معتقلي الرأي

المهلكة العربية السعودية لنشطاء الرأي والمعارضين السلميين

في عهد الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان، شهدت المملكة العربية السعودية تصعيداً غير مسبوق في انتهاكات حقوق الإنسان، تمثلت في اعتقالات تعسفية، اختفاءات قسرية، تعذيب وحشي.

يضاف إلى ذلك أحكام إعدام صادمة طالت مختلف شرائح المجتمع من نسويات، ونشطاء حقوق الإنسان، وعلماء دين، ومثقفين، وصولاً إلى الصحفيين والمعارضين السياسيين الذين أصبحوا تحت تهديد مباشر بالقتل أو التنفيذ الفوري للأحكام بحقهم.

وفي 14 يونيو 2025، نفذت السلطات السعودية حكم الإعدام بحق الصحفي والكاتب المعروف تركي الجاسر، الذي وُجهت إليه تهم ملفقة بالارهاب والخيانة وتعريض الأمن القومي للخطر، وهي تهم أصبحت مسيسة ومكررة ضد كل صوت معارض ينتقد السلطة أو يعبر عن رأيه.

وهذا الإعدام جاء بعد عدة سنوات من سلسلة من عمليات القمع التي طالت الصحفيين، منهم من قضى في السجون نتيجة الإهمال الطبي، ومنهم من أُفرج عنه فقط ليُقتل بظروف غامضة لاحقاً.

تصفية معارضين بشكل ممنهج

لا يختلف مصير الصحفي التركي الجاسر كثيراً عن مصير الصحفي البارز جمال خاشقجي، الذي اغتيل بوحشية داخل سفارة المملكة في إسطنبول عام 2018، حيث أظهرت التحقيقات تورط أجهزة الدولة في تصفية معارضين بشكل ممنهج، في رسالة تحذير لكل من تسول له نفسه المعارضة السلمية.

والعدد المتزايد من أحكام الإعدام التي تسرّعها السلطات السعودية يثير قلقاً متزايداً، خاصةً بين القاصرين الذين يواجهون خطر تنفيذ هذه الأحكام في أي لحظة.

فمن بين هؤلاء القاصرين عبد الله الدرازي وجلال لباد، اللذان تنتظر حاليًا توقيع الملك لتنفيذ حكم الإعدام الصادر بحقهما بتهمة “التعزير”، وفق ما أكدت منظمة “المراقب الأوروبي السعودية”.

تُقدّر منظمة “مراسلون بلا حدود” وجود 19 صحفياً معتقلاً داخل السجون السعودية، وهو رقم يثير قلقاً بالغاً في الأوساط الحقوقية الدولية التي تدعو إلى الإفراج الفوري عنهم، وسط غياب شبه تام للعدالة والشفافية داخل النظام الملكي المطلق.

اغتيال رموز المعارضة داخل السجون

من بين رموز المعارضة والحقوق الذين وقعوا ضحايا هذه السياسات القمعية، الدكتور عبدالله الحامد، أحد مؤسسي جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم)، الذي اعتقل ست مرات، وكانت المرة السادسة في مارس 2013 بتهم تتعلق بتأسيس جمعية مدنية غير مرخصة ونشر معلومات “مزيفة” عن الدولة.

وقد حكم عليه بالسجن 11 عاماً إضافة إلى 5 سنوات من المنع من السفر، وعانى خلال سجنه من ظروف قاسية، شملت وضعه مع سجناء ذوي قضايا جنائية خطيرة، وحجزه في زنازين لا تتوفر فيها أبسط الحقوق، إلى جانب تهديده وحرمانه من العلاج الطبي المناسب، خاصة مع تفشي جائحة كورونا وكبر سنه.

في يناير 2020، أوصى طبيبه بضرورة إجراء جراحة قلب مفتوح عاجلة، إلا أن إدارة السجن منعته من التواصل مع أسرته، وهددته بقطع الاتصال إذا ما أبلغهم بحالته الصحية.

في أبريل 2020، دخل الحامد في غيبوبة كاملة إثر جلطة دماغية خلال احتجازه بسجن الحائر بالرياض، وتوفي بعد أيام في مستشفى الملك سعود الطبية، بعد معاناة طويلة من الإهمال الطبي المتعمد من قبل السلطات.

كما تسببت ممارسات التعذيب وسوء المعاملة في وفاة عالم الدين أحمد العماري الزهراني في سجن ذهبان بجدة عام 2019، نتيجة نزيف دماغي ناجم عن التعذيب.

أما الأستاذ الجامعي موسى القرني، فقد قضى في السجن عام 2021 بعد تعرضه للضرب الوحشي الذي أدى إلى تهشيم جمجمته وتشوه وجهه، وذلك بعد سنوات من الاعتقال بسبب نشاطه الإصلاحي، حيث حكم عليه بالسجن 20 عاماً، وتعمدت إدارة السجن تقديمه على أنه يعاني اضطرابات عقلية لتبرير سوء معاملة لا إنسانية.

وتوثق منظمة “القسط” لحقوق الإنسان وفاة الصحفي صالح الشيحي، الذي اعتقل عام 2018 بطريقة عنيفة واختفى قسرياً لفترة طويلة. أُفرج عنه في يونيو 2020، لكنه توفي بعد شهرين في ظروف غامضة، ما دفع المنظمة إلى المطالبة بتحقيق دولي مستقل في وفاته.

وكذلك الناشط زهير علي شريدة، الذي اعتقل بسبب تغريدات معارضة في 2017، وتوفي في السجن بسبب الإهمال الطبي وإصابته بفيروس كورونا، بعد احتجازه في زنزانة تضم مصابين بالفيروس، في مؤشرات واضحة على استخدام الإهمال الطبي كأداة للضغط والتصفية داخل السجون السعودية.

تكريس السياسات القمعية

يأتي إعدام تركي الجاسر في سياق هذه السياسات القمعية، حيث تستخدم السلطات السعودية تهم الإرهاب والخيانة الموجهة ضد المعارضين السياسيين كذريعة للقضاء عليهم وإسكات الأصوات التي تطالب بالإصلاح والحرية.

وقد تحولت السجون السعودية إلى ساحة لتصفية المعارضين السلميين، وأصبحت أدوات التعذيب والقتل وسيلة لإرهاب المجتمع المدني، وإخماد الحريات، وتقويض أي محاولة للمطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان في المملكة.

في ظل هذه الظروف، يزداد القلق الدولي من تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، وتتعالى الأصوات الداعية إلى ممارسة ضغوط فعلية على النظام السعودي لإيقاف هذه المهلكة التي تهدد حياة آلاف الناشطين والمعارضين. إن استمرار هذه السياسات القمعية لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف والاحتقان، ما يهدد استقرار المنطقة برمتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى