انخفاض أرباح أرامكو يفاقم الضغوط المالية على الاقتصاد السعودي

أعلنت شركة أرامكو السعودية، عملاق النفط العالمي وأكبر مصدر للخام في العالم، عن تراجع أرباحها بنسبة 4.6% خلال الربع الأول من العام، لتسجل صافي دخل بقيمة 97.5 مليار ريال (26 مليار دولار) وهو ما يفاقم الضغوط المالية على الاقتصاد السعودي.
ورغم أن هذا الرقم لا يزال ضخمًا بمعايير الشركات العالمية، إلا أن السياق الاقتصادي والمالي للمملكة يجعل من هذا الانخفاض إشارة مقلقة تحمل أبعادًا أعمق من مجرد أرقام فصلية.
ولطالما كانت أرامكو الركيزة الأساسية للاقتصاد السعودي، ليس فقط كمصدر للعائدات النفطية، بل كرافعة لتمويل مشروعات التنمية الطموحة التي يقودها محمد بن سلمان.
وتُشكل توزيعات أرباح أرامكو أحد المصادر الرئيسية للإيرادات الحكومية، حيث تمتلك الحكومة وصندوق الاستثمارات العامة معًا أكثر من 97% من أسهم الشركة. ومن هنا، فإن أي تراجع في أرباح الشركة ينعكس مباشرة على قدرة الدولة في تمويل خططها الطموحة.
أثر مزدوج: ضغوط على أرامكو وعلى الميزانية
البيانات الأخيرة أظهرت أن التدفق النقدي الحر لأرامكو لم يعد يغطي قيمة توزيعات الأرباح، وهو ما دفع الشركة إلى تقليص هذه التوزيعات بنحو الثلث في 2025 إلى 85 مليار دولار.
هذا القرار، رغم وجاهته من منظور الإدارة المالية، يحمل تبعات سلبية على المالية العامة للدولة، التي تواجه ضغوطًا متزايدة نتيجة ارتفاع العجز واتساع الدين العام بوتيرة غير مسبوقة.
تراجع توزيعات الأرباح من 31 مليار دولار إلى 21.36 مليار دولار خلال الربع الأول يعكس حجم الأزمة.
فبينما تسعى أرامكو لتخفيف الأعباء عن ميزانيتها العمومية، تجد الحكومة السعودية نفسها أمام فجوة تمويلية متزايدة، خاصة في ظل التزامات إنفاق ضخمة لتمويل مشروعات مثل مدينة نيوم، والاستثمار الكثيف في قطاعات الترفيه والرياضة.
أسعار النفط: المعادلة الحرجة
أحد أبرز أسباب تراجع أرباح أرامكو هو انخفاض أسعار النفط الخام. ففي الربع الأول من هذا العام، باعت الشركة نفطها بسعر متوسط يبلغ 76.30 دولارًا للبرميل، مقارنة بـ83 دولارًا في الفترة نفسها من العام الماضي.
لكن الأخطر هو أن أسعار خام برنت تتداول حاليًا بالقرب من 64 دولارًا للبرميل، وهو مستوى أدنى بكثير من سعر التعادل اللازم للموازنة السعودية، والمقدر بنحو 92 دولارًا للبرميل وفقًا لصندوق النقد الدولي.
وتراجع الأسعار لم يكن بمعزل عن العوامل الجيوسياسية والاقتصادية العالمية.
فالضغوط الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب لزيادة إنتاج أوبك+ وكبح الأسعار، في إطار معركته لكبح التضخم ومواجهة روسيا، ساهمت في تراجع العقود الآجلة للنفط إلى أدنى مستوياتها منذ أربع سنوات. وفي هذا السياق، تبدو الرياض عالقة بين مطرقة الالتزامات الداخلية وسندان الضغوط الخارجية.
رؤية 2030 في مهب الريح؟
الضغوط المالية التي تواجهها السعودية تأتي في وقت حرج، إذ تعوّل القيادة السعودية على تنفيذ رؤية 2030 لتحويل الاقتصاد الوطني من الاعتماد المفرط على النفط إلى اقتصاد متنوع ومستدام. لكن تمويل هذه الرؤية يتطلب تدفقات مالية ضخمة، وهو ما يتعثر مع انخفاض إيرادات النفط وتراجع أرباح أرامكو.
مشروعات كبرى مثل نيوم، والإنفاق السخي على قطاعات الترفيه والرياضة، أصبحت عبئًا متزايدًا على الميزانية العامة، خاصة مع محدودية الموارد البديلة وانخفاض العوائد غير النفطية عن المستويات المستهدفة.
ومع اتساع العجز المالي وارتفاع الدين العام، تبدو قدرة المملكة على مواصلة الإنفاق بنفس الوتيرة موضع شك.
المخاطر المستقبلية: حلقة مفرغة
استمرار تراجع أسعار النفط، بالتزامن مع الضغوط على أرامكو، يضع الاقتصاد السعودي أمام حلقة مفرغة. فمن جهة، تحتاج المملكة إلى زيادة الإنتاج لتعويض انخفاض الأسعار وضمان تدفقات نقدية كافية.
ومن جهة أخرى، فإن هذه الزيادة قد تؤدي إلى مزيد من الضغط على الأسعار العالمية، في ظل ضعف الطلب وتباطؤ الاقتصاد الصيني وتصاعد إنتاج النفط الأمريكي.
إضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع مستويات الدين العام بوتيرة قياسية يزيد من كلفة الاقتراض ويحد من الخيارات المالية المتاحة. كما أن ثقة المستثمرين الأجانب في مشاريع مثل نيوم مرهونة بقدرة الحكومة على تمويل هذه المشاريع بشكل مستدام، وهو أمر بات أكثر تعقيدًا في ظل المعطيات الراهنة.
ويشير تراجع أرباح أرامكو إلى أزمة أعمق تتجاوز حدود أداء شركة واحدة، لتعكس اختلالات هيكلية في الاقتصاد السعودي الذي لا يزال رهينًا لتقلبات أسواق النفط.
وبينما تراهن القيادة السعودية على التحول الاقتصادي عبر رؤية 2030، فإن استمرار انخفاض الإيرادات النفطية يهدد بعرقلة هذه الطموحات، ما يفرض على الرياض البحث عن حلول أكثر استدامة وواقعية بعيدًا عن الرهان المطلق على الذهب الأسود.