فضائح السعودية

هكذا يفرض بن سلمان انقلابا على الموروث الديني والثقافي في السعودية

بدأ واضحا أن السعودية التي عُرفت على الدوام بانغلاقها الديني, بدأت تتخلص من الثوب المحافظ كي ترتدي ثوبا أكثر انفتاحاً, في مرحلة جديدة من عمر آل سعود, دشنها محمد بن سلمان منذ وصوله إلى كرسي ولي العهد.
ويشهد المجتمع السعودي في السنوات الأخيرة مظاهر كانت تعتبر من المحظورات والمحرمات, بسبب العادات والتقاليد, وبسبب طبيعة الحياة الاجتماعية في السعودية.
بإملاء مباشر من ابن زايد, انشأ ابن سلمان اللجنة التي تقوم على إعادة رسم الخارطة الثقافية والاجتماعية للبلاد, وإعادة تشكيل العقل الجمعي وفقاً لما يرتضيه الغرب, ولذلك جاء اختيار رئيسها بشكل دقيق, ممن يجيد تزيين الفساد وتلطيف المنكر, وهو الوليد الإبراهيم, مالك قنوان mbc.
ففي عام 2016 اعلن ولي العهد السعودي عن انشاء الهيئة العامة للترفيه في المملكة, ضمن رؤية السعودية 2030, التي قدمها ولي العهد محمد بن سلمان, بهدف تطوير وتنظيم قطاع الترفيه ودعم بنيته التحتية في المملكة، وذلك بالتعاون مع مختلف الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وفق استراتيجيتها المعتمدة، الهادفة إلى المساهمة في تحسين جودة الحياة في المملكة”.
يبدو ان دور هيئة الترفيه اساسياً في التغطية على فظاعة ما يرتكب من اعتقالات, وتعذيب, بحق الناشطين والناشطات.
غير أن التحولات المتسارعة في المجتمع السعودي تواجه تحديات متعددة قد تهدد بمقتل أي محاولة لإنفتاح معين, فالقبضة الأمنية لا تزال حاضرة بدليل إلقاء القبض واعتقال الكثير ممن لهم آراء مخالفة أو حتى مستقلة عن توجهات الدولة.
كما يثير الوضع الاقتصادي الصعب, خاصة مع شكاوي مواطنين من غلاء اسعار وارتفاع البطالة, أسئلة حول النية الحقيقية وراء هذا الانفتاح, ومدى امكانية أن يتعلق الأمر بمحاولة لتنفيس ضغط شعبي, والتغطية على جرائم ولي العهد محمد بن سلمان.
واذا كانت الرياض تواجه انتقادات حقوقية غربية على استمرار تأثر قوانينها بالفكر الوهابي المتشدد, فإنها الآن تواجه ضغطاً من جهات مسلمة متعددة, ترى في السعودية دولة حامية للركن الخامس من أركان الاسلام, أي الحج, وانها تحتضن المكان الذي انطلقت منه الدعوة الاسلامية.
لذلك, طالب النشطاء تراجع السلطات السعودية عن افعالها, والمحافظة على شكل السعودية وفكرها الاسلامي.
وجد إعلان ميزانية الترفيه معارضة ملحوظة في مواقع التواصل الاجتماعي, انطلقت من أسباب دينية تستنجد بالخصوصية الدينية للبلد, اذ لطالما حرًم شيوخ معروفون بثقلهم الديني بالمملكة, مجالات الموسيقى والسينما والرقص.
إلى جانب محاولة تبدو ساذجة حتى الساعة في التغطية المستمرة على جريمة اغتيال خاشقجي, وهي المحاولات التي تواجه مشاكل كبيرة, آخرها فسخ وكالة “أنديفور” الهوليوودية عقداً ب400 مليون دولار مع المملكة, نتيجة لتداعيات اغتيال خاشقجي.
الهيئة نجحت بالفعل بإحداث تغيير في نمط الحياة السعودية: حفلات مستمرّة، تدفّق لنجوم عالميين وعرب، وكان السعوديون قبل وقت قليل، يسافرون إلى دول مجاورة أو بعيدة لحضور حفلاتهم.
وبعيداً عن الحسابات السياسية عرف محمد بن سلمان كيف يخاطب الشباب السعوديين، كواحد منهم، تحديداً من خلال هذه الهيئة ونشاطاتها: إنريكي إيغليسياس، وماريا كاري، وأنغام، وماجدة الرومي، وإليسا، وعمرو دياب، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وشريهان… أسماء عربية وعالمية أحيت أو ستحيي حفلات وعروضا في المملكة، لتتحوّل بذلك السعودية إلى واحدة من أبرز الوجهات الخليجية والعربية لحفلات الفنانين.
شهران تقريباً، كانت المدة الكافية لتتعامل الهيئة مع خسارتها، ومع صورتها المهزوزة. أوامر ملكية أدت إلى تغييرات رسمية وحكومية في المملكة، كان أبرزها تعيين تركي آل الشيخ على رأس الهيئة العامة للترفيه.
آل الشيخ المشهور بعلاقاته مع عدد كبير من الفنانين العرب، والمشهور أيضاً بمواقفه المثيرة للجدل، لم يتأخر في تلبية الواجب.
سريعاً بدأ نشاطاته، التي تشمل يومياً توقيع اتفاقات مع جهات عربية وغربية لتنظيم نشاطات ترفيهية في المملكة.
ولعلّ صورته في القاهرة محاطاً بمجموعة من نجوم الصف الأول على الساحة المصرية الفنية هي خير دليل على نشاطه الجاد في إعادة الهيبة لهيئة الترفيه.
ومن القاهرة إلى لندن، حيث وقّع في يوم واحد اتفاقيات عدة لتنظيم برامج ترفيهية “عائلية” خلال شهر رمضان، وفي الأشهر التي تليه في مختلف محافظات المملكة.
هكذا تبقى هيئة الترفيه السلاح الداخلي الأساسي لمحمد بن سلمان، لمسح لطخة الدم التي التصقت بعهده، وللتغطية على الأصوات المطالبة بالحرية للناشطات/ين الحقوقيات/ين في السجون السعودية.
وأمام هذا الدور الذي يتخطى حاجز الترفيه عن السعوديين، لا يبدو مستغرباً أن تكون قيمة الاستثمارات في البنية التحتية الترفيهية خلال العشر سنوات القادمة هي 64 مليار دولار، كما أعلنت الهيئة نفسها عام 2018.
64 مليار دولار، تحوّل المملكة إلى واحدة من أول 10 وجهات ترفيهية في العالم، وتدفن صوت المنشار، ومناشدات الناشطات المعتقلات، تحت صوت الموسيقى في “طنطورة”، وتحت تصفيق وفود الفنانين والصحافيين المبهورين برؤية “الأمير الشاب والطموح”.
وقد بدأت مساحة الترفيه تتسع في المملكة, بعدما كان التضييق هو سيد الموقف, فقد سمحت السلطات بتنظيم الحفلات الموسيقية.
واحتفلت السلطات في اليوم الوطني في سبتمبر/أيلول 2017 ببرنامج كبير شمل عروضا وحفلات موسيقية. وأقيم حفل موسيقي بمدينة جدة المطلة على البحر الأحمر شارك فيه موسيقيون عرب وشهد عروضا للألعاب النارية وعروضا جوية ورقصات شعبية تقليدية.
وقام حكام المملكة أيضا بزيادة مظاهر الاحتفالات باليوم الوطني التي كانت تتعرض لانتقادات من بعض رجال الدين بحجة أنها تقوض الشعور الديني. وقاموا أيضا بالترويج لمواقع التراث مثل المعابد الصخرية النبطية.
وسمحت السلطات أيضا للمدارس باستخدام الموسيقى، ونقل عن مدير النشاط الطلابي في وزارة التعليم السعودي عبد الحميد مسعود قوله في تصريح لقناة سعودية إن “الموسيقى مقبولة في سياق وطني وتربوي” في النشاطات الطلابية بمدارس السعودية.
وانتقد بعض المغردين تلك الخطوة وقالوا إنه ينبغي على وزارة التعليم الالتزام “بفتاوى كبار علماء الدين” مشيرين إلى أن “الموسيقى حرام وتميت القلب وتصدنا عن ذكر الله وقراءة القرآن”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى