات أمنية واتفاقيات دفاعية.
لكن هذا البعد السياسي لا ينفصل عن سياق أمني أوسع. فقد كُشف مؤخراً عن دور سعودي سري في دعم إسرائيل خلال المواجهة العسكرية مع إيران في ما سُمّي بـ”حرب الأيام الـ12”، ما يعكس مدى التداخل بين الحسابات الأمنية السعودية والإسرائيلية، حتى وإن حافظت الرياض على خطابها العلني المؤيد للحقوق الفلسطينية.
السلطة الفلسطينية كبديل مفضل
في صلب التصور السعودي لمستقبل غزة، تبرز السلطة الفلسطينية كبديل تراه الرياض “أقل كلفة” سياسياً وأمنياً من استمرار حكم حماس.
فبالنسبة للسعودية وإسرائيل على السواء، تبدو السلطة الفلسطينية خياراً أكثر قابلية للتنسيق، وأقل قدرة على خلق مفاجآت عسكرية أو صدامات إقليمية قد تعقّد خطط التطبيع أو اتفاقيات الدفاع.
لكن هذا الخيار لا يخلو من العقبات. فالسلطة الفلسطينية تواجه أزمة شرعية عميقة، خصوصاً بعد تراجع دورها في الضفة الغربية وتراجع شعبيتها، وهي اليوم عاجزة عن بسط سيطرتها على غزة حتى لو أزيحت حماس عسكرياً.
ويضع الموقف السعودي المعلن ضمنياً معادلة شديدة التعقيد: لا تطبيع مع إسرائيل إلا بعد القضاء على حماس، لكن القضاء على حماس يعني حرباً طويلة الأمد، دموية، ومدمّرة، في وقت لم تعد فيه إسرائيل قادرة على حسم المعركة عسكرياً رغم مرور تسعة أشهر على حربها في غزة.
كما أن أي عملية لاستئصال حماس ستصطدم بتعقيدات دولية وأخلاقية وقانونية، خصوصاً مع تزايد الاتهامات لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، ما يجعل من الصعب على الرياض تبرير التطبيع إذا ارتبط بمجازر أو تهجير واسع.
الرهان السعودي
في المحصلة، يبدو أن السعودية تراهن على الوقت وعلى استنزاف حماس سياسياً وعسكرياً، أملاً في أن تصبح الحركة أضعف وأقل قدرة على فرض نفسها كلاعب رئيسي في المشهد الفلسطيني، ما يُسهّل على الرياض المضي في التطبيع دون دفع كلفة سياسية عالية أمام شعبها أو أمام الرأي العام العربي.
لكن حتى الآن، لا شيء يشير إلى قرب تحقق هذا السيناريو. فحماس ما زالت صامدة رغم حجم الخسائر، وتواصل التأثير في الرأي العام الفلسطيني والعربي، بينما تتزايد الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف حربها التي أودت بحياة أكثر من 56 ألف فلسطيني حتى الآن.
وإلى حين اتضاح ملامح التسويات المقبلة، سيظل صمت الرياض على هذه التسريبات علامة فارقة، تكشف عن مأزق سعودي بين تطلعاتها الإقليمية واعتبارات واقع سياسي وشعبي شديد التعقيد.