من المنبوذ إلى النصير: تحولات محمد بن سلمان في إدارة بايدن
شهدت فترة ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن التي توشك على الانتهاء في البيت الأبيض، تحولات عميقة في تعامله مع ولي العهد محمد بن سلمان من المنبوذ إلى النصير.
وأبرزت الناشطة الحقوقية الدولية سارة لي ويتسن، أن بايدن استغرق أكثر من أربع سنوات للتخلي تمامًا عن تعهده الانتخابي بإنهاء مبيعات الأسلحة إلى السعودية، مما أدى إلى تآكل الوعد شيئًا فشيئًا قبل أن يعلن أخيرًا في نهاية يوم الجمعة 9 أغسطس/آب أن الإدارة ستستأنف مبيعات الذخائر الهجومية جو-أرض إلى المملكة.
وقالت ويتسن إنه في الواقع، كان حظر الأسلحة مجرد الأثر الأخير لسياسة مهجورة منذ فترة طويلة لعزل السعودية ومعاقبتها على فظائعها وانتهاكاتها المروعة المختلفة في الداخل والخارج.
وبدلًا من البناء على ذلك، ضاعفت حاشية إدارة بايدن من احتضانها لولي العهد محمد بن سلمان، وعرضت سلة لا تنتهي من التنازلات والمكافآت، كتذكرة ذهبية لاستمرار تفوق الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مهما كان الثمن.
وما يلي ذلك سيكون اندفاعهم إلى خط النهاية، ومنح الأمير أكبر جائزة على الإطلاق— ضمان أمني أمريكي غير مسبوق— قبل أن ينفد الوقت على رئاسة جو بايدن.
وذكرت ويتسن أن قطع الإمدادات عن أكبر مشترٍ للأسلحة الأمريكية في العالم كان يحمل تكاليف مفهومة جيدًا، ولم يزعج شركات الدفاع الأمريكية المحرومة من بقرة النقد السعودية فحسب، بل شجع أيضًا محمد بن سلمان على الانتقام من خلال التباهي بعلاقات أوثق مع الصين وروسيا.
وهكذا بعد بضعة أشهر فقط من العام الأول لإدارة بايدن، تراجع فريق الأمن القومي التابع له عن حظر الأسلحة، موضحًا أنهم كانوا يعتزمون فقط منع الأسلحة “الهجومية”، وليس “الدفاعية”.
لم تتم الإجابة على استفسارات أعضاء الكونغرس حول التمييز بين هذه المصطلحات. وسرعان ما تدفقت مليارات الدولارات من الأسلحة، مما مهد الطريق لمزيد من إصلاح للعلاقات مع الحاكم السعودي، وبلغت ذروتها في “مصافحة القبضة” سيئة السمعة بين بايدن ومحمد بن سلمان في جدة في يوليو/تموز 2022.
وبمجرد أن أعلن فريق بايدن أنه سيتّبع أيضًا نهج ترامب في جعل إضافة السعودية إلى اتفاقات أبراهام أولوية في السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، تم تجاهل أي مخاوف متبقية بشأن مكافأة المملكة بدعم عسكري جديد على الرغم من أهوالها المنتشرة في اليمن وفي الداخل، أو بشأن تأجيج عدوانيتها في المنطقة.
وإلى جانب اعتراف مستشار الأمن القومي جيك سوليفان العلني بأولوياته الثانوية— النفط الرخيص وإبعاد الصين عن المنطقة— كانت الإجابة الوحيدة على “قفزة” محمد بن سلمان هي السؤال “إلى أي ارتفاع؟”.
إذ لجأ محمد بن سلمان إلى لعبة صعبة من النفوذ العكسي، ليس فقط برفض فتح صنبور النفط لتقليل أسعار النفط العالمية قبل الانتخابات التمهيدية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 على الرغم من توسلات بايدن.
ولكن أيضًا باستضافة الرئيس الصيني شي جين بينغ بشكل بارز في حفل السجادة الحمراء لعدة أيام، معلنًا أن الصين ستبني محطة نووية مدنية وتدعم تطوير الصواريخ في البلاد، ورفض فرض عقوبات على روسيا لغزوها أوكرانيا.
وهكذا حان الوقت لفريق بايدن للخضوع لرغبات محمد بن سلمان. وكان التنازل الرئيسي الأول هو منح ولي العهد الحصانة من الملاحقة القضائية في الولايات المتحدة، وإحباط العديد من الدعاوى القضائية المرفوعة ضده بتهمة قتل جمال خاشقجي، ومحاولة قتل سعد الجبري، والمضايقات والهجمات التي تستهدف الصحفية في قناة الجزيرة غادة عويس.
وكان التنازل التالي هو حصول فريق بايدن على الجائزة الكبرى في قائمة أُمنيات السعودية وهي ضمان أمني أمريكي على مستوى معاهدة حلف شمال الأطلسي للمملكة.
ولم تكن جهود فريق بايدن لإغواء ولي العهد بمظلة أمنية جوية فقط كافية لإقناعه، بل كان ولي العهد واضحًا في أنه يريد ضمان ثنائي على مستوى معاهدة.
ولقد قلبت هجمات حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والتسعة أشهر من القصف الإسرائيلي المتواصل وتجويع السكان المدنيين في غزة، هذه الخطط رأسًا على عقب.
كان سوليفان المُهان، الذي أعلن قبل أيام فقط من الهجوم الكارثي أن الشرق الأوسط “أكثر هدوءًا اليوم مما كان عليه منذ عقدين من الزمان”، وتباهى بأن “الوقت الذي يتعين علي أن أقضيه في الأزمات والصراعات في الشرق الأوسط اليوم مقارنة بأي من أسلافي منذ 11 سبتمبر/أيلول قد انخفض بشكل كبير”، وجد نفسه مضطرًا إلى تأجيل خطط اتفاقية السلام السعودية الإسرائيلية.
حتى أن محمد بن سلمان لم يجرؤ على تأييد إسرائيل علنًا في مواجهة التعاطف السعودي الشامل تقريبًا مع معاناة الفلسطينيين.
وفي حين أن الكونغرس الذي تموله لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) إلى حد كبير كان من المرجح أن يدعم ضمانة أمنية أمريكية للسعودية في مقابل انضمامها إلى اتفاقات أبراهام، إلا أنه بدون ذلك، فإن التصديق على التزام على مستوى المعاهدة سيكون صعبًا للغاية.
يدرس فريق بايدن الآن فكرة فك ارتباط الضمان الأمني، فضلًا عن اصطياد تطوير الصين لمحطة الطاقة النووية المدنية، بالتطبيع مع إسرائيل في صفقة “أقل مقابل أقل”.
بموجب “اتفاقية التحالف الاستراتيجي” المقترحة، ستلتزم الولايات المتحدة بالمساعدة في الدفاع عن السعودية إذا تعرضت للهجوم، في مقابل منح السعودية لواشنطن حق الوصول إلى الأراضي والمجال الجوي السعودي، ومنع الصين من بناء قواعد في المملكة أو متابعة التعاون الأمني معها، وتوقيع “اتفاقية تعاون دفاعي” موازية، لتعزيز مبيعات الأسلحة وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتخطيط الاستراتيجي بشأن الإرهاب وإيران.
إنّ مثل هذه الخطوة تنزع غطاء “السلام الإقليمي لإسرائيل” باعتباره الدافع وراء الضمان الأمني السعودي، وتكشف بشكل أكثر وضوحًا عن الدوافع الأساسية التي تحرك فريق بايدن: وهي رؤية عالمية قديمة ولكنها راسخة مفادها أن المصالح الأمريكية تتطلب الهيمنة العسكرية في الشرق الأوسط، إلى جانب النفط الرخيص وأرباح صناعة الدفاع.
من الصعب تجاهل نداء الربح الشخصي لمسؤولي بايدن، الذين سيفكرون بلا شك في دفع ملايين الدولارات من الإمارات والسعودية، حتى لو لم تكن مربحة مثل المليارات التي حصل عليها مسؤولو ترامب ستيفن منوشين وجاريد كوشنر.
يبدو أن عقودًا من التكاليف في تسليح الدكتاتوريات والدفاع عنها في الشرق الأوسط— من المذابح الجماعية للمدنيين والحروب الدائمة، وتشجيع العدوانية المزعزعة للاستقرار، وإيقاع بلدنا في صراعات عسكرية محصلتها صفر، وتقويض مكانة الولايات المتحدة العالمية كقوة موثوقة لحقوق الإنسان والديمقراطية— لا تزال ضائعة تمامًا على القيادة الديمقراطية.
ومع اقتراب موعد انتهاء ولاية بايدن مع استمرار حرب غزة، من المشكوك فيه أن تكون الإدارة قادرة على تقديم أي توسيع في اتفاقات أبراهام أو اتفاقية أمنية لمحمد بن سلمان.
وليس من الواضح حتى أن محمد بن سلمان سيقبل هذه المكافآت، حيث سيدّخر ذلك للجولة التالية من المساومة مع الإدارة الجديدة.
في الوقت الحالي، علينا فقط أن نأمل أن “السيد منشار” سوف يُظهر قدرًا أكبر من الحكمة من إدارة بايدن ويتجنب أي حروب جديدة في المنطقة.