شعار حقوق الإنسان في المملكة تكذبه الوقائع
أثار ترويج الذباب الالكتروني لنظام آل سعود وسم #السعودية _الاول_بحقوق_الانسان سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي في ظل الوقائع التي تكذب الشعار المزعوم.
وأبرز مغردون الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبها نظام آل سعود ولا يزال بما في ذلك اعتقال آلاف في سجونه على خلفية الرأي والدعوة للإصلاح السياسي وإطلاق الحريات.
وفي السنوات الأخيرة صعَّدت سلطات آل سعود من اعتقال الشعراء، واعتقلت في الفترة بين ٢٠١١ و٢٠١٩، ستة عشرة شاعراً في ظل واقع من الملاحقة الشرسة للكلمة في مختلف أشكالها.
ومنذ ١٤ عاما تتجاهل المملكة طلب المقرر الخاص المعني بالتعذيب في الأمم المتحدة بزيارة المملكة بحيث أن المجموع بلغ ٤ طلبات خلال هذه السنين، آخرها طلب زيارة خلال النصف الأول من ٢٠٢٠.
ويعلق مغردون مخاطبين نظام آل سعود “إن كان سجلكم خاليا من التعذيب كما تدعون، لماذا لا تفتحون سجونكم للمقرر الأممي والمنظمات الحقوقية الدولية للتأكد من ذلك؟!
وأشار المغردون إلى السجل الدموي لنظام آل سعود في ملف الإعدامات، إذ أن ٥١% من الإعدامات التي نفذتها المملكة خلال فترة حكم الملك سلمان كانت على تهم غير جسيمة بواقع:
٤٥% في ٢٠١٥
٤٧% في ٢٠١٦
٤٦% في ٢٠١٧
٤٦% في ٢٠١٨
٧٠% في ٢٠١٩
٥٠% في ٢٠٢٠
علما أن القانون الدولي يمنع الإعدام بناءا على تهم غير جسيمة، وتوافق المملكة في العلن على ذلك، لكن نظام آل سعود فعليا يمارس الإعدام على نطاق واسع بغرض الترهيب وانتهاك حقوق الإنسان.
فضلا عن ذلك تمتلك المملكة سجلا سيئا في قتل الأطفال، إذ أن ١٣ طفلا يواجهون خطر القتل داخل السجون فيما أجهزة أمن النظام تقف وراء هذه الوحشية وتهدد حياتهم.
ويتم ذلك في وقت يزعم فيه نظام آل سعود أنه ملتزم بالأنظمة الداخلية والاتفاقيات الدولية التي تحمي الحقوق الثقافية.
ونهاية العام الماضي قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية إن مزاعم الإصلاحات الاجتماعية المهمة التي نُفذت تحت حكم محمد بن سلمان ترافقت مع تشديد القمع وممارسات مسيئة تهدف إلى إسكات المعارضين والمنتقدين.
وأصدرت المنظمة الدولية تقريرا في 57 صفحة، بعنوان “الثمن الفادح للتغيير: تشديد القمع في عهد محمد بن سلمان يشوّه الإصلاحات”، يوثق الممارسات التعسفية والمسيئة المستمرة التي تستهدف بها سلطات آل سعود المعارضين والنشطاء منذ منتصف 2017، والغياب التام لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
ووجدت هيومن رايتس ووتش أنه رغم الإصلاحات البارزة لصالح المرأة والشباب، تُبين الانتهاكات المستمرة أن سلطة القانون لا تزال ضعيفة وقد تتقوّض متى شاءت القيادة السياسية في المملكة.
وقال مايكل بَيْج نائب مديرة قسم الشرق الأوسط لدى هيومن رايتس ووتش: “أنشأ محمد بن سلمان قطاعا للترفيه وسمح للمرأة بالسفر والقيادة. لكن السلطات السعودية حبست العديد من المفكرين والنشطاء البارزين الإصلاحيين في المملكة خلال ولايته، والذين دعا بعضهم إلى تطبيق هذه الإصلاحات نفسها. إذا كانت السعودية تسعى إلى إصلاحات حقيقية، فعليها ألا تعرّض أبرز نشطائها إلى المضايقة، والاحتجاز، وسوء المعاملة”.
ويرتكز التقرير على مقابلات مع نشطاء ومعارضين سعوديين منذ 2017، وبيانات حكومية ومستندات من المحكمة بالإضافة إلى مراجعات شاملة وتفصيلية لوسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي السعودية.
وفي يونيو/حزيران 2017، عيّن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز نجله محمد بن سلمان وليا للعهد، جاعلا إياه الملك التالي والحاكم الفعلي المعني بالإدارة اليومية بالمملكة.
وروج نظام آل سعود لتغييرات إيجابية في محاولة منه لصقل صورة إيجابية لولي العهد على الساحة السياسية الدولية.
لكن المنظمة الدولية أبرزت وراء المظاهر البرّاقة المستجدة والتقدم الذي أحرزه لنساء المملكة وشبابها، تقبع حقيقة مُظلمة، مع سعي السلطات السعودية إلى إزاحة أي شخص في المملكة يجرؤ على الوقوف في طريق صعود محمد بن سلمان السياسي.
في صيف 2017، في الفترة التي شهدت تعيينه وليا للعهد، أعادت السلطات بهدوء تنظيم أجهزة النيابة العامة والأمن السعودية، أدوات القمع الأساسية في المملكة، ووضعتها تحت إشراف الديوان الملكي مباشرة.
في ظل ممارسات محمد بن سلمان والتي يهدف من خلالها إلى اعتقال النشطاء والدعاة والحقوقيين وكل المعارضين والمنتقدين لنظام آل سعود القمعي.
وشن نظام آل سعود حملات اعتقال تعسفية واسعة النطاق على مدار الأيام الأخيرة على خلفية انتقاد أنشطة هيئة الترفيه الحكومية وما تنشره من إفساد في المملكة وانقلاب على قيمها المحافظة.
وأظهر ذلك حدة التناقض بين ترويج آل سعود بأن هيئة الترفيه تستهدف استعادة ما يقال إنها الحالة الطبيعية للمجتمع السعودي قبل عصر الصحوة الإسلامية، في وقت أن أطيافا مختلفة من ذلك المجتمع تقبع في غياهب السجن؛ مما يشكل مفارقة في المملكة في عهد محمد بن سلمان.
أرادت سلطات آل سعود أن تعيش حداثة وتقدم ما حُرم منه الشعب عقودا، فقد قال بن سلمان في مؤتمر مبادرة المستقبل في أكتوبر/تشرين الأول 2017 إن “المجتمع السعودي لم يكن بهذا الشكل قبل 1979 (قيام الثورة الإيرانية وبداية انتشار الصحوة الإسلامية في السعودية)، نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب”.
وأضاف “نريد أن نعيش حياة طبيعية”، مهددا بالقضاء على ما أسماها “بقايا التطرف”، وهو يشير إلى الرموز الدينية والصحوية التي يمكن أن تنتقد توجهاته الاجتماعية، ومنها الترفيه.
غير أن تلك التصريحات صاحبتها حملة اعتقالات واسعة لمشايخ وعلماء دين مؤثرين في المجتمع، أو أكاديميين وناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، استباقا لظهور أي نقد للترفيه أو سياسات الأمير محمد بن سلمان.
وإذا كان الكثير من تلك الرموز اعتقلوا، وهم الذين لم تعرف عنهم انتقادات واسعة للسلطة، فليس غريبا أن تعتقل السلطات شخصيات أخرى على خلفية انتقادات صبت جام غضبها لا على الترفيه كونه حاجة من احتياجات المجتمع، بل على النمط الذي يرونه يسير بالمجتمع بعيدا عن مراعاة تقاليده وعاداته الدينية، حسب رأيهم.
فقد اعتقلت سلطات آل سعود عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام (سابقا) الشيخ عبد الرحمن المحمود على خلفية قيام عدد من تلامذته بإعادة نشر جزء من إحدى حلقات برنامج كان يقدمه في مايو/أيار 2017.
وانتقد الشيخ في المقطع المتداول من سمّاهم “السفهاء”، في إشارة إلى هيئة الترفيه. وحذر من خطورة السماح لهم بإفساد المجتمع، على حد قوله، كما ذكر حساب “معتقلي الرأي” المعني بحقوق المعتقلين في السعودية.
وقبل ذلك اعتقلت السلطات فيصل بن سلطان بن جهجاه بن حميد شيخ قبيلة عتيبة، على خلفية تغريدات انتقد فيها هيئة الترفيه عبر رئيسها تركي آل الشيخ، ودعا فيها إلى أن يكون الترفيه بطريقة منطقية ومقبولة من دون المس بجوهر الدين والثوابت.
كما استدعت السلطات الشاعر الشعبي سفر الدغيلبي للتحقيق معه بسبب قصيدة تضمنت انتقادات غير مباشرة إلى آل الشيخ، واعتقلت السلطات كذلك قبل أيام الشاعر حمود بن قاسي السبيعي ومصمم الفيديو قنصل بن سبيع، على خلفية مقطع فيديو ينتقد ممارسات رئيس هيئة الترفيه.
كما كان تم اعتقال الداعية عمر المقبل الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة القصيم، الذي قال في خطبة جمعة “لسنا ضد الترفيه، لكننا ضد سلخ المجتمع من هويته باسم الترفيه”.
وإذا كانت السلطات تريد أن يعود المجتمع إلى حالته الطبيعية في الانفتاح داخليا وخارجيا، فإن السؤال الذي يتبادر إلى ذهن المراقب: لماذا تقمع الدولة وبشدة أصواتا عديدة ومن أطياف مختلفة من الشعب تنتقد هذه العودة لما يفترض أنهم يريدونه ويطالبون به؟ ألا تمثل هذه الشخصيات أطيافا واسعة أو حتى معتبرة من هذا الشعب الذي تتحدث عنه السلطات؟
ويطرح متابعون إشكالية أخرى ناتجة عن هذا السؤال، وتعبر عن تحديد المجتمع الذي تريد عودته أو إعادة تشكيله السلطات هناك؛ فبالنظر إلى أن الفئة الرافضة هي أقلية وأصوات نشاز لا تؤثر في المجتمع كما تردد وسائل الإعلام السعودية؛ فيفترض ألا تتخوف منها السلطات كل هذا الخوف، وتتابع أي انتقاد حتى لو كان من شخصيات مغمورة.
أما بالنظر إلى أن هذه الفئة شريحة واسعة ترفض هذه التوجهات الترفيهية، فإن ذلك يدحض رؤية السلطات القائمة حاليا برغبتها في تنفيذ ما يريده المجتمع وإعادته إلى وضعه الطبيعي.
ويبدو الترفيه ووسائله المختلفة حاجة اجتماعية في أي بلد، خاصة في بلد حُرم منها عقودا، إلا أن اللافت في دولة الحرمين الشريفين إصرارها على الانتقال من المحافظة الشديدة التي تميز بها المجتمع السعودي إلى الانفتاح غير المنضبط، واستيراد ترفيه خارج سياق البيئة العربية والإسلامية، فضلا عن البيئة السعودية، ومحاولة تطبيعه في المجتمع، وهو ربما ما يفسر حملات الاعتقالات المنددة بالترفيه.
ويرى مراقبون أن سببا رئيسيا آخر من أسباب اعتقال من ينتقدون الترفيه، وهو نفوذ رئيس الهيئة تركي آل الشيخ الذي يعد أحد أقرب الشخصيات لمحمد بن سلمان وأكثرها ولاء له، وهو المعروف بتعامله الفظ حتى مع صحفيين ومصورين غير معروفين.
وقد قوبل حملة اعتقالات آل سعود بموجة غضب واسعة في المملكة. وكتب المعارض العروف عبدالله الغامدي على تويتر أن الاعتقالات بسبب رفض تفاهات هيئة الترفيه “رسالة واضحة من ابن سعود مفادها أن ابن سعود عازم على تتفيه وإفساد وإذلال الشعب. فرسالتي لأحرار وشرفاء بلاد الحرمين:لا خلاص لكم إلا بالثورة والانقلاب على ابن سعود”.