فضائح السعودية

محمد بن سلمان في قلب تل أبيب: تمهيد متزايد للتطبيع الرسمي

ظهر ولي العهد محمد بن سلمان في قلب تل أبيب في ظل تمهيد متزايد للتطبيع الرسمي بالتصريحات المتواترة من مسئولين أمريكيين وإسرائيليين يقابله صمت سعودي مطبق.

وقد أثار إطلاق الائتلاف الإسرائيلي للأمن الإقليمي حملة دعائية ضخمة وسط تل أبيب موجة من الجدل في المنطقة، بعد أن تصدّرت صورة محمد بن سلمان الإعلانات الضخمة إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في إشارة رمزية وصريحة إلى أن تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل بات مسألة وقت، لا أكثر.

وتُظهر الحملة التي نُشرت على لوحات الإعلانات الرقمية والضوئية في قلب المدينة ما يشبه “صورة عائلية” تجمع ترامب في المنتصف، ونتنياهو إلى جانبه، إضافة إلى رؤساء الدول التي سبق أن طبّعت علاقاتها مع إسرائيل، وفي مقدمتها الإمارات والبحرين ومصر والأردن والمغرب.

لكن اللافت كان إدراج وجوه وشعارات دول لم تطبّع رسميًا بعد، من بينها السعودية وعُمان وسوريا ولبنان، إلى جانب علم فلسطين في صورة مثيرة للجدل.

رمزية واضحة.. ورسالة سياسية

الرسالة التي أراد منظمو الحملة إيصالها لم تكن رمزية فحسب، بل سياسية بامتياز: مشروع “إسرائيل الكبرى” في المنطقة لم يعد محصورًا باتفاقيات أبراهام، بل يتوسع ليشمل تطبيعًا أكثر جرأة وأقل خجلًا، وقد يكون محمد بن سلمان في صدارته.

بالنسبة للائتلاف، الذي يضم أكثر من 100 شخصية إسرائيلية من نخبة الأمن والسياسة والدبلوماسية، فإن الحملة تهدف إلى “تعزيز السلام الإقليمي المبني على المصالح الأمنية والاقتصادية المشتركة”.

لكن في الواقع، فإن تزامنها مع مؤشرات سياسية قادمة من الرياض، بما في ذلك التصريحات المتكررة التي تقلل من أهمية القضية الفلسطينية في شروط التطبيع، يجعل الحملة أقرب إلى خطوة دعائية محسوبة تمهّد لواقع سياسي جديد في المنطقة.

محمد بن سلمان في مركز الصورة

في الصورة الدعائية التي أثارت اهتمام الإعلام العبري، وُضع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في موقع بارز، تعبيرًا عن اعتباره “الجائزة الكبرى” في مسار التطبيع الإسرائيلي.

وظهوره في الحملة، ولو بصورة غير رسمية، يعكس تصورات إسرائيلية جدية بأن التطبيع مع المملكة بات في مراحله النهائية، لا سيما بعد سنوات من التنسيق السري والتصريحات المتدرجة من جانب مسؤولين سعوديين، خصوصًا في عهد محمد بن سلمان.

ويرى مراقبون أن وضع ابن سلمان في قلب الحملة لا يعكس فقط رغبة إسرائيل في كسب الرياض، بل يشير إلى قناعة بأن الخطاب السعودي الرسمي بدأ يتماهى، ولو جزئيًا، مع الرؤية الإسرائيلية للتطبيع بمعزل عن الحقوق الفلسطينية.

خطوات ما قبل الإعلان الرسمي

شهدت الأشهر الأخيرة سلسلة من المؤشرات التي تعزز فرضية اقتراب إعلان التطبيع، بينها مشاركة مسؤولين سعوديين في منتديات دولية إلى جانب إسرائيليين، وتخفيف الرقابة على الخطاب الإعلامي المناهض للتطبيع داخل المملكة.

فضلًا عن تقارير استخباراتية إسرائيلية تحدثت عن “تفاهمات استراتيجية غير معلنة” بين تل أبيب والرياض تشمل التنسيق في ملفات إيران، والبحر الأحمر، والتكنولوجيا الدفاعية.

كما أُثيرت تقارير في الصحافة العبرية عن “ضغوط متزايدة” من إدارة ترامب العائد بقوة إلى الساحة السياسية، لدفع المملكة إلى توقيع اتفاق رسمي يعيد إنعاش مشروعه الشرق أوسطي، خصوصًا في ظل التوتر المتزايد بين الولايات المتحدة وإيران.

المواقف العربية.. رمزية الهويات المرفقة

إلى جانب محمد بن سلمان، أُدرجت وجوه أخرى في الحملة: السلطان هيثم بن طارق حاكم عُمان، وأحمد الشرع الذي يُنظر إليه على أنه واجهة محتملة لمرحلة ما بعد الأسد في سوريا، وقائد الجيش اللبناني جوزاف عون.

وتحت كل صورة، رُفع علم الدولة، باستثناء حالة فلسطين التي أُدرجت ضمن الصورة بشكل مثير للجدل، في محاولة لترويج سردية إسرائيلية مفادها أن “السلام الإقليمي” يتضمن الفلسطينيين رغم غياب أي تمثيل سياسي فلسطيني فعلي أو قبول شعبي.

بالنسبة للمراقبين، فإن إدراج هذه الشخصيات يعكس قناعة إسرائيلية بأن الطريق إلى التطبيع مع بقية الدول العربية بات معبّدًا، ولو عبر أطراف غير منتخبة أو تمثيلية، كما في حالة لبنان وسوريا.

تنديد فلسطيني وتحذيرات من شرعنة الاحتلال

قوبلت الحملة الدعائية بتنديد واسع من قبل فصائل فلسطينية ونشطاء مناهضين للتطبيع، اعتبروا أن “الحملة تستكمل نهج تصفية القضية الفلسطينية وتطويع الشعوب العربية نحو قبول الكيان الصهيوني كجزء طبيعي من المنطقة، دون أن يدفع ثمنًا سياسيًا أو أخلاقيًا لجرائمه المستمرة”.

وحذّرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيان لها من “الاندفاع السعودي الخطير نحو التطبيع الذي لا يخدم سوى المشروع الاستعماري الصهيوني، ويقوّض أي أمل في تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.”

ورغم أن السلطات السعودية لم تُصدر أي تعليق رسمي على الحملة، إلا أن صمت الرياض المتكرر تجاه حملات إسرائيلية مشابهة، واستمرار التعاون الأمني والاقتصادي من خلف الكواليس، يطرح تساؤلات جدية حول ما إذا كان إعلان التطبيع الرسمي بات مسألة توقيت فقط.

وتبقى عيون المنطقة مشدودة إلى الرياض وتل أبيب وواشنطن، حيث تتقاطع المصالح وتُطبخ الصفقات. وفي هذا السياق، يبدو أن الحملة الإسرائيلية الأخيرة في قلب تل أبيب ليست سوى تهيئة الرأي العام، إسرائيليًا وعربيًا، لمرحلة ما بعد كسر الجليد.. حيث يصبح محمد بن سلمان، حرفيًا، في قلب “صورة العائلة” الجديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى