أخبار

إيران تضرب مصالح إسرائيلية – وسعودية – في قلب النقب

في تطور غير مسبوق، نفّذت إيران في الساعات الأخيرة ضربة دقيقة استهدفت مجمعًا تقنيًا عسكريًا–مدنيًا في مدينة بئر السبع جنوب إسرائيل، يُعرف باسم Gav-Yam Negev، ويضم بداخله مشروع CyberSpark للأمن السيبراني.

الهجوم، الذي جاء في سياق التصعيد المتواصل بين طهران وتل أبيب، تجاوز البعد الإسرائيلي المحلي ليصيب شظاياه مصالح سعودية غير معلنة داخل إسرائيل، في ضوء العلاقات التجارية المتنامية بين الرياض وشركات إسرائيلية تعمل في قطاع التكنولوجيا والأمن السيبراني.

ما هو “غاف يام نيغيف” و”سايبر سبارك”؟

الهدف الإيراني لم يكن منشأة عسكرية تقليدية، بل مجمع تقني–أمني شديد الحساسية، يجمع تحت سقفه شعبة C4I التابعة لجيش الاحتلال، وهي مسؤولة عن أنظمة القيادة والسيطرة والاستخبارات، إلى جانب مرافق الوحدة 8200، الذراع السيبراني الأخطر في الجيش الإسرائيلي.

كما يحتوي المجمع على مكاتب لعدد من الشركات العالمية، من بينها مايكروسوفت، إلى جانب شركات إسرائيلية رائدة في الأمن الرقمي، منها CyberArk.

يُعتبر مشروع CyberSpark نموذجًا للتكامل بين الحكومة الإسرائيلية والقطاع الخاص في تطوير تقنيات الأمن السيبراني، حيث يتم احتضان الشركات الناشئة والكبرى على حد سواء لتوفير حلول هجومية ودفاعية في الفضاء الرقمي.

CyberArk: الشركة التي تمثل المصالح السعودية

من بين المتضررين المحتملين من هذا الهجوم، تبرز شركة CyberArk الإسرائيلية، التي تُعد من أكبر اللاعبين في مجال الأمن السيبراني في الشرق الأوسط.

وبحسب تقارير نشرتها الصحافة الاقتصادية الإسرائيلية، لا سيما موقع “غلوبز”، فإن السعودية تمثل 40% من إجمالي نشاط الشركة في المنطقة، وتخدم أكثر من 50 جهة في المملكة، معظمها في القطاعات الحيوية مثل الطاقة، البنوك، والجهات الحكومية.

ووفق التقرير ذاته، فإن CyberArk افتتحت مركزها في مجمع “غاف يام نيغيف” عام 2022، في خطوة مثّلت ركيزة لاستراتيجيتها التوسعية في الخليج، مع تركيز خاص على السعودية، التي تسعى منذ سنوات لتعزيز قدراتها الرقمية وسط تحولات اقتصادية وأمنية كبرى.

هل ضربت إيران فعلاً المصالح السعودية داخل إسرائيل؟

بينما تتحدث طهران عن استهداف أهداف عسكرية إسرائيلية، فإن الضربة أعادت تسليط الضوء على تشابك المصالح الخليجية مع إسرائيل في فضاء غير مُطبّع رسميًا.

فالسعودية، التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، كانت تُصرّ على اقتصار العلاقة على “المجالات غير السياسية”، إلا أن واقع التعاون التجاري، وخاصة في مجالات الأمن السيبراني، يؤشر إلى ما هو أعمق من ذلك.

إيران، التي تراقب هذه العلاقات باهتمام بالغ، قد تكون اختارت هدف بئر السبع تحديدًا لتوجيه رسالة مزدوجة: أولًا لإسرائيل، بأن منشآتها العسكرية–التقنية ليست محصنة، وثانيًا للسعودية، بأن مصالحها الجديدة في إسرائيل لم تعد في مأمن، حتى وإن لم تُعلن رسميًا.

مصير السوق السعودي بعد الضربة

من غير الواضح حتى الآن مدى الضرر الذي لحق بمكاتب CyberArk في المجمع المستهدف، لكن التأثير على العملاء السعوديين الـ50 قد يكون فوريًا على مستويات الثقة والأمان السيبراني.

وقد تواجه الشركة صعوبات في مواصلة إدارة عملياتها أو تأمين التوسعة التي كانت تخطط لها داخل المملكة، لا سيما في ظل المخاوف الأمنية، وتعقيد المشهد الجيوسياسي.

كما من المرجّح أن تعيد السعودية النظر في مدى تعرّضها لمخاطر سياسية وأمنية نتيجة التعاون مع شركات إسرائيلية تقع في صلب الصراع الإقليمي. فإذا كانت هذه الشركات عرضة للهجوم بسبب ارتباطها بالمنظومة العسكرية الإسرائيلية، فإن تبعات التعاون معها لن تبقى محصورة في الفضاء الرقمي.

رسالة إيرانية بصيغة متعددة العناوين

تشكّل ضربة بئر السبع تطورًا لافتًا في طبيعة الرد الإيراني، فهي لم تستهدف موقعًا عسكريًا تقليديًا، بل نقطة تقاطع بين الأمن والاقتصاد والتكنولوجيا والسياسة.

الرسالة كانت واضحة: المصالح الإسرائيلية في الداخل لم تعد بمأمن، والمصالح الخليجية المموّهة داخل إسرائيل — وخاصة السعودية — باتت مكشوفة.

وفي حال تكررت هذه الهجمات، فإن التحالفات غير المعلنة بين تل أبيب وبعض العواصم العربية ستكون أمام اختبار بالغ التعقيد، ليس فقط أخلاقيًا أو سياسيًا، بل أيضًا من حيث جدوى الاستثمار في ظل “منطقة اشتعال دائم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى