آل سعود يدفعون أموالا طائلة لكسب النفوذ في الولايات المتحدة
يدفع نظام آل سعود أمولا طائلة منذ سنوات من أجل كسب النفوذ في الولايات المتحدة الأمريكية، بل أنه يستخدم في ذلك طرقا تندرج ضمن التحايل القانوني.
ويأتي تسليط الضوء على نفوذ آل سعود في واشنطن في وقت أصبح فيه النفوذ الأجنبي داخل أمريكا حديث الساعة اليوم، ولكن المفارقة أن أخطر الاختراقات الخارجية للسياسة الأمريكية يتم بشكل قانوني، حسب ما ورد في مقال لريان سامرز وبن فريمان العاملين بمنظمة Center for International Policy، ونشر في موقع Lobe Log الأمريكي.
وقد صدمت البلاد بأخبار النفوذ الأجنبي غير القانوني على العملية السياسية، بدءاً من إجراءات العزل بسبب طلب الرئيس دونالد ترامب من قوة أجنبية التحقيق مع مُعارضٍ سياسي، وانتهاءً بإدانة شركاء محاميه الشخصي رودي جولياني بضخ أموالٍ أجنبية إلى الانتخابات الأمريكية بطريقٍ غير قانوني.
وفي حين تتصدر جهود تقويض الانتخابات الأمريكية عناوين الأخبار؛ لا يزال هناك كنزٌ من الوسائل القانونية تماماً التي يُمكن للقوى الأجنبية أن تسلكها لتقويض الديمقراطية الأمريكية. ولا تنتظر تلك القوى حتى يوم الانتخابات، بل تفعل ذلك في كل يومٍ من أيام العام.
وتمتلك القوى الأجنبية طريقةً مباشرةً للغاية تضمن لها الاستماع إلى صوتها داخل واشنطن: وهي أن تصيغ جماعات الضغط التابعة لها ما يقوله مُختلف أعضاء الكونغرس. وقد يبدو ذلك أمراً جامحاً، لكنَّه أمرٌ شائع في واقع الأمر. ونشر لي فانغ من موقع The Intercept الأمريكي تقريراً يكشف أحد الأمثلة على ذلك مؤخراً.
إذ اكتشف أنَّ إد رويس، النائب الجمهوري من كاليفورنيا ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب آنذاك، قرأ حرفياً -كما ورد في سجلات الكونغرس- مجموعةً من نقاط الحوار التي استلمها مكتبه من إحدى جماعات الضغط التي تعمل لصالح آل سعود في الـ13 من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017.
ووزَّع آري فريدمان، عضو جماعة ضغط Hogan Lovells التي تمثل المملكة، نقاط الحوار السعودية على رويس وآخرين بالتزامن مع نقاش رو خانا (النائب الديمقراطي من كاليفورنيا) ومجموعة من مُشرّعي الحزبين حول تفعيل قانون سلطات الحرب لإنهاء الدعم الأمريكي للحرب في اليمن.
وفي فيديو لشبكة C-SPAN من النقاش الذي دار داخل المجلس، يُمكنك أن ترى رويس وهو يُردِّد نقاط الحوار تلك بالنص.
وربما بدا ذلك وكأنه نجاح استثنائي لأيّ عضو جماعة ضغطٍ لصالح قوةٍ أجنبية، ولكنَّه أمرٌ شائعٌ للغاية. إذ وثَّق تقرير منظمة Project On Government Oversight، الذي شارك في كتابته بين فريمان، العديد من الأمثلة على كتابة عملاء أجانب للخطب والتشريعات نيابةً عن أعضاء الكونغرس.
والأهم هو أنَّ تحقيقهم اكتشف وثائق تظهر أن العملاء الأجانب قدَّموا تعديلاتٍ على مسار مشروع قانون مقترح إلى أحد العاملين لدى السيناتور دانييل إينوي (الديمقراطي من هاواي). وحين تقدَّم السيناتور بالتشريع في النهاية؛ كان ما قدَّمه يتضمَّن اللغة التي اقترحها عضو جماعة الضغط بالضبط.
وعقب ظهور منظمة Citizens United، وبفضل قرار المحكمة العليا عام 2010؛ صار المال يتمتَّع بالحرية المكفولة للتأثير في الرأي العام حين يتعلَّق الأمر بتمويل الحملات الانتخابية، وتزايد نفوذ العملاء الذين يعملون لصالح حكومات أجنبية باستمرار من خلال دفاتر الجيب.
ونقلت مبادرة شفافية النفوذ الأجنبي بمنظمة Center for International Policy، حيث يعمل كاتبا المقال، الكثير من التقارير حول كيفية إسهام عملاء الحكومات الأجنبية في الحملات الانتخابية لنواب الكونغرس الذين يتواصلون معهم نيابةً عن القوى الأجنبية.
وفي بعض الأحيان تُقدَّم تلك التبرعات في اليوم الأول للقاء عضو الكونغرس. وفي التحقيق حول جماعات الضغط السعودية عام 2018، تم الكشف عن خمس حالاتٍ على الأقل حصل فيها المشرعون على إسهاماتٍ في الحملات الانتخابية يوم لقائهم -أو أحد العاملين لديهم- بشخصٍ يعمل لصالح آل سعود.
وفعلت جماعات الضغط التي تمثل نظام آل سعود ذلك مع السيناتور جيم إنهوف (الجمهوري من أوكلاهوما)، والسيناتور روبرت مينينديز (الديمقراطي من نيوجيرسي)، والسيناتورة تينا سميث (الديمقراطية من مينيسوتا)، والسيناتور بين كاردين (الديمقراطي من ماريلند)، والنائب مايك كوناواي (الجمهوري من تكساس).
والأمر الصادم أكثر هو الاتصالات (والإسهامات) التي تصل قبل عمليات التصويت المُهمة في كابيتول هيل. إذ تلقَّى السيناتور بيل نيلسون (الديمقراطي من فلوريدا) مثلاً مبلغاً إجمالياً يُقدَّر بثلاثة آلاف دولارٍ أمريكي من Brownstein Hyatt Farber Schreck، الشركة التي تُمثِّل السعوديين، خلال الأيام الأربعة التي سبقت التصويت على إنفاذ قانون سلطات الحرب لإنهاء الدعم الأمريكي للتحالف الذي يقوده آل سعود في اليمن، يوم الـ20 من مارس/آذار عام 2018. ووصلته إحدى تلك الإسهامات في يوم التصويت نفسه.
وانتهى المطاف بنيلسون، الذي خسر مقعده في مجلس الشيوخ الآن، إلى التصويت ضد مشروع قرار اليمن بما يتوافق مع مصالح آل سعود.
إلى ذلك فإن القوى الأجنبية تُواصل الانخراط في عددٍ من الأنشطة غير القانونية عبر تويتر وفيسبوك، والتي تهدف إلى التأثِّير على السياسات المحلية، إلى جانب آراء الأمريكيين في بلدهم.
وفي أوائل نوفمبر/تشرين الثاني مثلاً، اتُّهِمَ موظفون سابقون لدى شركة Twitter بالتجسُّس لحساب السعودية، والوصول إلى المعلومات الخاصة لناقدي المملكة داخل الولايات المتحدة.
لكن وسائل انخراط القوى الأجنبية قانونياً في التلاعب بوسائل الإعلام تخضع للتجاهل عادةً، إذ إنَّها -والمنافذ الإعلامية- غير ملزمةٍ بالكشف عن ذلك للمُشاهدين أو المستمعين. وإحدى التكتيكات الأكثر شيوعاً لفعل ذلك تنطوي على العمل عن قربٍ مع المراسلين الذين يُغطُّون القضايا المُهمة بالنسبة لتلك القوى.
ولا عجب في أنَّ تحقيقات Center for International Policy وجدت مراراً أنَّ الصحفيين كانوا من بين أهم أهداف العملاء الأجانب المُسجَّلين. وفي بعض الحالات، تسهل رؤية كيفية ترجمة ذلك النفوذ على نحوٍ إيجابي يخدم مصالحها.
وفي حين ترتبط أكثر من عشرين جامعة بعلاقاتٍ مع المعاهد الكونفوشيوسية، كانت المدارس أكثر تردُّداً في قطع علاقاتها مع الحكومات الاستبدادية لدولٍ أخرى.
فبعد جريمة القتل الوحشية لجمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول بتركيا مثلاً؛ واجهت الجامعات والمؤسسات البحثية ضغوطاً كبيرة من أجل قطع علاقاتها مع السعودية، لكن القليل منها فقط رضخ لتلك الضغوط. إذ حصل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إحدى أرقى جامعات البلاد، على أكبر قدرٍ من الأموال السعودية منذ عام 2014 -أكثر من 77 مليون دولار أمريكي، بحسب سجلات وزارة التعليم.
وفي أعقاب الغضب على مقتل خاشقجي الوحشي؛ أطلق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إعادة تقييمٍ لعلاقاته المالية مع المملكة.
ولكن حين انتهت إعادة التقييم في فبراير/شباط، وبعد أن اختفى الغضب حيال مقتل خاشقجي من عناوين الأخبار الرئيسية؛ خلصت رسالةٌ وصلت الطلاب والأساتذة إلى أنَّ المعهد “سيُواصل ارتباطاته الحالية مع الزملاء والطلاب ورعاة الأبحاث العامة والخاصة في السعودية.. طالما أنَّ تلك المشروعات تتوافق مع سياسات وإجراءات معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وقوانين ولوائح الولايات المتحدة”.
وربما كان النفوذ السعودي داخل الحرم الجامعي أكثر وضوحاً من التمويل نفسه. ففي إحدى الحالات كان أحد العملاء الأجانب المُسجَّلين، الذي يعمل لصالح البلد العربي، يشغل منصب أستاذٍ في إحدى الكليات.
وذكر تقرير برايان ماكغلينشي، خبير النفوذ السعودي في أمريكا، أنَّ بيل سمولين، كبير الموظفين السابق لوزير الخارجية كولن باول، كان عميلاً مُسجَّلاً لصالح السعودية في عام 2018، حين كان يعمل أيضاً مُديراً لكلية ماكسويل لدراسات الأمن القومي بجامعة سيراكيوز. وكشفت ملفات قانون تسجيل العملاء الأجانب عن أنَّ سمولين تلقَّى أموالاً مُقابل توفير “دعم علاقاتٍ عامة” للسعوديين، إبان رئاسته لبرنامج الأمن القومي المرموق.
وحين سُئِل عن ما إذا كانت الأموال السعودية قد تدفعه إلى إظهار السعوديين في ضوءٍ أكثر إيجابية داخل جامعة سيراكيوز؛ نفى سمولين الفكرة على الفور قائلاً: “لا أعتقد أنَّ هناك أيّ تضارب في المصالح”.
ويمكن القول إنَّ النظام السياسي الأمريكي، الذي لطالما كان عرضة للتأثير الخارجي، صار أكثر عرضةً الآن للتدخُّلات الأجنبية مقارنةً بعقودٍ مضت -وغالبية تلك التدخلات قانونيةٌ تماماً.
ولا تزال هناك الكثير من الوسائل القانونية المُتاحة أمام القوى الأجنبية لتُحاول من خلالها تطويع سياساتنا وتفكيرنا لإرادتها؛ بدايةً من عدم الإفصاح الكامل -للأسف- عن تضارب المصالح من جانب الشهود الذين يُدلون بشهاداتهم أمام الكونغرس، ووصولاً إلى العملاء الأجانب الذين يملأون خزائن الحملات الانتخابية بالأموال ليكتبوا القوانين حرفياً، وانتهاءً بالتأثير على المؤسسات البحثية والمنافذ الإعلامية والجامعات.