فضائح السعودية

الاستخبارات السعودية .. سنوات من الفشل والسقوط دون محاسبة

تعتمد دول العالم على أجهزة استخباراتية قويّة لضمان حماية أمنها وكيانها والتنبأ بأية أخطار من قبل منظمات أو جماعات أو دول وهي ما لا يحدث في حالة الاستخبارات السعودية.

فهذه المهمة الرسمية لأية جهاز استخباراتي في العالم، لا يختلف عليها اثنان، لكن جهاز الاستخبارات التابع للنظام السعودي يتم إنفاق ملايين الدولارات عليه دون أن يحقق إنجازات أمنية.

وعلى العكس من ذلك، أقحم الجهاز النظام السعودي في فضائح وجرائم عالمية وأضحت المملكة محط انتقاد واسع من قبل منظمات ومؤسسات حقوقية.

فشل متلاحق

ورصد “سعودي ليكس” سلسلة مهمات فشل في إنجازها أو التنبأ بها جهاز الاستخبارات العامة السعودي:

وتعود أول إخفاقات الاستخبارات السعودية هو إخفاقها في معرفة وإحباط مخطط وعملية اغتيال الملك فيصل.

الفشل في معرفة وإحباط المخطط البدائي الذي خطط له وقام بتنفيذه أحد منسوبي الحرس الوطني السعودي جهيمان العتيبي برفقة صهره محمد بن عبد الله القحطاني عندما اقتحما واحتلا الحرم المكي.

فشلت الاستخبارات في عدم معرفة حركة أسامة بن لادن داخل المملكة.

فشلت الاستخبارات في رصد عملية غزو الكويت ومحاولة العراق احتلال المملكة.

وفشلت الاستخبارات السعودية أيضا بالتنبأ بحركة الحوثيين قبل حدوثها، وصولا لعملية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي بطريقة مروعة وفضيحة مدوية.

وينتقد مراقبون الفشل المتعاقب لجهاز الاستخبارات السعودية إلى ضعف الخبرات والاعتماد الكامل على أجهزة مخابرات الدول الأخرى.

وسبق أن كشفت مواقع إعلامية عن قائمة بأسماء موظفين بالاستخبارات السعوديّة وعناوينهم بالتفاصيل الكاملة في وثيقة سريّة ومهمة للغاية

فضائح مدوية

وعقب استلام ولي العهد محمد بن سلمان، ولاية العهد، أوكل مهمة قيادة الجهاز إلى خالد بن علي الحميدان.

الحميدان الذي يمسك بزمام الاستخبارات منذ 6 سنوات، يعد من الشخصيات المثيرة للجدل، حيث كان تحت إمرة ولي العهد السابق محمد بن نايف، ومن رجاله المقربين.

بل إن ابن نايف نفسه هو الذي وضعه على رأس المخابرات العامة، لكن الحميدان انقلب عليه عندما دار الزمن وأطاح به ولي العهد الجديد محمد بن سلمان من منصبه، وأصبح فعليا أقوى رجال الدولة والحكام الحقيقين، فانصاع له الرجل وأدان له بالولاء والطاعة.

ووفق تقارير استخباراتية حديثة، يحاول الحميدان حاليا أن يرمم مسيرة فشله العريضة في قيادة جهاز الاستخبارات، وذلك عبر تحسين آليات العمل وعقد صفقات جديدة، للخروج بسلام من المنعطفات القائمة، فهل ينجح فيما أخفق فيه من قبل؟

فضيحة الدنمارك

ففي 15 أبريل/ نيسان 2021، أعلن المدعي العام الدنماركي، توجيه الاتهام إلى ثلاثة رجال من أعضاء جماعة المعارضة الإيرانية “ASMLA” أو “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز”، المقيمة في الدنمارك، لقيامهم بتمويل الإرهاب والترويج له داخل إيران بالتعاون مع جهاز المخابرات السعودية.

وقال البيان: “إن الثلاثة رجال المتهمين بتمويل الإرهاب بالتعاون مع المخابرات السعودية، نفذوا أنشطة استخباراتية غير مشروعة في الدنمارك”.

وتعود الأزمة إلى عام 2018، عندما كان جهاز الاستخبارات الدنماركية (بيت) يحمي 3 من أعضاء الحركة المعارضة، في مدينة ريغنستيد، جنوب العاصمة كوبنهاغن، من عملاء الاستخبارات الإيرانية التي اعتقلت منهم واحدا بتهمة محاولة تصفية هؤلاء.

لكن مع بدء التحقيقات تبين سقوط أعضاء حركة الأحواز المعارضة أيضا في فخاخ استخباراتية ومحاولات إثارية داخل البلاد، فاعتقلتهم فورا وأخضعتهم لتحقيقات موسعة.

وبحسب التحقيقات حولت الاستخبارات العامة السعودية حولت مبالغ تتجاوز 30 مليون دولار عبر شبكة علاقاتها في الدنمارك، إلى المجموعة الأحوازية التي تستخدمها بشكل مستمر في أعمال إرهابية.

وبناء عليه مددت محكمة روسكيلدا (جنوب كوبنهاغن)، حبس المتهمين على ذمة القضية، واستندت في طلبها إلى أدلة جدية عن دور الاستخبارات السعودية، في تقديم دعم مالي ولوجستي لحركة النضال العربي.

ما أقدمت عليه المخابرات السعودية تسبب في توتر العلاقات مع الدنمارك، حيث استدعت وزارة الخارجية الدنماركية السفير السعودي في كوبنهاغن على خلفية الاتهامات بدعم الحركة الانفصالية، المقيمة في الدولة الإسكندنافية، والتحريض المباشر على الإرهاب في إيران.

مقتل خاشقجي

الأزمة الأخرى الكبرى في ملف الحميدان، عملية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، بطريقة مريعة، شغلت الرأي العام العالمي.

وكان الحميدان نفسه على بعد خطوات من الإقالة لولا إرادة شخصية لولي العهد السعودي، الذي فضل التمسك به لأسباب غير معلنة.

وكانت عملية القتل صدرت بأمر من محمد بن سلمان حسب تقييم تقرير وكالة المخابرات المركزية الأميركية.

وهناك تم تقييد خاشقجي بالقوة بعد صراع وحقن بكمية كبيرة من المواد المخدرة، قبل أن يعملوا على تقطيع جثته وتسليمها إلى “متعاون” محلي خارج القنصلية للتخلص منها.

وتسببت هذه العملية غير المحسوبة في توتر العلاقات السعودية مع دول كثيرة ووصولها إلى مراحل متدنية، بالإضافة إلى تشويه سمعة الرياض وابن سلمان على الصعيد العالمي.

محاولات ترقيع

ويحاول النظام السعودي وقف الفضائح المدوية لجهاز الاستخبارات العامة السعودي عبر مساع للتغيير الهيكلي.

ففي 16 فبراير/ شباط 2021، ولأول مرة في تاريخها، أطلقت الاستخبارات العامة، بقرار من الحميدان، حملة توظيف كبرى عبر الإنترنت.

ويمكن للمرشحين التقدم للوظائف المتاحة عبر منصة “أبشر”، التي توفر الوصول إلى خدمات الحكومة السعودية.

الشق الثاني، ما ذكرته مجلة “إنتيليجنس أونلاين” الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، في عددها الصادر بتاريخ 14 مايو/ أيار 2021.

قالت المجلة: “في سابقة جديدة من نوعها تعاقدت المخابرات السعودية، على عدد من المشاريع الجديدة الجاري تنفيذها، وتدار هذه الأعمال من قبل شركة المقاولات المعمارية الحديثة، التي يسيطر عليها محمد بن سلمان بشكل مباشر”.

وأضافت أن “رئاسة الاستخبارات العامة، التي يترأسها الحميدان، المعين من قبل محمد بن نايف، والذي غير ولاءاته، عززت أنظمتها الأمنية بمعدات استحوذت عليها وركبتها الشركة الأهلية للأنظمة المتقدمة”.

وهي أيضا التي تزود الحرس الملكي بأنظمة الأمن، وهي الموردة للمملكة في البداية لأجهزة اللاسلكي من طراز موتورولا تيترا، تلك الشركة يديرها طلال العقاد، نجل القطب اللبناني السعودي عمر العقاد، بحسب المجلة.

وذكرت أنه “يتم توريد أنظمة الاتصالات الخاصة برئاسة الاستخبارات العامة من قبل شركة أنظمة الاتصالات والإلكترونيات المتقدمة، التي يترأسها رجل الأعمال أكرم أبو راس، وهذه الأخيرة هي الموزع للأنظمة التي تنتجها شركات موتورولا وهواوي وألكاتيل لوسنت”.

وأوردت أن “رئاسة الاستخبارات العامة، حصلت كذلك على أنظمة اتصالات صوتية ومرئية داخلية من شركة الطاقة المثمرة، والتي تشغل نفس الأنظمة في القصر الملكي”. وكان هذا يمثل الشق الثالث في محاولات تجاوز الإخفاقات.

متعدد الولاءات

أكثر نقاط الإثارة في شخصية خالد بن علي الحميدان، هو قدرته الفائقة على تغيير الولاءات، وفق ما أكدت “إنتليجنس أونلاين”.

وخالد الحميدان هو ضابط سعودي برتبة فريق، يعمل بجانب رئاسة الاستخبارات، التي شغلها خلفا للأمير خالد بن بندر آل سعود منذ 29 يناير/ كانون الثاني 2015، كعضو في مجلس الشؤون السياسية والأمنية بالمملكة العربية السعودية.

ولد في مدينة حائل في الثاني من أغسطس/ آب 1954، والتحق بعد دراسته الثانوية، بكلية الملك فهد الأمنية، ثم درس العدالة الجنائية من جامعة “ساكينو فالي ستيت” بولاية ميتشغان الأميركية.

تولى الحميدان منذ صعوده إلى رئاسة الاستخبارات مجموعة من الملفات الحساسة، على رأسها قضية الحوثيين، حيث بدأ معهم في محادثات قبل أن تتدهور الأوضاع عقب عملية عاصفة الحزم في مارس/ آذار 2015.

بعدها بدأت صواريخ الحوثي تستهدف المملكة، ولم يحدث تقدما في إدارة الملف إلا في الشهور الأخيرة، خلال عام 2021، عندما حدثت لقاءات سرية بين الاستخبارات السعودية والإيرانية، ولكنها لم تسفر عن نتيجة.

في 25 يناير/ كانون الثاني 2019، أثار الحميدان جدلا، عندما تم الكشف عن زيارة خاصة قام بها إلى إسرائيل، تأكيدا لتصاعد عمليات التطبيع بين الرياض وتل أبيب.

وكشف الإعلامي الإسرائيلي والباحث الأكاديمي في “معهد بيغن-السادات للسلام” إيدي كوهين عن وصول رئيس الاستخبارات العامة في المملكة العربية السعودية إلى إسرائيل في زيارة غير معلنة.

آخر الملفات وأخطرها التي لاقت إخفاقا كبيرا من رئيس الاستخبارات، هو ملف المعارضة السعودية في الخارج، بداية من تتبع المعارضين واختطافهم والتجسس عليهم في عدد من البلاد مثل بريطانيا والولايات المتحدة وكندا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى