أخبار

أربع زيارات أميركية للسعودية تفضح التجاهل المتعمد للملف الحقوقي

لم يكن التجاهل المتعمد لأصوات أصحاب المظالم وذوي المعتقلين في سجون النظام السعودي ممن لجأوا للإدارة الأميركية لحمل رسالة لولي العهد محمد بن سلمان، تطالبه بإطلاق سراح كافة المعتقلين، هو الأول من نوعه.

فقد بدأ صوت واشنطن يخفت تدريجيا أثناء حديثها عن الملف الحقوقي برمته في المملكة، بعكس تعهداتها السابقة، بحسب ما أبرزت صحيفة “صوت الناس” التابعة لحزب التجمع الوطني المعارض.

وظهر ذلك جليا في الزيارات المعلنة والسرية، التي أجراها مسؤولين بارزين على رأسهم الرئيس الأميركي جو بايدن، والتي أعقبها زيارة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي أي أيه”، وليام بيرنز، وتلتها زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، وأخيرا حل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ضيفا خفيفا على الرياض منمقا لكلماته عن حقوق الإنسان.

وتعهد الرئيس الأميركي جو بايدن إبان حملته الانتخابية بجعل المملكة السعودية “دولة منبوذة دوليا”، وشدد على ضرورة معاقبتها على حرب اليمن التي تخوضها منذ مارس/آذار 2015، وقتلها الوحشي للصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.

لكن بايدن انتهى به المطاف ضيفا على جدة في 15 و16 يوليو/تموز 2022.

كما اجتمع بايدن بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وصافح بقبضة اليد ولي العهد الذي أكدت الاستخبارات الأميركية أنه وافق على تنفيذ عملية في إسطنبول لاعتقال أو قتل خاشقجي، مبررا زيارته في مقال نشرته واشنطن بوست، بأنها في إطار مواجهة عدوان روسيا والتغلب على الصين، وزعم أن آراءه حول حقوق الإنسان واضحة وطويلة الأمد.

وعّدت خطيبة خاشجقي خديجة جنكيز، في مقال كتبته في صحيفة واشنطن بوست الأميركية وتصريحات لوكالة “أسوشيتد برس”، زيارة بايدن “تراجعا كبيرا للغاية.. وأمر مفجع ومحبط.. وسيفقد بايدن سلطته الأخلاقية بتغليبه النفط والمنفعة على المبادئ والقيم”، مستنكرة ازدواجية معاييره وأعربت عن خيبة أملها العميقة إزاء موقفه.

وأعقب زيارة بايدن للسعودية جدلا واسعا حول ما إذا كان الرئيس الأميركي ناقش قضية خاشقجي مع بن سلمان أم لا، والكيفية التي تناولها بها، حيث قال وزير الخارجية السابق عادل الجبير، الذي كان حاضرا اللقاء حينذاك، إن بايدن أثار القضية في بداية الاستقبال وذكر أنها “مشكلة”، وأضاف أنه “أخذ تأكيدات السعودية في ظاهرها”.

وأوضح أن بن سلمان قال لبايدن إن “هذه مأساة للسعودية” وأن المسؤولين عنها “قد تم التحقيق معهم وواجهوا العدالة”، ثم انتقلوا لبحث قضايا مهمة من الأجندة الثنائية والإقليمية.

وأعرب عن اعتقاده بأن الرئيس الأميركي قبل التفسير السعودي فيما يتعلق بالقضية، وزعم بأن السعودية حققت في الجريمة وحاسبت المسؤولين عنها.

لكن الرئيس الأميركي نفى صحة تصريحات الجبير، وأفاد بأن بن سلمان قال بشكل أساسي إنه ليس مسؤولا شخصيا عن مقتل خاشقجي، وأنه اتخذ إجراءات لمحاسبة المسؤولين.

وأضاف أن الولايات المتحدة ملتزمة بحقوق الإنسان لأنه منذ أن كتب الآباء المؤسسون الدستور، يعتبر هذا جزءا من أجندة كل رئيس أمريكي.

إلا أن توالي الزيارات الأميركية للسعودية أثبتت انحرافا أميركيا عن هذا المسار، فقد زار رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام برينز، التي وجهت وكالته إدانة مباشرة لابن سلمان في مقتل خاشقجي، السعودية في زيارة غير معلنة أبريل/نيسان 2023، جاءت في أعقاب الإعلان المفاجئ لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في مارس/أذار 2023.

وغاب عن اللقاء أي إشارة للملف الحقوقي، وأوضحت مصادر مطلعة أن الزيارة كان هدفها إظهار التزام أميركا المصالح المشتركة، ولا سيما في مجال مكافحة الإرهاب.

كما أخبر رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بن سلمان، أنّ الولايات المتحدة شعرت بالصدمة من تقارب الرياض الأخير مع إيران وسوريا، خاصة أنه تم برعاية المنافسين العالميين لواشنطن.

وفي 6 مايو/أيار 2023، زار مستشار الأمن القومي الأميركي المملكة، والتقى ولي العهد السعودي، واستعرضا ما وصفها البيت الأبيض بأنه “تقدم كبير” في جهود السلام في اليمن، وشكره على دعم المملكة للمواطنين الأميركيين أثناء الإجلاء من السودان التي اشتعلت فيه الحرب منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وقبل أسبوع وتحديدا في 6 يونيو/حزيران 2023، وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى السعودية، واجتمع في ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي مع ولي العهد، وناقشا مجموعة واسعة من القضايا الثنائية في محادثات وصفها مسؤول أميركي بالمنفتحة والصريحة، لكنها لم تسفر عن أي نتائج ملموسة بشأن الأوضاع الحقوقية والإنسانية بالمملكة.

وقالت وكالة رويترز، إن مواطنون ومقيمون دائمون في أميركا، أرسلوا رسالة إلى الإدارة الأميركية قبل زيارة بلينكن، للمملكة، دعوا فيها للضغط على المسؤولين السعوديين للإفراج الفوري عن أقاربهم، بينهم رجل الدين البارز الدكتور سلمان العودة وأبناء رئيس المخابرات السابق سعد الجبري والمدافع عن حقوق الإنسان محمد القحطاني وعامل الإغاثة عبد الرحمن السدحان.

ونقلت الوكالة عن مسؤول أميركي قوله إن بلينكن أثار قضايا حقوق الإنسان في لقائه سواء على مستوى واسع أو فيما يتعلق بقضايا محددة، دون أن يحدد الحالات؛ وانتهت زيارة وزير الخارجية الأميركي للسعودي بتشديد نظيره السعودي فيصل بن فرحان في المؤتمر الذي أعقب اجتماعهما، على أن بلاده لا تستجيب للضغوط فيما يتعلّق بحقوق الإنسان.

ولم يعلق بلينكن، على ما قاله فرحان، لكنه أكد أن بلاده ملتزمة بتعزيز واستمرار الشراكة في المنطقة، وأنها تعمل عن كثب مع السعودية لوقف إطلاق نار دائم في اليمن وإطلاق عملية سياسية شاملة، بالإضافة إلى التركيز في العمل مع دول المنطقة على مواجهة سلوك إيران المزعزع في المنطقة، مشدداً على أن العلاقات مع دول الخليج مهمة لبلاده ودول المنطقة.

وبدوره، أعرب الأمين العام لحزب التجمع الوطني الدكتور عبدالله العودة، خلال مقابلة مع الإذاعة الوطنية العامة الأميركية، نشرت تحت عنوان “رحلة بلينكن إلى المملكة السعودية تخيب آمال نشطاء حقوق الإنسان”، عن شعوره بخيبة أمل كبيرة من نتائج زيارة بلينكين، على المستوى الحقوقي والإنساني.

وتفضح الزيارات الدبلوماسية الأميركية المتتالية تباعا أن وعود أميركا بشأن حقوق الإنسان ورعايتها لها مجرد أحاديث جوفاء، خاصة أن زيارة بلينكن الأخيرة ركزت أكثر على دفع المملكة نحو تطبيع علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي ومواصلة الضغط على إيران وخفض أسعار النفط والنفوذ الصيني والروسي، دون فتح ملفات انتهاك حقوق الإنسان ومناقشتها.

ورأى مراقبون أن زيارة بلينكن للسعودية فشلت في تحقيق أهدافها المتعلقة بالجانب الحقوقي، وفق التباينات حول ما تطرق له مع نظيره السعودي بمؤتمرهما الصحفي، فقد قدم بن فرحان تصريحات مناقضة لتصريحات بلينكن كما ألمح إلى محاولات الأخير استخدام البرنامج النووي للمملكة وملف حقوق الإنسان كأوراق ضغط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى