السعودية لا تزال واحدة من أكثر دول العالم قمعا

لا تزال السعودية واحدة من أكثر دول العالم قمعا وتحتل مرتبة متدنية في تصنيفات منظمة “فريدم هاوس” لحقوق الإنسان، حيث تقع في الفئة الأدنى إلى جانب كوريا الشمالية وسوريا والصومال.
والهوية السعودية هي مزيج معقد من الوهابية-السلفية، وهو مذهب إسلامي صارم يعتمد على الالتزام الصارم بسلوكيات معينة في اللباس، والتصرف، والفصل بين الجنسين، والصلاة، إلى جانب الاعتراف، إن لم يكن عبادة، بأسرة آل سعود كحماة ومروّجين لهذا المذهب.
لكن العلاقة بين الوهابية-السلفية والسلطة لم تكن دائمًا مستقرة. علماء الدين الوهابيون الذين لديهم تقاليدهم الأكاديمية والخطابية كانوا غالبًا مقاومين لإدخال أفكار جديدة إلى المملكة، وعارضوا جوانب عديدة من برنامج التحديث الشامل الذي تم تنفيذه بعد الطفرة النفطية في السبعينيات. كان الاستيلاء على المسجد الحرام في مكة عام 1979 أبرز مثال على هذه المقاومة.
ولم يكن جميع أفراد العائلة المالكة السعودية متدينين شخصيًا بالمعنى الوهابي-السلفي. قبل صعود محمد بن سلمان، كان أبرز أفراد العائلة هو الأمير بندر بن سلطان، الدبلوماسي البارع الذي اشتهر بحفلاته في واشنطن، وبتفضيله الملابس الغربية وأسلوب حياته المختلف تمامًا عن السلفيين الوهابيين.
وفي 19 أكتوبر 2018، بعد أقل من ثلاثة أسابيع من مقتل جمال خاشقجي، بينما كان العالم كله يشير بأصابع الاتهام إلى الأمير السعودي، ألقى الشيخ عبد الرحمن السديس، إمام المسجد الحرام وأعلى سلطة دينية في المملكة، خطبة الجمعة من نص مكتوب سبق أن وافقت عليه الأجهزة الأمنية السعودية.
في خطبته، استشهد السديس بحديث منسوب إلى النبي محمد، يقول إنه في كل قرن يرسل الله مجددًا عظيمًا ليعيد إحياء الدين لمواجهة تحديات العصر: “مسار الإصلاح والتحديث في هذه الأرض المباركة… من خلال رعاية واهتمام الأمير الشاب الطموح الملهم إلهيًا، يواصل التقدم إلى الأمام رغم كل الضغوط والتهديدات الفاشلة”.
وأشاد الإمام بالأمير محمد بن سلمان، مستخدمًا كلمة «مُحَدَّث»، وهي صفة تشريفية منسوبة للخليفة عمر بن الخطاب. كانت هذه الإشادة بمثابة تحدٍ ضمني لمزاعم أبو بكر البغدادي، الذي أعلن نفسه خليفة لتنظيم داعش عام 2014.
وتحتل السعودية مرتبة متدنية في تصنيفات «فريدم هاوس» لحقوق الإنسان، حيث تقع في الفئة الأدنى إلى جانب كوريا الشمالية وسوريا والصومال.
في عام 2016، أعدمت المملكة 146 شخصًا، بينهم 47 في عملية إعدام جماعي، من بينهم الشيخ الشيعي نمر النمر، الذي كان منتقدًا للنظام ولكنه لم يكن إرهابيًا.
وفي 12 مارس 2022، تم تنفيذ 81 عملية إعدام، وهو أكبر عدد من الإعدامات الجماعية منذ عقود. وفي 2023، حُكم على محمد الغامدي بالإعدام لمجرد نشره تغريدات تنتقد السلطات، وفقًا لمنظمة العفو الدولية.
وبعد الربيع العربي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مساحة للتعبير الحر، لكن الحكومة السعودية قامت بسرعة بالرد، حيث استخدمت جيوشًا إلكترونية لقمع المعارضة على منصة X/Twitter، التي تضم 2.4 مليون مستخدم نشط في السعودية، أي أكثر من ضعف عدد المستخدمين في مصر، رغم أن عدد سكان مصر أكبر بثلاثة أضعاف.
يقف وراء عمليات التلاعب الإلكتروني سعود القحطاني، مستشار ابن سلمان، الذي أطلق قائمة سوداء على X/Twitter عام 2017، طالبًا من السعوديين الإبلاغ عن أي شخص يعارض الحصار المفروض على قطر.
بالإضافة إلى ذلك، استخدمت السلطات برمجية بيغاسوس الإسرائيلية للتجسس على المعارضين، مثلما حدث مع عمر عبد العزيز، صديق خاشقجي، الذي تعرض هاتفه للاختراق قبل اغتيال خاشقجي في 2018.
وفي ظل القمع السياسي، أصبحت الرمزية وسيلة للتعبير عن المعارضة. في معرض بازل الفني بسويسرا عام 2019، قدم الفنان السعودي عبد الناصر غارم عملًا فنيًا بعنوان «الخزنة»، وهو غرفة بيضاء بحجم زنزانة انفرادية، مع طاولة تشبه تلك المستخدمة في المشارح.
يُمكن قراءة هذا العمل الفني كتلميح إلى تقطيع جثة خاشقجي، وهي رسالة احتجاج غير مباشرة وسط نظام قمعي لا يسمح بحرية التعبير المباشرة.