بلاد الحرمين تحت الهجوم: كيف يحوّل محمد بن سلمان الترفيه إلى مشروع إفساد ممنهج؟

يجمع مراقبون على أن المقاطع المصوَّرة التي تخرج من مهرجانات هيئة الترفيه الجارية في السعودية تندرج في إطار مشروع متكامل، له رؤية وتمويل وحماية سياسية وأمنية، يقوده محمد بن سلمان شخصيًا، لإعادة تشكيل هوية المجتمع السعودي بتفريغه من قيمه وضرب ثوابته الدينية والأخلاقية تحت لافتة الترفيه والانفتاح.
فالاختلاط الفجّ، والعُري العلني، والمجاهرة بالمعصية، والترويج للشذوذ، والانفلات السلوكي غير المسبوق، ليست مظاهر عشوائية خرجت عن السيطرة، بل نتاج سياسة رسمية.
وهي سياسة قررت أن تجعل من بلاد الحرمين مختبرًا اجتماعيًا لتجارب الانحلال، وأن تستبدل دور السعودية التاريخي كحاضنة للإسلام وقيمه، بدور “منصة ترفيه إقليمية” تُدار بعقلية شركات العلاقات العامة لا بعقلية أمة ورسالة.
الأخطر من المشاهد نفسها هو السياق الذي تُنتج فيه في ظل تمويل حكومي سخي، رعاية رسمية، حماية أمنية مشددة، وإغلاق كامل لأي صوت ناقد.
كل ذلك يجري في وقت يُزج فيه بالدعاة والمصلحين وأصحاب الرأي في السجون، أو يُمنعون من الخطابة، أو يُفرض عليهم صمت قسري. يُفتح المجال العام لأقصى درجات الانحلال، بينما يُغلق حتى المجال الخاص أمام من يذكّر أو ينصح أو يحذّر. هذه ليست صدفة، بل معادلة مقصودة: إسكات القيم، وتمكين الرذيلة.
أما المؤسسة الدينية الرسمية، فقد سقطت سقوطًا مدويًا. إذ أن صمت المفتي، وصمت هيئة كبار العلماء، وصمت من بقي منهم داخل المنظومة أو على هامشها، هو تواطؤ أخلاقي.
فحين تتحول المعصية إلى سياسة دولة، وحين يُفرض الفساد بقرارات عليا، يصبح الصمت خيانة للأمانة قبل أن يكون خوفًا. لم يُطلب منهم ثورة، بل كلمة حق، لكنهم اختاروا السلامة الوظيفية على حساب الدين الذي يتصدرون باسمه.
وأكد المجلس الوطني للإنقاذ أن بث هذه المشاهد إلى الداخل والخارج ليس أمرًا ثانويًا. ما يُصدَّر اليوم هو صورة مزوّرة عن المجتمع السعودي، وكأن هذه الحشود المنفلتة تمثل شعبًا بأكمله.
ورأى المجلس أن ما يُعرض هو أقلية مُصنَّعة، جُمعت بالمال والتسهيلات والترويج الإعلامي، ثم قُدّمت باعتبارها “السعودية الجديدة” لكنها ليست هوية المجتمع، بل هوية يريد النظام فرضها بالقوة الناعمة بعد أن أحكم السيطرة بالقوة الخشنة.
والأخطر أن الأجيال الناشئة تُستهدف بشكل مباشر. حين يرى الشاب أو الفتاة أن الدولة نفسها تحتفي بهذه السلوكيات، وتكافئها، وتحميها، بينما تُجرّم التدين والنصح والالتزام، فإن الرسالة تكون واضحة: القيم عبء، والانحلال هو الطريق الآمن. هكذا يُعاد تشكيل الوعي، لا عبر القناعة، بل عبر الإغراق والتطبيع والضغط النفسي.
ويؤكد ذلك أن مشروع محمد بن سلمان ليس “تحريرًا للمجتمع” كما يُسوّق، بل إفسادًا ممنهجًا. هو لا يثق بالمجتمع، ولا بهويته، ولا بدينه، ولذلك يسعى إلى كسر مرجعياته جميعًا: العلماء، والأسرة، والتقاليد، وحتى الحياء العام. وما الترفيه الصاخب إلا أداة من أدوات السيطرة، تُستخدم لإشغال الناس، وإضعاف الحسّ الأخلاقي، وتحويل المواطن من صاحب قضية إلى مستهلك.
ووجه المجلس الوطني للإنقاذ رسالة إلى الشعب السعودي جاء فيها: لا تسمحوا لأقلية منحرفة، ولا لسلطة مأزومة، بأن تختطف هويتكم. ما يُعرض باسمكم لا يمثّلكم، وما يُفرض عليكم ليس قدرًا. الصمت في هذه اللحظة التاريخية ليس حيادًا، بل مشاركة غير مباشرة في الجريمة الأخلاقية الجارية.
وأكد المجلس أن الدفاع عن هوية بلاد الحرمين ليس تشددًا ولا رجعية، بل دفاع عن معنى، وعن تاريخ، وعن أمانة حملها هذا المجتمع قرونًا، ولن يُفرّط بها مهما اشتد القمع وتكاثفت حملات التضليل.



