تحذير متأخر من كارثة جائحة كورونا على المملكة
لجأ نظام آل سعود إلى تحذير متأخر من كارثة قد تخلفها جائحة فيروس كورونا في المملكة بعد أسابيع من التقصير وسوء الإدارة وغياب الشفافية.
وحذر وزير الصحة في نظام آل سعود توفيق الربيعة من دراسة تتوقّع ارتفاعا كبيرا بالإصابات بفيروس كورونا في الأسابيع المقبلة بحيث يصل العدد إلى 200 ألف إصابة.
وقال الربيعة إنّ أربع دراسات قام بها خبراء سعوديون وأجانب توصّلت إلى خلاصة “أن أعداد الإصابات خلال الأسابيع القليلة القادمة قد تتراوح ما بين عشرة آلاف إصابة في حدها الأدنى وصولا إلى مئتي ألف اصابة في حدها الاعلى”.
ويأتي الإعلان بعد أن قررت المملكة توسيع نطاق حظر التجول الصارم المعمول به في بعض أنحاء المملكة ليشمل العاصمة الرياض وعددا من المدن الرئيسية.
وكان كشف دخول الفيروس إلى المملكة عن الغفلة التي يعيشها قادة المملكة، ليس فيما يتعلق بانتشار الفيروس فحسب، بل فيما يتعلق بتحركات مواطنيها في دول العالم أيضاً.
فالإصابة الأولى التي تم اكتشافها بهذا الفيروس، كانت لمواطن سعودي جاء من إيران (حيث كان الوباء منتشرًا على نطاق واسع) عبر البحرين، ثم توالت اكتشافات الإصابات وبأرقام تصاعدية، وغالبية الإصابات هي لمواطنين سعوديين كانوا في الفترة الأخيرة في زيارة لإيران دون الإفصاح عن ذلك، ولم تكن جوازات سفرهم مختومة بسمة دخول أو خروج إيرانية، كما هي عادة النظام الإيراني حينما يستقبل مواطني دول المنطقة الموالين له، وهذا بحد ذاته يعتبر فشلًا استخباراتيًا فاضحًا للأجهزة الأمنية لآل سعود.
ولم تتدارك سلطات آل سعود الأمر واتخاذ الإجراءات السريعة للحد من انتشار الفيروس، إلا بعد أن انتشر على نطاق واسع، جعلتها على حافة فقدان السيطرة على انتشار هذا الوباء. يعزز هذه الفرضية، هو إصابة العديد من المعتمرين القادمين من السعودية بالفيروس، وتم اكتشاف إصابتهم في بلدانهم التي رجعوا إليها.
هذا ما أفصحت عنه دول عديدة منها تركيا، التي جاءها الفيروس من معتمريها القادمين من مكة والمدينة، حينما أخضعتهم للفحوص المختبرية الخاصة بهذا الفيروس بعد وصولهم إلى تركيا.
وفي تصريح لوزير الصحة التركي، قال فيه، أن أحد المعتمرين القادمين من أراضي الحجاز، قد أصاب لوحده أكثر من 200 مواطن تركي، بسبب عدم معرفتهم باصابته بالفيروس، ذلك لأن السلطات السعودية لم تنبه دول المعتمرين على تفشي الفيروس فيها.
ولم يكن للسلطات الصحية والأمنية بُدٍ إلَّا البدء على الفور باتخاذ الإجراءات التي أوصت بها الصحة العالمية للحيلولة دون انتشار الفيروس بالمملكة، لكن إجراءً واحداً لم تتخذه، كونه يتعلق بالوضع السياسي للبلد (كما تظن قيادة آل سعود)، وهو عدم الشفافية في الإعلان عن الأرقام الحقيقية للإصابات والوفيات جراء هذا الوباء، وهي بذلك تتساوى مع كل الأنظمة الاستبدادية في المنطقة والعالم، التي تخشى الغضبة الجماهيرية على استهتارها بأرواح شعبها واللامبالاة التي تتعامل بها مع هذا الوباء الخطير.
وكشفت وكالة بلومبيرغ، أن تقريراً سرياً للمخابرات الأمريكية، أكد أن هناك دول عديدة من بينها “السعودية”، أخفت حقيقة تفشي فيروس كورونا فيها، ولم تعلن عن الأعداد الحقيقية للمصابين والوفيات بين سكانها.
ومن الإجراءات المعتادة التي قامت بها المملكة، في هذا الخصوص:
علقت الدخول إلى المملكة لأغراض العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف مؤقتاً.
علقت الدخول إلى المملكة بتأشيرات سياحية للقادمين من الدول التي ينتشر فيها الفيروس.
تعليق دخول مواطني دول مجلس التعاون باستخدام بطاقة الهوية فقط، للتنقل من وإلى المملكة.
إيقاف الدراسة بكل مستوياتها، وتعليق الأنشطة الرياضية، ومنع صلاة الجماعة في المساجد.
ثم توالت بعد ذلك الإجراءات الأكثر تشددًا تزامنًا مع ازدياد حالات الإصابة وحالات الوفيات جراء انتشار الفيروس، لتشمل فرض حضر التجوال في مكة المكرمة والمدينة المنورة على مدار اليوم. بالإضافة إلى فرض حضر تجوال جزئي من الساعة الثالثة ظهرا حتى الساعة السادسة صباحا من اليوم التالي في مدينة الدمام ومحافظتي الطائف والقطيف.
لكن الجانب الأكثر إيلامًا لابن سلمان في قضية وباء كورونا، هو دخول الاقتصاد السعودي في ركود ربما سيعقبه كارثة اقتصادية في ظل توقف كل الفعاليات الاقتصادية، الأمر الذي يضرب رؤية 2030 بالصميم. وفي إجراءٍ عاجل من السعودية أعلنت عن تدابير عاجلة بـ120 مليار ريال (ما يقارب 32 مليار دولار) لتخفيف آثار كورونا الاقتصادية. والإعلان عن إعداد برنامج بقيمة 50 مليار ريال لدعم القطاع الخاص لتخفيف الآثار المالية والاقتصادية لفيروس كورونا، بالإضافة إلى تخفيض جزئي بمقدار 5% من إجمالي نفقات موازنة 2020.
وأكدت الحكومة إنها أعدّت مبادرات عاجلة لمساندة القطاع الخاص خاصةً المنشآت الصغيرة والمتوسطة والأنشطة الاقتصادية الأكثر تأثراً من تبعات هذا الوباء، تمثلت في إعفاءات وتأجيل بعض المستحقات الحكومية لتوفير سيولة للقطاع الخاص، ولكن من ناحية أخرى نفت الحكومة السعودية إنها تكفلت برواتب العمال والكسبة بالقطاع الخاص، مع إلزامهم بعطلة اجبارية عن أعمالهم، الأمر الذي شكل عبًا كبيرًا على تلك الشريحة المجتمعية، إذا ما علمنا أن عددهم يتجاوز الـ 8 مليون عامل، وبما يفوق الـ 5 مليون موظف حكومي والذين تكون رواتبهم مضمونة من الدولة. لكن الحكومة وفي سبيل التخفيف عن القطاع الخاص قامت بجملة من الإجراءات كانت أهمها:
1- الإعفاء من المقابل المالي على الوافدين المنتهية إقاماتهم وتمديد فترة الإقامات الخاصة بهم لثلاثة أشهر دون مقابل.
2- تمكين أصحاب العمل من استرداد رسوم تأشيرات العمل المصدرة التي لم تُستغل خلال مدة حظر الدخول والخروج من المملكة، أو تمديدها لمدة ثلاثة أشهر دون مقابل.
3- تمكين أصحاب الأعمال ولمدة ثلاثة أشهر من تأجيل توريد ضريبة القيمة المضافة وضريبة السلع الانتقائية وضريبة الدخل،
4- تأجيل تحصيل الرسوم الجمركية على الواردات لمدة ثلاثين يوماً.
5- تأجيل دفع رسوم الخدمات الحكومية والبلدية المستحقة على منشآت القطاع الخاص، لثلاثة أشهر.
لكن خبراء اقتصاديون ومحللون أجمعوا على أن كل تلك الإجراءات والتدابير المالية الوقائية التي تم اتخاذها مؤخراً، هي بمثابة تخفيف للأزمة الاقتصادية التي تمر بها المملكة، وليست علاجاً نهائياً.
هل تعكس الأرقام المعلنة حقيقة الإصابات في المملكة؟
وفي مراجعة بسيطة للأرقام المعلنة من السلطات الصحية السعودية حول انتشار الفيروس بالمجتمع السعودي وأرقام الوفيات الناتجة عنه، يجعلنا نشك كثيرًا في مصداقيتها، كونها لا تتناسب مع عدد سكان المملكة، ولا يتناسب أيضًا مع الإجراءات البسيطة المتخذة من قبل السلطات السعودية، ذلك لأن دولٍ عديدة، متقدمة صحيًا وصناعيًا، وصلت مرحلة فقدان السيطرة على انتشار المرض في بلدانها، والأرقام المعلنة عن الإصابات والوفيات توضح الصورة بشكل جلي عن عمق المشكلة التي يعانون منها، لأنها دولٍ تراعي الشفافية في الإعلان عن الإصابات مع شعوبهم، فكيف تكون اعداد الإصابات في المملكة بهذا المستوى المنخفض الذي تعلنه.
ونقلت تقارير عن ناشطين بمواقع التواصل الاجتماعي قولهم، إن الأحياء الفقيرة في مكة، مثل حي النكاسة الشهير، كفيلة بأن تشكل أزمة كبيرة وبؤرة للمرض يصعب السيطرة عليها، بسبب الازدحام، ووعورة المكان، وخطورته.
كما وتداولت حسابات مهمة في مواقع التواصل منها منصة التواصل الشهيرة “تويتر”، حقيقة أن الأرقام الحقيقية للإصابات بفيروس كورونا، وحالات الوفيات الناتجة عنه، هي أعلى بكثير من الأرقام المعلنة من قبل السلطات السعودية، وبالذات في مكة المكرمة.
فقد ذكر أحد تلك الحسابات أرقاماً مخيفة عن حقيقة الوباء في المملكة، حيث ذكر أن هناك “أكثر من 1000 حالة في مستشفى الشميسي – الرياض”، كما أشار إلى وجود مئات الحالات في العديد من المستشفيات فضلاً عن آلاف الحالات في الحجر دون مستشفى، وذكر كذلك بأن الإصابات طالت حتى الكوادر الطبية في مكة.
والذي يمنع المسؤولون في نظام آل سعود من التعامل بشفافية مع شعبهم، هو خشيتهم أن يساهم ذلك في تسليط نقمة الشعب السعودي على قادتهم، في ظل حكم الحديد والنار التي يتعامل بها ولي العهد بن سلمان مع شعبه، وخشيته من أن يتحول فيروس كورونا إلى شرارة تشعل نار الثورة ضد نظامه.