جدل في بريطانيا بشأن علاقة مالك إندبندنت مع بن سلمان
تعد سمعة محمد بن سلمان ملطخة دوليا لدرجة أن أي علاقة لمسئول خصوصا أوروبي معه تثير الجدل في بلاده وتجابه بمعارضة واسعة.
وفي أحدث الأدلة على ذلك، ذكرت صحيفة غارديان البريطانية أن استضافة إيفجيني ليبيديف -صاحب صحيفتي “إندبندنت” و”إيفينينغ ستاندرد”- بن سلمان على مأدبة عشاء خاصة تثير المزيد من التساؤلات حول روابط قطب الإعلام البريطاني الروسي بالحاكم الفعلي للمملكة.
وذكرت الصحيفة أن تحقيقا يجري عن المؤسستين بسبب مخاوف المصلحة العامة بشأن استثمار سعودي غامض أجري من خلال شبكة من الحسابات المصرفية الخارجية، بالإضافة إلى تلميح الحكومة البريطانية إلى أن إندبندنت وإيفيننغ ستاندرد مملوكتان جزئيا الآن للمملكة.
وألمحت إلى أن التساؤلات لا تزال قائمة حول سبب قرار أحد بنوك نظام آل سعود شراء حصة 30% في الصحيفتين البريطانيتين، وكيف رُتبت الصفقة.
وأضافت الصحيفة أن قرار فتح التحقيق الذي أجري في الأيام الأخيرة لرئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي يمكن أن يشكل صداعا لرئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون، الذي له صلات وثيقة بكل من ليبيديف ورئيس تحرير إندبندنت جورج أوزبورن، الذي يروج له حاليا باعتباره رئيسا جديدا محتملا لصندوق النقد الدولي.
وبحسب غارديان، فإنه نتيجة للصفقة المذكورة أطلقت إندبندنت سلسلة من المواقع الإلكترونية بلغات أجنبية تستهدف جمهور الشرق الأوسط، والعاملون في هذه المواقع هم من موظفي المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق. وبعض الصحفيين المنتجين للمحتوى يتمركزون في العاصمة الرياض التي لديها واحد من أدنى التصنيفات لحرية الصحافة في العالم.
وختمت الصحيفة بأنه رغم أن مواقع إندبندنت التي تصدر بلغات أجنبية تأخذ بعض المقالات من المواقع الرئيسية باللغة الإنجليزية، فإن موظفي الصحيفة المقيمين في لندن لاحظوا أن القصص التي تنتقد المملكة لا تُترجم في تلك المواقع في كثير من الأحيان.
وفي يوليو الماضي اتهمت الحكومة البريطانية صحيفتي “ذي إيفنينغ ستاندارد” و”ذي إندبندنت” بأنهما مملوكتان جزئياً لنظام آل سعود عبر سلسلة من الصفقات “غير التقليدية والمعقدة والسرية”، لإخفاء بيع حصص من المنصتين الإخباريتين المتمركزتين في لندن إلى مصرف حكومي سعودي.
وكان إمبراطور الإعلام الروسي يفغيني ليبيديف، المسيطر على الصحيفتين، قد باع 30 في المائة من أسهمهما إلى شركات خارجية في واجهتها رجل الأعمال السعودي سلطان محمد أبو الجدايل، في 2017 و2018.
وتقول الصحيفتان إنهما غير متأكدتين من الجهة التي تقف وراء أبو الجدايل.
أمام محكمة بريطانية قال الممثل القانوني للحكومة البريطانية، ديفيد سكانيل، إن حكومة المملكة العربية السعودية تستطيع فرض نفوذها على السياسة التحريرية للصحيفتين، لافتاً إلى أن بيع أسهمهما “سيؤثر على الأمن القومي”، ومتهماً ليبيديف بتجنبه لتجاهل الإجابة عن أسئلة حول الصفقات.
كما قيل أمام المحكمة إن الاستثمارات في الصحيفتين تمّت عبر شركتين منفصلتين في جزر كايمان، تحملان اسم “سكايلابل” Scalable و”إنترناشيونال ميديا كومباني” International Media Company، لإخفاء هوية المستثمر الحقيقي.
ويملك أبو الجدايل 50 في المائة من الأسهم في كلّ من الشركتين، وتسيطر “وندروس إنفستمنتس” Wondrous Investments على النصف الباقي من الأسهم. و”وندروس إنفستمنتس” تابعة لـ”البنك الأهلي التجاري” الخاضع لسيطرة الحكومة السعودية، وفق ما نقلت صحيفة “ذا غارديان”.
ويحاول محامو ليبيديف منع التحقيق الحكومي البريطاني بشأن الاستثمار السعودي، بحجة تأخرها عن المهلة النهائية للتدخل. لكن الحكومة البريطانية تقول إن تأخرها مردّه جزئياً إلى رفض ليبيديف ومستثمري آل سعود تسليمها معلومات أساسية حول الصفقات.
وكان وزير الثقافة، جيريمي رايت، قد أعلن عن إجراء تحقيق في الصفقات، الشهر الماضي، محذراً من أن المستثمر النهائي قد تكون لديه “روابط متينة مع السلطات السعودية”، ما يثير مخاوف بشأن اكتساب حكومة أجنبية نفوذاً على السياسة التحريرية لاثنتين من كبرى الصحف البريطانية.
وقال رايت سابقاً إن صفقات الاستثمار السعودية “قد تؤثر على الأجندة الإخبارية لـ(ذي إيفنينغ ستاندارد) و(ذي إندبندنت)”، علماً أن الأخيرة أطلقت سلسلة مواقع إلكترونية بلغات عدة، بينها العربية، تحت إدارةصحافيين سعوديين.
في المقابل، تصر الصحيفتان على استقلالية سياساتهما التحريرية وعدم خضوعهما لنفوذ المستثمرين الماليين.
يذكر أن صحيفة “فايننشال تايمز” كشفت، في فبراير/شباط الماضي، أن المستثمر السعودي سلطان محمد أبو الجدايل، استحوذ على 30 في المائة من أسهم الشركة التي تتولى نشر صحيفة “إيفنينغ ستاندرد”، “ليبيديف هولدينغز” Lebedev Holdings، علماً أن إمبراطور الإعلام الروسي، يفغيني ليبيديف، يسيطر على الحصة الكبرى من أسهمها.
وكان أبو الجدايل قد اشترى 30 في المائة من أسهم صحيفة “ذي إندبندنت” (علقت طبعتها الورقية عام 2016) التي يسيطر عليها ليبيديف أيضاً عام 2017.
وليبيديف تربطه علاقات وثيقة بالمملكة العربية السعودية، إذ نشر عبر “إنستغرام” صورة مع المليشيات التي تدعمها في اليمن.
هذه الاستثمارات أثارت مخاوف النقّاد إزاء اهتمام أبو الجدايل بالاستثمار في الصحافة البريطانية، ورآه كثيرون واجهة تسعى من ورائها سلطات آل سعود إلى تلميع صورتها في الغرب، نظراً إلى سجلها السيئ في مجال الحريات والصحافة وحقوق الإنسان، خاصة بعد اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.