الترويج لـ”استقرار وهمي” في السعودية.. معارضون يفضحون وجه الاستبداد القمعي

في كلمة ألقاها خلال مؤتمر الخليج العربي في جامعة هارفارد الأميركية، صوّر الأمير تركي الفيصل ـ السفير السعودي الأسبق في واشنطن ـ دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، كنموذجٍ لحالة استقرار سياسي ورفاه الاقتصادي، مشيدًا بـ”سلاسة انتقال السلطة” و”النجاح التنموي” ضمن رؤية 2030.
تصريحات بدت في ظاهرها خطابًا دبلوماسيًا معتادًا، لكنها أثارت موجة واسعة من الانتقادات لدى المعارضين السعوديين والناشطين المطالبين بالديمقراطية، الذين يرون أن هذه الرواية تتناقض جذريًا مع واقع الاستبداد والتضييق والانتهاكات الواسعة للحريات في المملكة.
ففي بلدٍ لا يملك فيه المواطن حق اختيار من يحكمه، ولا توجد فيه مؤسسات منتخبة، وتُعدّ أبسط أشكال التعبير عن الرأي جريمة تستوجب العقاب، بدا حديث الفيصل عن “الاستقرار والرفاهية” محاولة مكشوفة لتجميل وجه النظام المطلق الذي لا يرى في الشعب سوى تابعٍ لا يحق له المشاركة أو المحاسبة.
استقرار قائم على الرعب والدم
الأكاديمية السعودية والمعارضة البارزة، د. مضاوي الرشيد، وصفت ما طرحه الفيصل بأنه “دعاية جوفاء”، مؤكدة أن “مظاهر الاستقرار المزعومة” التي يروّج لها النظام، تقوم على القمع والاعتقالات والتصفية الجسدية للمعارضين، سواء داخل المملكة أو في الخارج.
وأضافت: “ما يجري هو تسويق لهيكل قمعيّ لا يستمد استقراره من مؤسسات أو رضى شعبي، بل من الخضوع المطلق والخوف العميق، في ظل غياب العدالة واستقلال القضاء”.
وأشارت الرشيد إلى أن السعودية تحتل موقعًا متقدّمًا عالميًا في تنفيذ أحكام الإعدام، وغالبًا ما تُصدر هذه الأحكام في محاكمات تفتقر إلى أدنى معايير العدالة والشفافية. واعتبرت أن الحديث عن “سلاسة انتقال السلطة” هو تجاهل للواقع الذي يُقصى فيه أبناء العائلة الحاكمة أنفسهم لمصلحة شخصٍ واحد، مؤكدة أن النظام بات لا يملك حتى القدرة على حماية حدوده، كما يظهر في عجزه عن حسم حرب اليمن المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات.
الدولة رهينة مزاج فرد
من جانبه، اعتبر الأمين العام لحزب التجمع الوطني، د. عبدالله العودة، أن النموذج السعودي الحالي يُعد من أكثر الأنظمة “اهتزازًا” في المنطقة. وذكّر بالكارثة التي أعقبت اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، حيث تسبّب تورط ولي العهد محمد بن سلمان في الحادثة بهزة دبلوماسية كادت أن تعصف بعلاقات المملكة الدولية.
وأوضح العودة أن النظام السياسي السعودي لم يعد يُدار كمؤسسة، بل كملكية فردية “فرعونية” لا تخضع لأي رقابة برلمانية أو صحافة حرة أو قضاء مستقل. “لقد أصبحت البلاد رهينة مزاج شخص واحد، وإذا سقط هذا الشخص، سقط معه كل شيء. حتى العائلة المالكة لم يعد لها وزن حقيقي”، على حد تعبيره.
ملكيات الخليج قنابل موقوتة
المتحدث الرسمي باسم حزب التجمع الوطني، أحمد حكمي، وصف الملكيات الخليجية بأنها “قنابل موقوتة”، تعاني من فجوة اقتصادية واجتماعية هائلة بين الشعوب والأسر الحاكمة. وأكد أن “الرفاهية الحقيقية لا تتحقق بثروات النفط، بل بعدالة التوزيع والحقوق السياسية”، مضيفًا أن الشعب السعودي يُحرم من كلا الأمرين: لا مشاركة سياسية، ولا أمن اقتصادي.
وأشار حكمي إلى أن غياب العدالة يولّد سخطًا شعبيًا متراكمًا قد ينفجر في أي لحظة، مستشهداً بحملات إلكترونية كـ”سعودوها” و”الراتب لا يكفي الحاجة”، التي تعكس معاناة شعب لا يملك سوى فضاء الإنترنت ليعبّر عن وجعه.
النظام الملكي عبودية حديثة
أما عضو الحزب ناصر العربي، فقد ذهب إلى وصف النظام الملكي السعودي بأنه “أقرب إلى الرقّ من أي شكل آخر للحكم”، قائلاً إن “الملك يتصرّف في أرض ومال وحرية الناس كأنها ملكية خاصة، بلا عقد اجتماعي، ولا تفويض شعبي، ولا مساءلة”.
وأضاف العربي أن النظام السعودي يفتقر لأي شكل من أشكال الدستور الفعّال أو المؤسسات المنتخبة، ما يجعله خارج الزمن الديمقراطي الحديث. وعلّق على تصريح تركي الفيصل قائلاً: “من الطبيعي أن يروّج تركي لنظام يستفيد منه هو وأمثاله، لكن خطابه لا يعدو كونه ترويجًا لأوهام لم تعد تنطلي على أحد، حتى في قاعات الجامعات التي يحاضر فيها”.
وشدد على أن استقرار الحكم لا يمكن أن يتحقق إلا عبر ديمقراطية حقيقية تقوم على تداول السلطة، واحترام الحريات، وسيادة القانون. “الأنظمة التي تستمد شرعيتها من القمع، تنهار سريعًا عندما يتراجع الخوف أو يعلو الوعي”، أضاف العربي.
الاستقرار المزعوم… تغطية على القمع
في النهاية، تكشف التصريحات التي أطلقها تركي الفيصل في جامعة هارفارد عن مفارقة مؤلمة: في الوقت الذي يروّج فيه النظام السعودي لصورة الاستقرار والازدهار، تعيش البلاد تحت نير الاستبداد المطلق، حيث تُقمع الحريات، ويُعتقل المفكرون، وتُدار الدولة كأنها مشروع شخصي لفرد لا يُحاسب.
وبينما يروج الإعلام الرسمي لـ”رؤية 2030” كطريق للنهضة، يرى معارضون أن الرؤية الحقيقة هي تكريس أكبر لنظام الفرد الواحد، وتلميع سطحي يخفي خلفه منظومة قمعية لم تتوقف يومًا عن سحق صوت الشعب، لا في الداخل ولا في المنفى.