توثيق حرمان أسر ضحايا الإعدامات من الجثامين والعدالة في السعودية

قدّمت منظمة حقوقية تقريرًا مفصلًا إلى المقرّر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفًا، تسلط فيه الضوء على الانتهاكات الممنهجة التي تمارسها السلطات السعودية بحق أسر ضحايا الإعدامات التي تفتقر لأدنى معايير العدالة، والحرمان من استلام جثامين ذويهم، وغياب آليات العدالة والمساءلة.
ويوضح التقرير الذي أعدته المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن المملكة تفتقر إلى قوانين أو سياسات تعترف بحقوق أسر الضحايا كفئة مستقلة تستحق معرفة الحقيقة، وتحقيق العدالة، وجبر الضرر، وهو ما يشكل انتهاكًا صارخًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
غياب الحقوق القانونية والشفافية
ينظم نظام السجن والتوقيف ونظام الإجراءات الجزائية في السعودية أوضاع المعتقلين والمحكومين، لكنه لا يتضمن أية نصوص أو لوائح تحمي أو تعترف بحقوق أسر الضحايا، كما لا توجد سياسات واضحة تهدف إلى تلبية احتياجاتهم أو حقوقهم في متابعة مصير ذويهم أو معرفة ملابسات الوفاة أو الإعدام.
يشرح التقرير أن العائلات في أغلب الحالات تُمنع من المشاركة الفعلية في المحاكمات، ولا يتم إخطارهم بمواعيد الجلسات أو تنفيذ الأحكام، مما يحرمهم من أي فرصة للمرافعة أو الاعتراض.
كما تضطر الأسر للجوء إلى الجهات الرسمية مثل إدارة السجون والمحاكم للحصول على معلومات بطيئة ومحدودة، فيما غالبًا ما تتجنب الجهات الرسمية الردود الواضحة والشفافة.
تأتي المادة 23 من نظام السجن والتوقيف لتحدد إجراءات التعامل مع جثامين المتوفين داخل السجون، والتي تتطلب إعداد تقرير طبي تفصيلي وتسليم الجثمان إلى أهله في حال حضورهم، أو دفنه في مقبرة محلية في حال عدم حضورهم، مع منع نقل الجثامين المصابة بأمراض وبائية.
لكن هذا النص لا يوفر أي آليات حقيقية للعائلات للمشاركة في التحقيقات أو التحقق من صحة التقارير الطبية، ولا يكفل حقهم في متابعة الإجراءات المتعلقة بالجثة.
شهادات حية وممارسات تعسفية
يرصد التقرير حالات عديدة تعرضت فيها الأسر لحرمان جثامين أبنائها، وتم دفنهم في مقابر مجهولة دون إذن أو موافقة العائلات، كما حصل مع الشيخ نمر باقر النمر الذي أعدم في يناير 2016، حيث أصدرت عائلته بيانًا نددت فيه بعدم تسليم الجثمان ودفنه سرا في مخالفة صريحة للأحكام الشرعية والقوانين، ما مثل “فاجعة أخرى” للأسر.
كما وثّق التقرير حالات مثل الشاب علي آل ربح، أحد ضحايا الإعدامات الجماعية نفسها، حيث تم دفنه دون علم أو إذن ذويه، الأمر الذي أدى إلى رفض العائلات وتكرار مطالبهم باستلام جثامينهم ودفنهم وفق معتقداتهم الدينية.
بعد مرور أربعين يومًا على تنفيذ الإعدامات الجماعية في فبراير 2016، أصدرت عائلات ضحايا الإعدامات بيانًا جماعيًا طالبوا فيه الملك السعودي وكل من له سلطة برد جثامين أبنائهم، ومنحهم حق الدفن حسب معتقداتهم الدينية.
التحديات والضغط على الأسر
تعاني أسر الضحايا من رفض مستمر للتحقيقات المستقلة والشفافة من قبل السلطات السعودية، حيث تكتفي الإدارات الرسمية بإصدار تقارير سطحية غالبًا ما تفتقر إلى الشفافية والموثوقية، وتغيب آليات التحقيق المستقلة والمجتمع المدني.
وأي حديث علني من قبل العائلات أو المطالبات بالعدالة تلاقي مضايقات قانونية، حيث تستخدم السلطات قوانين فضفاضة مثل قوانين “مكافحة الإرهاب” و”جرائم الإنترنت” لملاحقة الأفراد الذين يعبرون عن آرائهم أو يكشفون الانتهاكات، بما في ذلك اعتقالات وسجن وحرمان من الحقوق المدنية.
كما تتعرض العائلات لضغوط نفسية واجتماعية، وتُستدعى أحيانًا للتحقيق أو تُهدد على خلفية إقامة مراسم عزاء أو مجرد مطالبتها باستلام الجثامين، بالإضافة إلى إلزامها بتوقيع تعهدات بعدم التحدث علنًا، بهدف كتم الأصوات المعارضة ومنع أي كشف للانتهاكات.
وتشير المنظمة إلى عدم وجود أي قوانين أو سياسات تقدم تعويضات مالية أو معنوية لأسر ضحايا الإعدامات أو الوفيات غير المشروعة، مما يترك هذه الأسر تعاني من فقدان معيلها دون أي دعم نفسي أو اجتماعي أو مادي، خصوصًا الأسر التي لديها أطفال.
أوضاع خاصة للنساء والفتيات
تم توثيق إعدام ثماني نساء في عام 2024، معظمهن من العاملات الأجنبيات، حيث لا تخضع قضاياهن لأي متابعة حقيقية، ولا يتم إخطار العائلات بموعد تنفيذ الأحكام، مما يحرمهن من حق الوداع وحق المعرفة بتفاصيل القضايا.
كما تستمر النساء العاملات في السعودية في مواجهة التمييز والانتهاكات، خاصة في ظل نظام الكفالة الذي يسمح بانتهاكات واسعة بحقهن.
الانتهاكات خارج نطاق القضاء
رصد التقرير حالات قتل خارج نطاق القضاء، خاصة في مناطق مثل القطيف، حيث أُعدم عشرات الشبان الذين شاركوا في الاحتجاجات، دون محاسبة المسؤولين.
كما يشير التقرير إلى وفاة الحويطي في أبريل 2020 بعد ساعات من نشره فيديو يعبر عن رفضه للإخلاء القسري ضمن مشروع “نيوم”، حيث طالبت الأمم المتحدة بتحقيق مستقل في الحادثة، لكنها لم تحصل على استجابة من السلطات السعودية.
ويؤكد التقرير أن حرمان أسر ضحايا الإعدامات من استلام الجثامين وغياب العدالة والمساءلة، إلى جانب ملاحقة العائلات التي تطالب بحقوقها، هو جزء من نمط ممنهج لانتهاكات حقوق الإنسان في السعودية.
ودعت المنظمة الحقوقية المجتمع الدولي إلى الضغط على الرياض لوقف هذه الانتهاكات، وضمان حق الأسر في معرفة الحقيقة، تحقيق العدالة، واستلام جثامين ذويهم، بما يتوافق مع الالتزامات الدولية وحقوق الإنسان الأساسية.